2023-12-21 18:44:31
أمد/
اعتبر الجيش الإسرائيلي أن المرحلة الرابعة والأخيرة هي «التسوية السياسية» جزء من مراحل عمليته العسكرية في غزة التي بدأها بالمرحلة الأولى القصف البري والبحري والجوي، ثم المرحلة الثانية «التوغل البري»، والمرحلة الثالثة «تمشيط المنطقة» المسيطر عليها من بقايا المقاومة، يسعى الجيش الإسرائيلي إلى نصر عسكري لتقديمه للجمهور الإسرائيلي لأهداف سياسية، ويقوم الجيش بتصعيد العمل العسكري لتحقيق هذه الأهداف، ويضغط السياسيون على قادة الجيش للاستمرار في العمليات العسكرية دعماً لسياساتهم رغم كل الخسائر التي يتعرض لها، لا يمكن الفصل التام بين العمل العسكري والعمل السياسي في العلاقة بين الدول المتخاصمة أو الدول المتحالفة، ولا يمكن فهم السياسات العسكرية دون فهم السياسة العامة، ومعادلة التفاوض السياسي تقوم على الوضع العسكري للطرفين المتفاوضين، وعلى هذا فإن التحليل العسكري على صلة بالتحليل السياسي، كل منهما يؤثر بالآخر، لكل منهما ميدانه وتخصصه، لكنهما يلتقيان في القضايا الاستراتيجية، ويفترقان في طبيعة المعرفة ونوع الخبرة اللازمة للتحليل في كل جانب.
النتائج التي يصل إليها التحليلان كلاهما ليست معلومات، وإن أصابت عين الحقيقة، وإن ظهرت للمتابعين بهذه الصورة، يقدمها خبراء في هذا الشأن أو ذاك، مثل المعلومات عن أنفاق غزة التي تدخل في نطاق المسألة التحليلية وايس في نطاق الحقائق المؤكدة، يُبنى التحليل على وقائع وبيانات يستمد منها براهين واستنتاجات، لا تكذبها منطق العلوم، إنما في العلوم الإنسانية لا أحكام مطلقة، أو صادقة في كل زمان ومكان.
يدخل كثير من الحقائق والمعلومات في دائرة السر العسكري الممنوع من النشر والتداول، وتخضع كل معلومة للرقابة العسكرية، لذا المجال مفتوح أمام التحليل العسكري ليقول ما يقوله، وفق مبدأ الغموض الذي يتسم به الموقف العسكري خوفاً من أن يستفيد الخصم من المعلومة، أو وضع علامات استفهام كثيرة على ما يعرضه طرف ما على أنه إنجاز، مثل النفق الذي أكتشفه الجيش الإسرائيلي في شمال غزة بالقرب من معبر ايريتس، تسريب معلومات جزئية أو مغلوطة، تجعل المحللين يلجؤون إلى مبدأ الاحتمالات المتعددة فما دام طول النفق 4 كم فهناك احتمالان حول أين يبدأ وأين ينتهي، وبالتالي استنتاجات ترتبط بهذا أو ذاك، وفي الوقت المناسب يعرض الطرف الآخر ما لديه من معلومات ليتبين لاحقاً أن النفق قديم وانتهى العمل به يوم 7 تشرين أول/ أكتوبر.
ولا يختلف الأمر من حيث النوع مع التحليل السياسي، فلعالم السياسة خفاياها، ويجري تحت الطاولة ما يجري، وقد تظهر للعلن بيانات، ومعاهدات واتفاقيات، وقد تقدم للجمهور نصف الحقيقة، أو تخفيها كاملة، وتسقط المقولة الثورية كل الحقيقة للجماهير، في شباك الضرورات المستورة، وحين يعجز الإعلامي عن استبيان الحقيقة يلجأ إلى خبراء التحليل ليقدموا ما لديهم.
الحدث خبر هام يتصدر الأخبار، وله أبعاده وتداعياته على المستوى الإقليمي والعالمي، فهو مادة جيدة للتحليل السياسي والاستراتيجي، بعض المتابعين يرون في التحليل سواء العسكري أو السياسي حقائق مؤكدة حيث تستضيف المحطات الفضائية خبراء ومختصين، لديهم قدرة على الاقناع بوجهة نظرهم، لكن كل ما يتعلق بالتنبؤ المستقبلي لا يمكن أن يكون محتوماً، قد تظهر أحداث لم تكن في الحسبان تغير كل ما بناه التحليل الموضوعي.
الحدث العسكري ملفت للأنظار والاهتمام لما يحدثه من عنف وقتل وتدمير ودماء وهو حدث ساخن يلزم عنه ضجيج إعلامي يرتفع صخبه كلما ازدادت شراسة المعارك، فتعمل الصحافة والإعلام على البحث في أبعاد الحدث وتداعياته، قد تصبح التحليلات أشبه بالتكهنات، وتخضع أحياناً لوجهات نظر متباينة، بل قد تكون متناقضة، مثال: في موضوع القتلى الإسرائيليين في معارك عملية طوفان الأقصى، يرتفع عدد القتلى من الضباط مقارنة بأعداد الجنود القتلى، لماذا برأيك؟.
هنا الرأي لا يخلو من الانحياز، لهذا الطرف أو ذاك من المتحاربين، وإن ادعى توخي الموضوعية، أحدهم في مقاربته الموضوعية، قال: لأن الجيش الإسرائيلي على خلاف الجيوش العربية التي يقود الدبابة فيها صف ضابط، بينما الجيش الإسرائيلي يقود الدبابة أو الآلية العسكرية ضابط، ولأنه يعتمد على المدرعات والدبابات والآليات في عملياته العسكرية، أكثر مما يعتمد على القوات الراجلة (المشاة) لهذا يرتفع عدد القتلى من الضباط، ولماذا يرتفع عدد القتلى من الضباط، وطاقم عربة النمر 12 جندي، وطاقم الميركافا عشرة عناصر، والجرافة العسكرية لا يقودها ضابط؟. هل تحيد قذيفة الياسين عن الجنود، وتنتقي وتختار الضابط ؟. هل يستنتج التحليل العسكري أنها قذيفة ذكية؟. مادامت ستنفجر وتتحول شظايا، فلتختار وتنتقي هدفاً دسماً.
من جهته المحلل العسكري الإسرائيلي في ذات الموضوع، ارتفاع عدد القتلى من الضباط، يدعي زوراً وبهتاناً شجاعة يمتلكها الضباط لأنهم يتقدمون الصفوف الأولى في العمليات العسكرية، لذلك تكثر الإصابات بينهم، أو أن أحدهم يقول الضباط في الأمام، أين في الأمام؟. هل يجلس على سبطانة مدفع الميركافا؟. وإذا صحيح أن الضباط في الأمام ضمن تشكيلات لواء المشاة فذلك يعود كما قيل إلى عدم كفاءة الجندي وصف الضابط، لماذا؟. إما لجبنهم وخوفهم في حالة الاشتباك القريب التي تتبعها المقاومة في شوارع وأزقة المدن، أو الروح المعنوية الهابطة، وقد قال وزير الحرب الإسرائيلي: «واجهنا ظروفاً مختلفة لم نعتاد عليها في السابق».
لا أدعي القدرة المعرفية على التحليل العسكري، لكن الكل يعرف أن المقاومة الفلسطينية التي تواجه توغل جيش الاحتلال، تنتهج أسلوب حرب العصابات، لا تضرب في مقدمة صفوف الجيش المتوغلة لأنها في حالة جهوزية عالية لمواجهة مقاومين قد يحاولون ردهم أو إعاقة تقدمهم، بل تضرب في المواقع العسكرية في الوسط وفي المؤخرة، في المناطق غير المتوقعة، يخرج المقاومون من أنفاقهم ويفاجئون جنوده وضباطه باستهداف مقرات قيادته المتأخرة، كما حصل في جحر الديك، هنا تكون نسبة عدد الضباط إلى عدد الجنود أكثر، فأين هذه الشجاعة التي يتحدثون عنها؟. وفي الأصل الشجعان لا يقتلون الأطفال والنساء، ولا حاجة لدليل على جبنهم، وقد نقلت الصورة والأفلام ما كانوا عليه من رعب يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ولا حاجة للتذكير بفرار الجنرال أرئيل شارون من معارك ثغرة الدفرسوار بادعاء الإصابة في الرأس بعد معركة المزرعة الصينية.
تقدم محطات فضائية عربية فقرة تحليلية للموقف العسكري، بناء على معلومات عن مصادر إسرائيلية غير وزارة الحرب، إذ نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت تقريراً تكشف فيه أن عدد الجرحى في المشافي الإسرائيلية بلغ خمسة آلاف يتفق المحللون العسكريون بأن حقيقة الخسائر هي الرقم الذي يقدمه الجيش الإسرائيلي عن خسائره مضروب بالرقم عشرة، وفق معادلة رياضية مبنية على عدد الآليات ونوع الآليات وعدد الجنود في كل آلية، حيث يرقى الرقم إلى 400 جندي وضابط خمسة أيام، وحسب تقديرات المقاومة الفلسطينية أنها دمرت 1200 مركبة ومدرعة كلياً أو جزئياً بينها 182 دبابة ميركافا حتى منتصف تشرين الثاني / نوفمبر، صحف أجنبية قالت إن 88 دبابة ومركبة مجنزرة أصيبت في غزة من أصل 383 مركبة إسرائيلية مشاركة في التوغل البري وهو ما يمثل 23% دمرت جميعها بأسلحة محلية مثل قذيفة ياسين أو عبوة شواظ، وأن 82 من عناصر لواء جولاني نخبة الجيش الإسرائيلي قد قتل أو جرح وهو يمثل ربع هذا اللواء.
خبر آخر من مشفى سوروكا، يقول: وصل المشفى 49 جندياً إسرائيلياً مصاباً خلال 24 ساعة، ومنه يخلص التحليل العسكري أو يخمن عدد القتلى، كأن يكون هناك مقياس قتيل لكل عشرة جرحى، فيبلغ عدد الجنود والضباط القتلى 500 قتيل في عشرة أيام، بعض المعلومات لابد أن يقدمها المحلل العسكري بناء على حسابات عادية مثل عدد الجرحى في كل يوم 60 جريح، وبناء عليه يستطيع أن يتنبأ ما عدد الجرحى في عام، إذا استمر القتال بنفس الوتيرة. ونشرت احصائيات تصنيفاً لحالات الجرحى، وقد بلغ 2000 معاق، 100 أصيبوا بالعمى، 12% تمزقات داخلية، 7% أمراض نفسية، أما الأخبار عن القتلى فقد أعلن عن مقتل 8 أغلبهم من الضباط بينهم قائد فرقة في معارك شمال غزة خلال يوم واحد، ومقتل عشرين عسكرياً في معارك الشجاعية خلال أسبوع، وكل المحللين العسكرين المنحازين ايديولوجياً ووطنياً، وهم على صواب، وتحليلاتهم منطقية وموضوعية، يرون هذا الاعتراف من قبل العدو بخسائره هو اعتراف جزئي والأرقام أكبر من ذلك بكثير، لا يعترف بها العدو لأن لها تأثيراً سلبياً على الروح المعنوية لجنوده وضباطه، هذا من جهة العدو، لكن حسب المقاومة وتقديراتها لخسائر العدو، بتدمير 72 آلية عسكرية في يوم واحد، من المسافة صفر، ومن هذه المسافة تكون الإصابة قاتلة، وتوقع إصابة بليغة، والدليل على ذلك إخلاء الجرحى بالطائرات المروحية في سباق مع الزمن للحفاظ على حياة المصاب بجراح بالغة الخطورة.