أمد/
بيد واحدة بعد ان بترت الأخرى يعبئ مدفعه ويرمي أعداءه، وآخر يخرج من تحت الانقاض وقد انهار بيته على أولاده ليقول: لن نرحل من جباليا، حيث بقي مليون فلسطيني تحت القصف، تسقط القنبلة على البيوت فينفر الشباب الى المكان بأياديهم العارية يرفعون الأنقاض ليقول احد المحصورين: انقدوا الآخرين قبلي، ويلتف الناس حول بعضهم في أكبر محنة يعيشها الناس بعد 3 أشهر من الجوع والعطش والبرد وانعدام الدواء وتوالي القصف بشتى أشكال القنابل.. هنا باقون ولن نرحل.. وفي المقابل يرحل مليون صهيوني الى أوربا وأمريكا وكندا، وكلما دوت صافرات الإنذار هرع 3 مليون صهيوني الى الملاجئ، كل شيء تعطل في المؤسسة الصهيونية وطائرات الهليوكوبتر لم تتوقف عن نقل القتلى والجرحى من ساحات المواجهة.
انهيار تطويق الانتصار:
تثير المؤسسات الصهيونية كثيرا من الهرج لتغطي على واقع الميدان الذي يرسل اشارات بانهيار الجيش الصهيوني وتهشيمه، وتحاول المؤسسات الصهيونية بعلو الصوت والقضف الجنوني على المدنيين وتحويل غزة الى كتلة لهب تحاول ان تعطي الانطباع على القوة والتفوق الميداني الا ان المتابع بدقة لسير عمليات المواجهة ولحالة الحركة في مستشفيات العدو في العمق الفلسطيني يكتشف بوضوح ان الكيان يواجه واحدة هي الاخطر في المواجهات منذ بدأ وجود هذا الكيان كما صرح بذلك يهود باراك رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق.
وهناك ميدان اخر تحاول المؤسسة الصهيونية اللعب فيه بكل ما أوتيت من خبث وعلاقات وهي ميدان التفاوضات التي يقوم العرب بالوساطة فيها!! وفي محاولة ميئوسة يبذل الطاقم الصهيوني تقليل حجم خسائره السياسية والمعنوية وطرح مبادرات او التعامل مع مبادرات عربية قريبة لرغباته الا أنه يصطدم بارادة فلسطينية صلبة مدعومة بصمود شعب اسطوري مشترطة وقف العدوان والخروج من اراضي قطاع غزة ومن ثم البدء في مفاوضات حول عدة ملفات منها تبادل الاسرى.
85 يوم من القتال المستمر والعنيف حيث المواجهات بين الفدائيين الفلسطينيين والجيش الصهيوني في ظل حسابات بتفوق العدو بكثير من الاليات البرية والجوية والبحرية الا انه لابد ان نلاحظ نقطتين متناقضتين الاولى ان اسرائيل تلقت دعما عسكريا منذ اللحظات الاولى ولا زالت تتدفق عليها الاسلحة والذخائر من امريكا واوربا="250 طتئرة شاحنة عسكرية واكثر من 50 سفينة حربية"= هذا في الحين الذي لايزال فيه الحصار على قطاع غزة مستمرا من كل الجهات الا ان المقاومة لاتشكو نقصا في الذخيرة ولا انهزاما في قواتها بل هي متدفقة العطاء وكأنها في اليوم الاول من المواجهات.
هناك محاولات لتفريغ المقاومة والصمود والانتصار واعادة الفلسطينيين الى ماقبل 7 اكتوبر وذلك من خلال طرح انماط من الحكم والادارة في غزة.. ولعل الجميع يشترك في هذه العملية السياسية الخبيثة، ففي حين فرضت جولة طوفان الاقصى معطيات جديدة ووقائع مختلفة تماما عما كان قبلها يحاول المهزومون التعميم بان الوضع القائم ماساة وانه لابد من اعادة الاوضاع الى سابقها متذرعين بمعيشة الناس واتضحيات الجسيمة.
هنا يكفي الاشارة الى ماقبل 7 اكنوبر اين كان الفلسطينيون وكيف كانت اوضاعهم واين كانت القضية الفلسطينية؟ لعله من مضيعة الوقت شرح ذلك ونكتفي بالقول ان خيار المفاوضات والحلول السياسية السلمية باءت بفشل ذريع والذي افشلها هو العدو الصهيوني المختلف عن كل استعمار في التاريخ البشري، فهذا العدو مسكون بروح الغطرسة والعنصرية والفتك والنهب والتهويد وهو يدرك ان المعركة انما هي معركة وجود وليست معركة حدود..
ويكفي ان نقول للمنهزمين ان جرائم العدو اليوم ليست اول جرائم يرتكبها فتاريخه انما هو سجل من المجازر والجرائم ولم يرحل اهل فلسطين من مدنهم وقراهم وبواديهم لمجرد انهم لم يطيقوا عيشا انما تحت سطوة الجريمة وخديعة الجيوش العربية المهزومة ، الا ان هذه الجرائم الرهيبة اليوم تفشل بفعل مقاومة الفدائيين الفلسطينيين وصمود الشعب ووعيه..
وهكذا لاول مرة تنكسر المؤسسة الصهيونية في مواجهة فاقت الخيال..وكما قال محلل الشؤون السياسية في "القناة 12"، أمنون إبراموفيتش، إنّه لو لم تُساعد الولايات المتحدة "إسرائيل" بالأسلحة والذخائر وبتوجيه رسائل إلى إيران وحزب الله، لكنّا "اضطررنا إلى القتال بالعصي والحجارة".
وأوضح إبراموفيتش أنّ ذلك "يعكس منطق اعتماد إسرائيل المطلق على الولايات المتحدة"، فبايدن، "وقف في بداية الحرب إلى جانب إسرائيل، مرسلاً حاملتي طائرات وغواصة نووية وقطاراً جوياً من الذخائر، غير مسبوق، ولم يتوقف حتى الآن". ولفت إلى أنّ الولايات المتحدة وجّهت بذلك رسالة إلى حزب الله وإيران، مفادها أنّه "إذا بدأتم حرباً ضد إسرائيل، فسيكون عملكم معنا".
ومن جهته أكد رئيس وزراء الكيان الأسبق، إيهود أولمرت، إنّ "احتمالات تحقيق القضاء التام على حماس كانت معدومة منذ اللحظة التي أعلن فيها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أنّ هذا هو الهدف الرئيسي للحرب". وأضاف أنه "حتى في ذلك الوقت كان واضحاً لكل من فكّر في الأمر، أنّ التدمير الكامل لحماس هو مجرد أمنيات غير قابلة للتطبيق عسكرياً، حتى في ظل ظروف غير تلك الموجودة في قطاع غزة".
لقد فشلت المؤسسة الصهيونية عن تحقيق أي هدف مما سبق أن اعلنه نتنياهو فلم يسترجعوا اسيرا ولم ينهوا قوة حماس والاهم من كل هذا لم يستطيعوا ارعاب الشعب الفلسطيني ودفعه للرحيل عن ارضه.
القضية الفلسطينية من جديد:
لقد استطاع 7 اكتوبر ان يضع القضية الفلسطينية في اطارها الطبيعي: شعب صاحب الارض يفرز مقاومة في مستوى طموحه وايمانه وعقيدته في مواجهة عدو متغطرس عنصري مجرم، وفي مناخ من الهزيمة التي تشمل العرب والمسلمين الذي دفع الكثيرين منهم الى الهرولة نحو علاقات شراكة مع العدو الصهيوني ومناخ من الانحياز الغربي لاسيما الامريكي الكامل بشتى الوسائل وفي كل الميادين الى درجة المشاركة في القتال حيث تقدم المئات من المارينز في بداية العدوان البري وكما شملت قوات العدو اكثر من 4000 جندي فرنسي وكذلك العديد من المرتزقة الامر الذي يفسر عدم اعطاء ارقام صحيحة للقتلى من عساكر العدو.
قوة الفعل الفلسطيني في شق المقاومة اعاد الوعي للمنطقة والعالم بان هناك قضية فلسطينية وموضوعها شعب يريد وطنه وارضه.. والمسألة ليست مسألة تسوية بين طرفين.. ان ثقافة بكاملها تسقط ويسقط معها رموزها ومروجوها لتبرز ثقافة حقيقية قوية نشطة هي بالضبط ما له علاقة بالحقائق المنطقية التاريخية فلا تسوية بين الباطل والحق ولا تسوية بين الخير والشر ولا تسوية بين الضحية والوحش.. انما هي استعادة اللياقة الفلسطينية بعد سنوات التيه الاربعين.. عود اللياقة الفلسطينية بشعب يكتنز ايمانا وعقيدة ووعيا وعشقا للوطن وبمقاومة اخذت على عاتقها تهشيم الجيش الصهيوني ومرمغة انفه في رمال غزة ورفع الضغط النفسي عن العرب والمسلمين الذين سكنهم الجبن والخوف والوهن بعد ان راجت بينهم سمعة جيش لايقهر.
من هنا بالضبط ومن جملة الوقائع التي انشأها طوفان الاقصى يلملم الفلسطينيون امالهم والامهم وهم لن يتركوا الطريق بعد ان شقوا بدمهم والامهم أوله.. طريق المواجهة والهجوم العنيف على قواعد اللصوص والمجرمين.. ولقد تجلى للدنيا ان هذا الشعب اعظم الشعوب ايمانا بربه وتمسكا بارضه وعشقا للشهادة وتأييدا للمقاومة.
ومن هنا بالضبط يجد الفلسطينيون سبيله لاقناع الناس في كل القارات بحقهم وبتصميمهم وبروحهم العظيمة فاندفع الناس في كل مكان يتساءلون عن ايمان اهل غزة وعن صمودهم وعن معدنهم فكانوا امام حقيقة ان هذه الدوافع مجتمعة صنعت منهم شعبا يستحق ان يكون هو الشعب الذي اشار اليه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بانه شعب الرباط الى يوم الدين لا يضره من خذله وهو لعدوه قاهر..
كلمة أحيرة:
مما يحزن فإن أيتام التطبيع المطعون والمسجى الى جهنم لا يعجبهم ان يروا كل هذا الانتصار والاقتدار.. ومما يحزن أن يجد أصحاب التسوية السياسية أنفسهم كأنهم المقصودون بضربات المقاومة فينبرون للتشكيك والطعن والتسفيه واللطم والعويل بسبب كثرة الضحايا ويلقون باللائمة على قيادة المقاومة وهم في ذلك يمعنون في اختيار موقعهم الذي يبعدهم بعيدا عن مصلحة الشعب والقضية.. فلعله مفهوم تماما ان لاتحرير بلا شلال دم وبلا دمار وبلا خراب ولعله مفهوم ان الصمود والمقاومة هي عناوين الانتصار الكبير.. ولقد ابلى شعبنا ومقاومتنا اعظك بلاء.. فليكن واضحا ان الرحلة قد بدأت وان الطريق قد عبدت وان الشعب لن يتراجع وان المقاومة تجذرت في ارضها وأن الجريمة الصهيونية تكشفت عن حقيقتها.. وليكن واضحا واضحا ان فلسطين اصبحت اليوم اكثر حضورا من اي مرحلة سبقت فليختر من يشاء طريقه اما فلسطين ومهرها غال والا فالتيه والضياع.