2023-12-14 23:53:29
أمد/
القضاء على حركة «حماس»، حلم يراود دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي تسعى إلى تحقيقه منذ سنوات، بحجة القضاء على الإرهاب، خصوصًا بعد الضربة المدوية التي قامت بها «المقاومة» في السابع من أكتوبر الماضي، وارتكب جيش الاحتلال مجازر تجاه المدنيين العُزل، وبرر جرائمه، بالبحث عن عناصر وقيادات «حماس»، داخل منازل المدنيين.
دمرت غارات جيش الاحتلال مئات المنازل على رأس الأبرياء، حتى أصبحت غزة وكأنها «مدينة أشباح»، فمن يرى مشاهد التدمير عبر شاشات التلفاز أو السوشيال ميديا، يظن أنها «فوتوشوب» أو صور بـ«الذكاء الاصطناعي»، من أحداث فيلم سينيمائي، ولكن المشاهد المأساوية هي حقيقية، تخفي خلفها أرواح أُزهقت بلا ذنب، على مرأى ومسمع مجلس الأمن وحلفاء الاحتلال، الذي يواصلون الرقص على جثث الشهداء الفلسطينيين، بصمتهم المُريب، وعجزهم عن مواجهة الظلم والعدوان الآثم.
ما ترتكبه إسرائيل من جرائم، ويخطط له قادتها، للقضاء على «حماس»، هو أمر في اعتقادي «وهم»، تصدقه دولة الاحتلال، وتحاول إقناع شعبها، والدول الداعمة لها به، بحجة القضاء على أكبر عدد من المدنيين الأبرياء، وتنفيذ خطة التهجير القسري للشعب الأعزل، وما يؤكد ذلك السعي لبناء مستوطنات جديدة.
وعلنًا ترتكب حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو، جريمة حرب ضد الإنسانية في غزة خاصة في صفوف النساء والأطفال، ولا تستهدف إسرائيل في هذه الحرب «حماس»، وإنما تستهدف المشروع الوطني الفلسطيني والمدنيين، وتبحث إسرائيل من خلال التصعيد في عملياتها العسكرية إلى تهجير الفلسطينيين وإفراغ قطاع غزة ومصادرة ما تبقى منه.
والمشروع الإسرائيلي كان واضحًا لدول الجوار، وهو ما دفعهم إلى رفض كل أنواع التهجير القسري، الذي تنتهجه إسرائيل تجاه فلسطيني قطاع غزة،
وفشل مجلس الأمن للمرة الخامسة في وقف إطلاق النار، يعد دليلا كافيًا لفشل الدبلوماسية، وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة سنة 2005، كان انسحابًا شكليًا، وتحدد إسرائيل أهدافها بشكل كمي وليس نوعي، وتصنيف حماس كمنظمة إرهابية لا يبرر ما يحدث من قتل للأطفال والنساء.
وتظن إسرائيل أنه حال تمكنها من القضاء على حكم «حماس» في غزة، بأنها ستقضي على الحركة نهائيًا، وهو أمر في اعتقادي محاولة يائسة، فمن الممكن أن تتخلص إسرائيل من بعض قادة «حماس»، وتحاول الوصول إليهم بمختلف الوسائل، وحتى إذا أدركت ذلك، فإنها لن تستطيع، القضاء بشكل نهائي على الحركة، التي تأسست قبل 36 عامًا، في قطاع غزة.
عملية البحث عن قادة «حماس»، لم تقتصر على قطاع غزة فقط، بل امتدت جرائم الاحتلال الإسرائيلي لمدينة رفح، ووجهت أسلحة العدوان نيرانها الوحشية جنوبا صوب رفح، واستهدفت مدفعية الجيش الإسرائيلي المستشفى الميداني الأردني ومحيط المستشفى الأوروبي في مدينة خان يونس، وعدة مناطق أخرى، وتصر إسرائيل على أن قادة حماس البارزين ترسانتها الصاروخية موجودون في خان يونس، وتوسع دائرة الصراع، لإحداث أكبر قدر من الدمار بالأراضي الفلسطينية.
وإذا نظرنا إلى تاريخ المواجهات، بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس، سنجد أن إسرائيل استطاعت القضاء على عدد من قادة حماس، أبرزهم الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، ولكنها فشلت في القضاء على الحركة من جذورها، ولدى إسرائيل رهان آخر في خان يونس، ويراهن جيشها على هزيمة «لواء خان يونس»، الذي يضم كتيبتين تعتبران من أقوى الجماعات المسلحة لدى حماس.
وتعتقد إسرائيل أن الحركة في جنوب ووسط غزة محاصرة ومعزولة، وسيكون القضاء عليها أسهل، واعتقد أن قادة حماس بحكم تاريخ المواجهات مع جيش الاحتلال، لديهم خطط يتمكنوا من تغيير مواقعهم عبر الأنفاق، وسط تصريحات تخرج بين الحين والآخر، على لسان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بأن الحرب لن تضع أوزارها قبل إنهاء حماس من الوجود، وأن إسرائيل لن تقبل بأقل من رأس زعيم الحركة يحيى السنوار.
وفي اعتقادي أن الحرب التي يشنها جيش الاحتلال على فلسطين بوجه عام، وقطاع غزه بوجه خاص، لا تعالج المشكلة من جذورها، ولكنها تفتح ساحة مواجهة جديدة، وأثبت التاريخ أن «حماس» لديها كوادر وإمكانيات لإعادة البناء والتمركز في سوريا ولبنان، وحال سقوطها في غزة، من الممكن أن تعيد بناء هيلكها من جديد، وقد يستغرق الأمر وقتًا طويلًا لكنه سيحدث، رغمًا عن أنف إسرائيل.
والمسألة لا تتعلق بوضع غزة تحت الوصاية، ولكن القضية تحتاج إلى حل سياسي شامل ينهي معاناة الشعب الفلسطيني، التي بدأت قبل 75 عامًا، وليس في 7 أكتوبر، ولن تتمكن إسرائيل من تحرير الرهائن الذين احتجزتهم حركة «حماس»، من خلال الحرب. ولا سبيل لتحقيق ذلك إلا بالحل السياسي.
وفي رأيي لن تستسلم «حماس» مهما واجهت من حصار وعمليات عسكرية، وخصوصًا وأنها تتلقى دعمًا لوجيستيا من إيران، التي ترى أن وجود «حماس» ضروري، لمواجهة إسرائيلي في المنطقة، لعرقلة مخططاتها التي تهدف للتوسع، في بناء المستوطنات، والاستيلاء الكامل تدريجيًا على الأراضي الفلسطينية.
وتؤكد المؤشرات أن القضاء على «حماس»، ليس أمرًا سهلًا، فحركة المقاومة لديها تسليح كامل، وعناصرها لديهم قدرات تدريبية على القتال، وفكرة القضاء عليهم لن تتحقق بقرار أو عمليات عسكرية، والقضاء على «حماس» لن يحدث بقصف منهجي ومتواصل، وإبادة منطقة بأكملها، أو قصف البنية التحتية للمدنية برمتها، أمرًا مفزعًا، يعكس عشوائية جيش الاحتلال، وغايته في «فرد العضلات»، تجاه شعب أعزل.
وإذا فرضنا أن جيش الاحتلال، استطاع القضاء على «حماس» وإنهاء حكمها في غزة، وإجبار عناصرها وقادتها على الفرار من الأراضي الفلسطينية، فلن تستطيع إسرائيل محو جذور الحركة، التي ستتجه إلى سوريا أو لبنان، لإعادة بناء قوتها من جديد، وستأخذ الحركة «استراحة محارب»، حتى تعود مرة أخرى، ومع ذلك لن تتمكن إسرائيل من فرض سيطرتها بالكامل، فهناك العديد من حركات المقاومة الفلسطينية، مثل «فتح، والجهاد الإسلامي»، وغيرهم الذين لن يتونوا عن الدفاع حقوق الشعب الفلسطيني.
وهناك تنظيمات جهادية أخرى من لبنان، بخلاف حزب الله، تطلق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه المستعمرات الإسرائيلية، وهو ما يضاعف قلق اللبنانيون ويزيد خوفهم من انفلات الأمور وانجرار لبنان إلى الحرب بشكل كامل، وهو الأمر الذي قد يدفع «حماس» للجوء للأراضي اللبنانية، وتنفيذ عمليات من جنوب لبنان، وذلك حال نجاح المخطط الإسرائيلي في تقويض وحصار «حماس».
وفي اعتقادي أن المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال تجاه المدنيين، وإزهاق أرواحهم وهدم منازلهم وتشريدهم، لن يتمكنوا من تحقيق النصر، على حساب أصحاب الأرض، الذين يتصدون بكل ما لديهم من قوة وشجاعة، لجرائم العدوان.. فالنصر حتمًا سيكون لأصحاب الحق.