أمد/
ضمن المؤشرات العملية لخطوات هندسة الوضع الفلسطيني بشكل عام، وفي قطاع غزة بشكل خاص من قبل أـطراف دولية وإقليمية، تشكل الوجه الآخر لمحرقة عزة في بعده السياسي الذي هو هدف هذه الحرب المجنونة، نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، تفاصيل وثيقة سعودية قُدّمت إلى وزارة الخارجية الفرنسية، تحمل خطة لإنهاء الحرب في غزة، تنصّ على نقل قادة حركة حماس العسكريين والأمنيين إلى العاصمة الجزائرية.
الخطة حسب الصحيفة أعدّها مركز أبحاث سعودي، وجرى تطوير النص مع مسؤولة قسم شمال أفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية آن غريو، قبل تحويله إلى وزارة الخارجية الفرنسية. تتضمن إجلاء قادة "حماس" إلى الجزائر ، وفي ترتيبات إدارة غزة بعد الحرب؛ نشر قوات حفظ سلام عربية في غزة، بموجب تفويض من الأمم المتحدة، وإنشاء "مجلس انتقالي مشترك"، يضمّ الأطراف الرئيسية في غزة (حماس، الجهاد الإسلامي، وفتح)، يكون مسؤولاً عن إدارة القطاع لمدة أربع سنوات، وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية.
وفي تقديري فإن هذه الخطة السعودية الفرنسية إن صحت فهي تشرّع الانقسام الجغرافي والسكاني بين محافظات الوطن الفلسطيني في الضفة والقطاع ، وتكرّس الوصاية على الشعب الفلسطيني وتكافئ الاحتلال الصهيوني والعدوانية الأمريكية على جرائمهم في غزة والضفة، وتتجاهل أن معركة غزة والضفة هي معركة تقرير مصير واستقلال ، وليس البحث عن وصاية أيا كان من يقوم بها.
وللأسف فإن ما يشجع تلك القوى هو غياب العنوان السياسي الفلسطيني الجامع الذي يحظى بالقبول من جميع الأطراف الفلسطينية الفاعلة، التي هي جزء من الصراع مع الكيان الصهيوني سواء في بعده العنفي أو السياسي والثقافي والمجتمعي. فيما أبدى البعض الاستعداد بشكل مباشر أو غير مباشر ، للتعاطي مع مشاريع هندسة الوضع في غزة من الأطراف الخارجية، عوض التوجه داخليا لاستعادة الوحدة الوطنية التي فجرها الانقسام عام 2007 لمواجهة تحديات مصيرية غير مسبوقة تتعلق بوجود المشروع الوطني الفلسطيني في ذاته في ظل هذا الحشد المعادي من معسكر الأعداء.
ولأن هناك في الجانبين من تعوزه فضيلة وعي أن التناقض هو أولا وأخيرا مع الاحتلال ومعسكر الأعداء، وأن التناقضات الداخلية في الحالة الوطنية العامة، يمكن حلها فقط ضمن قانون الصراع داخل الوحدة، وليس النفي المتبادل.
وكونها لفاجعة ضمن محدد النزاهة الفكرية والسياسية أن يكون هناك في الحالة الوطنية من يعمل على تظهير التناقضات الداخلية في وقت يستهدف العدو كل الشعب الفلسطيني، هذا العدو الذي لا يرى فرقا بين حماس وفتح، لأن كلا منهما يستهدف تدميره وإن اختلفت الأساليب ، ولذلك طالبت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هؤلاء بالتوقف عن المهاترات والتسول والاستجداء وطلب الرضا الأمريكي والغرب، أو التعاطي أو التساوق مع أي ترتيبات غربية أو دولية تسعى للانقضاض على المقاومة ومنجزات شعبنا، وتضع شعبنا وقضيته تحت رحمة الوصاية أو التدخل والرقابة الدولية.
وفي سياق استشعار خطر هذه الترتيبات وتغليب البعض التناقضات الداخلية على التناقض الأساس مع العدو القومي ، دعت الجبهة لتشكيل قيادة طوارئ وطنية لإدارة معركة التصدي للعدوان الصهيوأمريكي على شعبنا، والمخططات التصفوية التي تستهدف قضيتنا وحقوقنا. على أن ينخرط الجميع فيها كمرجعية مؤقتة لشعبنا لحين إعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أسسٍ وطنيةٍ مقاومة تلفظ اتفاقية أوسلو والتزاماتها الأمنية والسياسية والاقتصادية أو أية مراهنات على نهج التسوية أو الحلول الأمريكية والغربية التصفوية والمشبوهة، وتضع من نتائج معركة طوفان الأقصى نقطة ارتكاز وانطلاق لمواصلة النضال حتى تحقيق أهداف شعبنا في التحرير والعودة ودحر العدوان.
وتزامنا مع مبادرة الجبهة حرك الشعور بالمسؤولية ووعي أن أخطاء وخطايا بعض القوى السياسية الفلسطينية التي غيبت الوحدة منذ سنة عشر عاما لأسباب تتعلق بمصالحها الضيقة، تستهدف الشعب الفلسطيني في الأساس كونه هو الذي يدفع ثمن ذلك تقدمت مجموعة من الشخصيات الوطنية يوم الجمعة 22 ديسمبر "مبادرة الخلاص الوطني لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة".
هذه المبادرة حسب نصها تستهدف إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة ، انطلاقًا على التوافق والشراكة السياسية، ومبدأ توازن المصالح. ولذلك فهي تقوم على مرجعية وطنية عليا للمقاومة كخطوة على طريق تشكيل جيش وطني يلتزم بإستراتيجية وطنية واحدة، وبقرارات القيادة الموحدة، بما يحقق سلطة واحدة وسلاح واحد ومقاومة واحدة وقرار واحد. مع تفعيل المقاومة الشعبية في كافة تجمعات شعبنا حسب ظروفها وأوضاعها داخل الوطن وخارجه،
وهذه المبادرة وهي تستحضر دروس التجربة الماضية في جانبها السياسي ممثلة بمخرجات ـأوسلو تؤكد على التمسك برفض العودة إلى المفاوضات الثنائية برعاية أميركية أو في سياق إقليمي أو غيره، والتمسك بعدم استئناف التفاوض إلا على أساس الالتزام بالحقوق الوطنية الفلسطينية أولًا، وفي إطار مؤتمر دولي ذي صلاحيات كاملة ودور مستمر برعاية الأمم المتحدة، وعلى أساس القانون الدولي، وبهدف تطبيق قرارات الأمم المتحدة وفق جدول زمني محدد وليس إعادة التفاوض بشأنها.
ولأن أي تجربة عاشها الشعب تحتوي الجانبين الإيجابي والسلبي، فإن المبادرة تؤكد على تعظيم الاشتباك الشعبي والديبلوماسي والقانوني والإعلامي مع الاحتلال. صمن مفهوم النضال الشامل والواسع .
إن هذه المبادرة وقبلها مبادرة الجبهة الشعبية مع كل النوايا الطيبة، هما ليستا أول مبادرتين تطلقان بهدف إنهاء الانقسام الذي للأسف تمأسس من خلال المصالح التي تشكلت لأصحابه والمنتفعين منه حتى من أعداء الشعب الفلسطيني خلال سنة عشر عاما. مع الفارق في الطرفين الذاتي والموضوعي الراهن والسابق، الذي ربما يساهم في أن يستفيق ثنائي الانقسام ويدرك أنه من زاوية المصلحة الذاتية؛ حتى لو صح القول في سياق انتهازي للطرفين، فإن الوحدة الوطنية هي الضمانة الأكيدة لكل طرف في مواجهة هذه الحرب التي يشنها الكيان وكل معسكر الأعداء القريب والبعيد على الشعب الفلسطيني الذي هم جزء منه .
وهذا الوعي يعني ضرورة مغادرة كل طرف مربع مصالحه الذاتية إلى مصلحة الشعب الفلسطيني الذي يحتوي مصالح كل القوى ،ضمن علاقات التساوي والشراكة.. فهل هم فاعلون..؟ التجربة لا تزكي ذلك، ولكن تبقى المسؤولية السياسة والفكرية والأخلاقية التي تتطلب السعي لذلك في كل الظروف من أجل إحباط مشروع الوصاية وتصفية القضية الفلسطينية.
ويمكن القول أخيرا إنه مهما كان مدى الاستجابة، فإن هذه المبادرات وفق قانون التراكم لن تكون حرثا في البحر..!