أمد/
إن تعامل البعض الفلسطيني مع اغتيال نائب قائد حماس صالح العاروري في هجوم طائرة مسيرة في الضاحية الجنوبية من العاصمة اللبنانيةـ وكأنه حدث مفاجئ وغير متوقع، يعكس قصورا في قراءة مشهد الحرب في غزة منذ عميلة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي.ـ التي أحدثت زلزالا في الكيان وصدمة غير مسبوقة، مست بشكل جوهري المؤسسة العسكرية والأمنية فيه، وهو ما دعا نتنياهو إلى القول في خطاب ألقاه في 22 نوفمبر. "لقد أصدرت تعليماتي للموساد بالعمل ضد قادة حماس أينما كانوا"،) جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي). وهو أيضا ما جعل قادة الكيان الذين عادةً ما يبقون جهود الاغتيالات سرية إلى إظهار القليل من التحفظات بشأن الكشف عن نواياهم لملاحقة كل المسؤولين عن هجوم 7 أكتوبر، بأن قالوا: إن "إسرائيل" تعمل بالفعل على قتل أو اعتقال قادة حماس داخل غزة. وأن السؤال المطروح على القادة الصهاينة حينها "لا يتعلق بما إذا كانوا سيحاولون قتل قادة حماس في أماكن أخرى من العالم، بل أين وكيف؟.
هذا التصريح والموقف من ملاحقة مسؤولي حماس كان واضحا في مضمونه، ويندرج في سياق التعويض عن خيبة يوم طوفان الأقصى، التي تجلت في انكشاف هشاشة مؤسسات الكيان، التي تجلت في خيبة الأمل في مستوي رد فعل الجيش والمؤسسة الأمنية على اقتحام المقاومة للمواقع العسكرية فيما يعرف بغلاف غزة، الذي خلف هذا الكم غير المسبوق من القتلى والأسرى والمختطفين الذين نقلوا إلى غزة، الذي كان استرجاعهم هو الهدف الأساس في الحرب على غزة، بالإضافة بالطبع إلى تفكيك بنية حماس العسكرية وإنهاء حكمها في غزة، وهي المعركة لم تحقق بشكل حاسم أيا من تلك الأهداف.
ونعتقد أن الذي سرع في عودة سياسية الاغتيالات مجددا ، هو أن الحرب والعملية البرية في غزة لم تحقق ما كان مرجوا منها، ليس في ظل تآكل الدعم الدولي للعملية العسكرية، والغطاء الأمريكي الذي لم يعد باستطاعته أن يستمر في توفير غطاء للكيان أمام الكارثة الإنسانية في غزة، التي بدأت ارتداداتها السلبية داخل الولايات المتحدة نفسها في عام الانتخابات الرئاسيةـ وإنما داخل الكيان نفسه من قبل أهالي الأسرى والمختطفين ، الذين وصل بهم الأمر إلي الضغط نحو اتباع وسائل غير الحرب لاسترداد أبنائهم ، بل وتحميل نتنياهو والأجهزة المختلفة بالتقصير والفشل في كل نتائج 7 أكتوبر.
ولأنه لا يوجد في يد نتنياهو والمؤسسة الأمنية أي ورقة يواجه بها ضغط الداخل في حين تتقلص المساحة الزمنية التي وفرتها أمريكا لنتنياهو لاستمرار الحرب لتحقيق أهدافه فيها، من الطبيعي البحث عن ورقة يقدمها للداخل الصهيوني في حال اضطر إلى تقديم ما يسميها التنازلات المؤلمة في عملية لتبادل الأسرى والمختطفين مع المقاومة، من خلال استخدام ورقة الاغتيالات، وهي ورقة معلنة وسبق للمستوى السياسي والأمني أن أكدا عليها.
وإذا كانت حماس قد تعاملت ربما بخفة من تلك التهديدات عبر رد المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لـ"حماس" طاهر النونو، الذي قال إن "التهديدات الإسرائيلية باستهداف قادة حماس في الداخل والخارج لا تخيف أحداً من قادة الحركة، وتعكس المأزق الذي تعيشه إسرائيل". فقد كان موقف زعيم حزب الله حسن نصر الله مختلفا ـ عندما توعد في أغسطس الفائت بعد تهديد إسرائيلي باغتيال العاروري الذي يقيم على الأراضي اللبنانية، بالتحديد. أن «أي اغتيال على الأرض اللبنانية يطاول لبنانياً أو فلسطينياً أو سورياً أو إيرانياً أو غيرهم، سيكون له رد الفعل القوي». كما شدّد على عدم السماح لـ«أن تُفتح ساحة لبنان للاغتيالات، ولن نقبل على الإطلاق بتغيير قواعد الاشتباك القائمة»،
وربما أتي هذا الاغتيال كاختبار لموقف حزب الله من الوعد الذي كان حسن نصرالله قد قطعه على نفسه وتأكيده في بيانه حول جريمة الاغتيال بأنها: "اعتداءً خطيراً على لبنان وشعبه وأمنه وسيادته ومقاومته وما فيه من رسائل سياسية وأمنية بالغة الرمزية والدلالات وتطوراً خطيراً في مسار الحرب بين العدو ومحور المقاومة". التي حسب بيان الحزب كسرت قواعد الاشتباك مع لبنان، وتجاوز الخط الأحمر الذي رسمه الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، قبل عدة أشهر. وقد فتحت الجريمة الأبواب على مسارات تبدو مختلفة عن السائد الآن، سياسياً وعسكرياً وأمنياً، زمع أن الأنظار كانت تتجه نحو الضاحية الجنوبية في انتظار خطوات ترجمة تهديد نصرالله بالرد على تلك الجريمة، الذي يبدو أن الحزب سيسعى من خلالها ربما القول أن المسألة لا تتعلق بمبدأ الرد ولكن في كيفية الرد التي لا يجب أن تحمل تفسيرين أو أكثر ، كي لا تتدحرج الأمور بشكل أكثر مما يجب، حتى لا يكون أمام محرقة غزة ثانية في لبنان، تفتح المجال أمام تداعيات تتجاوز حزب الله، الذي يدرك أنه لا يمثل إلا جزءا من لبنان؛ وليس كل لبنان، فقد أرجأ نصر الله الحديث عن رد إلى خطاب آخر.
وفي تقديري فإن الحزب لن يرد بشكل يفتح الباب أمام جر أطراف كإيران والولايات المتحدة، الدخول فيها مما يجعل من الرد مشروعا يتجاوز مصالح الدولة اللبنانية التي ليست معنية بمشروع حزب الله السياسي والفكري، الذي يحمل بصمة الوصاية أكثر منه الشراكة.
ويمكن القول والحالة هذه إن رد حزب الله المتوقع هو لتأكيد الموقع والمصداقية للحزب ورئيسةـ الذي له حسابات ليست مبنية على العواطف وردود الفعل بل استنادا إلى الوقائع والخيارات المبنية على حقائق موضوعية وليست رغبوبة.
ومع ذلك قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاجاري، إن الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب عالية للغاية. في كل المجالات، في الدفاع والهجوم. وفي حالة استعداد عالية لأي سيناريو".
وأخيرا إن اغتيال العاروري، يكشف أن المعركة مع الكيان لا يقتصر ميدانها على غزة والضفة والقدس المحتلة ، وإنما في كون الفلسطيني مستهدفا أينما كان. وتقول تجربة النضال الفلسطيني أن آلاف القادة الشهداء بشهادتهم استمرت الشعلة، وفكرة وثقافة المقاومة حية، وهي من ثم ستبقى ما بقي الشعب الفلسطيني الذي هو الأساس.