أمد/
في مقدمة مكثفة ومختصرة نستطيع ان نقول ان الارهاب هو قتال غير عادل يقوم به طرف ليس له قضية عادلة وعلى العكس من ذلك تماما بأن القتال العادل من اجل قضية عادلة ليس ارهابا وانما هو نضال عادل ودائما وعلى مر العصور ارتبط الارهاب بهذه المعادلة . فالشعوب التي قاتلت من اجل حريتها والمقاتلون الذين خاضوا على امتداد الزمان والمكان قتالا ضاريا من اجل انتزاع الحرية لشعوبهم ليسوا ارهابيين لانهم يقاتلون من اجل قضية عادلة اما الذين يقاتلون من أجل التحكم في مصائر الشعوب ومن أجـل احتلال الاراضي التي تقف عليها هذه الشعوب فهم لا شك ارهابيون .
وسواء اتخذ القتال طابع العنف والتصفية أو لم يتخذ وسواء كان على شكل حرب شاملة او كان على شكل تصفيات فردية فانه يظل قتالا تحكمه المعادلة السابقة فهو ان كان في سبيل قضية غير عادلة ارهاب وهو ان كان في سبيل قضية عادلة نضال وربما كان لا بد لي من هذه المقدمة المختصرة والمكثفة وانا بصدد الحديث عن الارهاب الصهيوني الذي بدأ ينثر نفسه عبر عواصم العالم مستهدفا المناضلين فلسطينيي الهوية أو الاختيار وآخرهم كان المناضل القائد الشهيد صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية حماس الذي اغتالته آلة البطش الصهيونية في الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية بيروت يوم الثلاثاء بتاريخ 2-1-2024.
ولقد وقع في ذهني ان توضيح هذه القضية مهمة اساسية وملحة بعد أن بدا ان الكثير من الحديث من حول الارهاب يحاول جادة وبشراسة الاتجاه نحو الفلسطينيين عبر حملة عالمية تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية وقوى الإمبريالية المختلفة.
خصوصاً أن الكيان الصهيوني اليوم خسر الكثير من رصيده المبني على الأكاذيب داخل المجتمعات الأوروبية وغير الأوروبية ممن استطاع الجهاز الإعلامي الصهيوني الوصول لها وبث روايته الكاذبة بها.
إن استهداف الشهيد صالح العاروري يندرج ضمن عملية الإرهاب الصهيوني التي تمارس يومياً بحق أبناء شعبنا، ونحاول بهذا المقال أن نوضح ماذا يريد الكيان الصهيوني من استهداف العاروري.
البنود الأربعة:
من المعروف أن الكيان الصهيوني اليوم وبعد امتداد أمد الحرب على غزة إلى وقتنا هذا في حالة ذهول وتخبط، إذ أن تماسك المقاومة من جهة والتحامها مع الشعب الفلسطيني من جهة أخرى رغم تخطي أعداد الشهداء 22 ألف شهيد وضعفهم جرحى ومفقودين ناهيك عن الخسائر المادية.
وانهيار عدد من البنى والمرتكزات الأساسية لقيام دولة إسرائيل وفق رؤاهم ومخططاتهم، خصوصاً النواحي الاقتصادية التي تضررت.
هذا الذي جعل قادة الكيان يفكرون في آلية جديدة لترميم ما يمكن ترميمه من خسائر، من خلال عملية توصف بالكبرى، مستهدفين – حسب رأينا –أربعة بنود واتجاهات لمعالجتها.
أولاً انقاذ السمعة العسكرية والاستخباراتية الصهيونية:
إن حجم الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي ـ وهو السبب الذي جعل الحكومة الإسرائيلية لم تتصرف بشكل أكثر استباقية في صد العمل البطولي في السابع من اكتوبر بناء على تحذير استخباراتي واحد معروف على الأقل ـ يكاد يكون صادماً مثل نجاح وفرادة الضربة البطولية التي وجهتها المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حماس على الكيان الصهيوني.
حيث يكاد يكون من المؤكد أن القادة الإسرائيليين كانوا يعتقدون أن التفوق العسكري الإسرائيلي سيكون قادراً على صد أي هجوم من القوات شبه العسكرية.
وفي المقابل، أدى هذا إلى الرضا عن النفس، على افتراض أن حماس لن تشن هجوماً كبيراً لأن حماس غير قادرة على هزيمة إسرائيل. وكما لاحظ عاموس يادلين، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، يبدو أن نتنياهو أقنع نفسه بأن "حماس ليست خطيرة إلى هذا الحد، وبوسعنا أن نتعايش معها، كل ثلاث أو أربع سنوات، سنقوم بجولة من تبادل إطلاق النار. لكن هذا ليس أخطر عدو لإسرائيل”. إذا كان هذا صحيحا، كان هذا خطأ فادحا في التقدير.ولكن ما كان هو نفس الأثر للفشل الاستخباراتي عام 1973 الذي أدى إلى مفاجأة إسرائيل بالهجمات العربية التي أدت إلى حرب 6 أكتوبر.
أما الفشل العسكري الذي أخذ جانبين، الأول وهو الواضح من المتابعة اليومية للأحداث التي تجري في غزة، حيث أنه رغم الكم الهائل من القوة العسكرية التي تحارب بها قوات الكيان الصهيوني، إلا أن المقاومة لا تزال بخير وقادرة على الصمود لأشهر عدة، وإذا فندنا الشهداء من أبناء شعبنا بين مدنيين وعسكريين نلاحظ أن أعداد الشهداء من المقاومة ضمن نطاق قليل، وربما لا نبالغ إذا قلنا أن الخسائر العسكرية الصهيونية أكثر من تلك في المقاومة الفلسطينية الباسلة.
الجانب الثاني يتمثل بضرب العقيد العسكرية الصهيونية، حيث إن هذا الافتقار إلى الاستعداد للرد على العملية يتعارض مع المبدأ التأسيسي للعقيدة العسكرية الإسرائيلية، منذ أيام ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء ووزير دفاع لإسرائيل، والتي تتمثل في هدف واحد وهو أن يكون الجيش دائماً في موقف الهجوم – لتوقع الهجمات وخوض المعارك.
وبهذا قال أمير أفيفي، العميد في قوات الاحتياط والنائب السابق لقائد فرقة غزة المسؤولة عن حماية المنطقة: "لم تكن هناك خطة دفاعية لهجوم مفاجئ مثل النوع الذي رأيناه في 7 أكتوبر"
وقال يوم توف سامية، وهو لواء في قوات الاحتياط الإسرائيلية والرئيس السابق للقيادة الجنوبية للجيش: "من الناحية العملية، لم يكن هناك إعداد دفاعي صحيح، ولا تدريب، ولا تجهيز وبناء القوة لمثل هذه العملية".
ثانياً: الفشل في تحقيق أهداف معلنة:
يمكن إجمال تصريحات قادة وساسة الكيان الصهيوني في أربعة محاور:
1- هو القضاء على حركة حماس بشكل كامل.
2- تصفية قادة معينين من حماس وهما محمد الضيف قائد كتائب القسام ويحيى السنوار قائد حركة حماس في غزة.
3- القضاء على أشكال المقاومة في الضفة الغربية (مخيم جنين أنموذج).
4- فك التلاحم الشعبي مع المقاومة.
وبطبيعة الحال فشل فشلاً ذريعاً بكل مما سبق.
ثالثاً: جر الساحتين اللبنانية والسورية للحرب:
يعلم الجميع بتكامل أضلاع الكفاح ضد المحتل الصهيوني وقوى الأمبريالية في المنطقة، ويسمى ويصطلح على هذا التكامل اسم محور المقاومة، فهو الذي تتكامل بداخله عمليات النضال بطرق وأشكال مختلفة، من التدريب للتعليم والتصنيع والتمويل وصولاً للكفاح المسلح وهو ما يجري في غزة اليوم.
إن جر الساحتين اللبنانية والسورية لهذه الحرب ومع مشاركة اليمن عن بعد بالإضافة للدور الايراني، يعطي فكرة أن هناك ائتلاف دولي محيط بالكيان الصهيوني ومحارب له بما يملك من قوى عسكرية واستخباراتية، ويتحول الصراع بعدما كان بين جيش "دولة" ومقاومة بامكانيات محدودة إلى جيش دولة وجيوش دول أخرى والتي وفق قولهم ترعى الإرهاب الدولي.
وبذلك فإن اسرائيل تسعى لتشكيل تحالف عسكري وفق هذا المبرر تقوده الولايات المتحدة ومؤلف من الدول الكبرى ليضرب أعداء الكيان في المنطقة، وتمهيداً لذلك دعا الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتزوغ، اليوم الأربعاء، إلى تشكيل تحالف دولي ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، وقال هرتزوغ على منصة التواصل الاجتماعي X: “لقد تجاوز الحوثيون خطًا أحمر في البحر الأحمر”، وأضاف: "يجب تعزيز وتقوية الأنشطة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة ضد القراصنة الإرهابيين الحوثيين، في شكل تحالف دولي حقيقي".
رابعاً: خسارة الرواية الاسرائيلية أمام الرواية الفلسطينية:
بينما تنتشر صور المأساة في قطاع غزة في وسائل الإعلام يوما بعد يوم، يبدو أن إسرائيل تخسر "المعركة" التي تخوضها لحشد دعم الرأي العام الدولي وسط هجماتها ضد المنطقة المحاصرة بشكل غير قانوني.
وتولي إسرائيل أهمية كبيرة للدعم الدولي لاستمرار الهجمات، وتتوقع أن تستمر الصراعات لفترة أطول بسبب عدم قدرة جيشها على تحقيق الأهداف التي حددتها.
ومع بدء المواجهات في 7 أكتوبر/تشرين الأول، استخدمت إسرائيل اللقطات التي تم التقاطها في اليوم الأول من البلدات المحيطة بقطاع غزة في دعايتها للجمهور الدولي، وحظيت بدعم الغرب، وخاصة الولايات المتحدة.
ومع ذلك، مع بدء ظهور صور الدمار والمذبحة من قطاع غزة، تركز اهتمام الرأي العام الدولي بشكل أكبر على الفلسطينيين، وفي هذا السياق، بدأت عواصم أمريكا وأوروبا والشرق الأوسط تشهد مظاهرات تضامنية مع الفلسطينيين.
وإلى جانب الدول التي تؤيد فلسطين أصلاً، خرج آلاف الأشخاص إلى شوارع باريس وجنيف ولندن رغم برودة الطقس، مطالبين إسرائيل بوقف عدوانها على غزة، وفوق ذلك كما نظم اليهود الإسرائيليون مظاهرات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في "تل أبيب"، مطالبين بوقف الهجمات الإسرائيلية والتأكيد على ضرورة وقف إطلاق النار.
بالإضافة لما سبق فإن استهداف الكيان الصهيوني لشخص القائد صالح العاروري يمثل ضربة في مسار الوحدة الوطنية الفلسطينية، على اعتبار أنه كان من المنظمين والمشاركين في جميع لقاءات الوحدة الوطنية، وكان من الميسريين لنجاحها.
ختاماً .. فإن القصية الفلسطينية لطالما كانت ولادة للقادة والمفكرين الذين يحاربون لتحريرها، فإذا ظن الكيان أن هذا الاستهداف سيضعف الحالة الفلسطينية فإنه واهم، وعلى العكس من ذلك فإن هذه الأنواع من الاستهدافات يزيد من صلابة ومنعة الشعب الفلسطيني فكل قائد سياسي يستشهد يتحول لرمز وطني يقتضى به ويسار على دربه.