أمد/
ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أن إسرائيل شرعت في إقامة منطقة عازلة شمالي قطاع غزة، حيث تقوم بهدم وتجريف المنازل والأبنية والمرافق يومياً، ومع مطلع العام «2024» قال رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، «لن نسمح لأهالي غزة بالعودة إلى شمال القطاع»، تصريحات مسؤولين سياسيين إسرائيليين آخرين، تعلن أن اسرائيل تخطط لإقامة منطقة عازلة وعميقة في أراضي قطاع غزة تمتد من الشمال إلى الشرق إلى الجنوب، وتشمل محور فيلادلفيا حسب نتنياهو، وتتجاوز بكثير «المناطق مقيدة الوصول» على الشريط الحدودي للقطاع، وعلى حساب مساحته الصغيرة، في عمق نحو كيلومترين من داخل القطاع، يدعي الاسرائيليون أن عمق الشريط الأمني هذا سيمنح قواتهم الوقت الكافي للاستعداد لأي طارئ. قال عضو «كابينت الحرب» الوزير جدعون ساعر إنه «يجب تقليص مساحة غزة في نهاية الحرب بإقامة منطقة عازلة واستهداف من يدخلها»، تفكر إسرائيل بسلخ ما يقارب 150 كيلومتراً مربعاً من مساحة غزة. وتدعي أنها تهدف من المنطقة العازلة الجديدة إلى منع تكرار تسلل الفلسطينيين لأراضيها، وتوفير الأمن لمستوطنيها، لكن التاريخ والوقائع والتجارب تؤكد أنها لن توفر الأمن للمستوطنات، وأن المنطقة العازلة ليس لها أي قيمة عسكرية، إذن المخطط الإسرائيلي يأتي ضمن مشروع التهجير القسري لسكان القطاع، وسيؤدي لحصر سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة في منطقة صغيرة محدودة، بينما جزء من أراضيه منطقة عسكرية منزوعة السلاح، وخالية من السكان وغير صالحة للعيش، بما يجعل الكثيرين، وفق توقعات العدو، يفكرون بالرحيل عما تبقى من أرض القطاع.
تبلغ مساحة قطاع غزة 365 كيلومتراً، ويصنف قطاع غزة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية، نتيجة التهجير الذي حدث عام 1948 حيث 70% من سكان القطاع من اللاجئين الفلسطينيين تعود أصولهم إلى مدن وقرى جنوب فلسطين ( بئر السبع وعسقلان والنقب .. وغيرها) يشتكون من عدم وجود أراض كافية للبناء عليها، وضيق المنطقة الصالحة للزراعة، وإقامة منطقة عازلة على حساب القطاع يعني سلب نحو 35% من الأرض الصالحة للزراعة، وتقلص مساحته الكلية ليس أقل من 20% من مساحة قطاع غزة، وسيحشر نحو نصف مليون مواطن دمرت منازلهم الواقعة ضمن المنطقة العازلة، وتم تهجيرهم خلال العدوان الحالي إلى مناطق جنوب قطاع غزة، في بقعة ستشهد اكتظاظاً سكانياً لا يتناسب مطلقاً مع المساحة المتبقية بعد سلخ جزء من القطاع ليكون منطقة أمنية عازلة لا يسمح لأحد الإقامة أو العمل فيها.
المنطقة العازلة بالمعنى العسكري لن يكون لها أي قيمة إذا لم تكن فعلاً تحت السيطرة حسب متطلبات المرحلة اللاحقة، ويتطلب إقامتها، حسب متطلبات المرحلة الراهنة، إحراز مكاسب على الأرض صعبة المنال وباهظة التكاليف، قد لا تكون في متناول الجيش الإسرائيلي، وتتمثل فيما يلي: تمكنه من القضاء على المقاومة، وإنهاء عمليات التمشيط، ونزع السلاح، وإلا لن تكون المنطقة العازلة سوى إعادة انتشار للقوات أو إعادة تموضعها، وإعادة تمركز لفض الاشتباك هرباً من الخسائر الجسيمة التي تلحق بالجيش الاسرائيلي، وعجزاً عن تحقيق أهدافه.
أبلغت إسرائيل الدول العربية التي تقيم علاقات معها برغبتها هذه، والأهم منها مصر بحكم أنها المعنية بمحور فيلادلفيا، فهل الإبلاغ من باب العلم بالأمر؟. لكن لماذا تبلغ واشنطن بهذا المخطط؟. لمجرد العلم بالأمر أم لطلب المساعدة؟. ربما المساعدة للضغط على مصر لقبول ذلك، وقد أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بهذه الخطة، وأن إسرائيل تعتزم في نهاية الحرب إنشاء «منطقة أمنية عازلة وعميقة» بأراضي القطاع، تعارض أميركا ذلك لفظياً فقط بالقول إنه يخالف موقف الولايات المتحدة المعارض لتقليص مساحة قطاع غزة بعد الحرب، لذا سترفض أي مناطق عازلة داخل القطاع.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر قال: «سنعترض على أي منطقة عازلة، إذا كانت المنطقة العازلة المقترحة داخل قطاع غزة، إما إذا كانت تتعلق بإجراءات داخل الأراضي الإسرائيلية، فذلك قرارهم، يهمنا عدم الإجلاء القسري للفلسطينيين حتى بعد انتهاء الحرب، وعدم احتلال قطاع غزة بعد انتهاء الصراع، وعدم محاولة محاصرة القطاع أو تقليص مساحة أراضيه».
وإذا أقيمت منطقة عازلة في الجانب الآخر «الإسرائيلي» فهذا سيكون تطور غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي إذ كانت إسرائيل ترفض بالمطلق إقامة أي مناطق عازلة داخل ما تسميه حدودها، أو في جهتها من خط الهدنة أو الخط الأخضر أو الخط الأزرق أو البنفسجي….
ما يؤكد موقف الخارجية الأمريكية المخادع أن إسرائيل قد أقامت منطقة أمنية عازلة خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت في 27/9/2000 وأطلقت عليها مسمى « المنطقة المقيدة الوصول » باقتطاع ما نسبته 15% من إجمالي مساحة قطاع غزة، على امتداد الشريط الحدودي الذي يفصل غزة عن غلافها لتحويلها إلى أراضٍ فارغة، يُمنع على سكان القطاع البناء أو السكن أو إقامة أي مشاريع فيها، وتركها أرض منبسطة مفتوحة أمام الجيش لأسباب أمنية، من هنا قد يقع اختلاف أو خلاف بين الطرف الأمريكي والطرف الاسرائيلي في مدى عمق المنطقة العازلة، وما إذا كانت قد تصل إلى كيلومتر واحد أو كيلومترين أو عشرات الأمتار داخل قطاع غزة.
لم تعترض الولايات المتحدة على تعميق «المنطقة المقيدة الوصول» عدة مرات، منذ العام 2000 حين أنشأ الجيش منطقة عازلة بعمق 150 متراً داخل غزة.
وبعد فك الارتباط مع غزة عام 2005 تم إضافة منطقة جديدة بمسافة تصل إلى 300 متر، وبعد سيطرة حركة حماس على السلطة في غزة عام 2007، فُرضت شروط جديدة على الأرض حتى عمق 1500 متر، حيث تم تقسيم المنطقة الأمنية حسب الشروط الإسرائيلية إلى:
1- المنطقة الواقعة ضمن 100 متر غربي السياج، منطقة يحظر الدخول إليها، ويمنع القيام بزراعة أي نوع من المحاصيل هناك.
2- المنطقة من 100- 300 متر غربي السياج، تجري نشاطات زراعية محدودة، لمزروعات لا ترتفع كثيراً عن الأرض، مثلاً يحظر زراعة الذرة في تلك المنطقة، بسبب ارتفاع النبتة.
فما الذي استجد من أمور حتى تعارض الولايات المتحدة هذا الإجراء الإسرائيلي؟.
في اتفاقيات أوسلو، تمت الإشارة إلى إقامة منطقة عازلة بعرض 50 متراً على امتداد حدود قطاع غزة البالغ طولها 58 كيلومتراً، كما تطرقت اتفاقية غزة وأريحا في العام 1994، إلى آلية خاصة تحكم وصول الفلسطينيين المنطقة العازلة، وقد تم تطبيق هذه الاشتراطات والاتفاقات بإجراءات أمنية تلتزم وتقوم بها الشرطة الفلسطينية، تحسباً من الجانب الإسرائيلي حسب زعمهم، لكي تمنع تسلل الأشخاص إلى المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948، ولوقف إدخال السلاح والذخائر إلى المنطقة.
في أيلول 2000، ومع اندلاع الانتفاضة الثانية، قام الجيش الإسرائيلي، بتجريف المنطقة التي تمتد على مسافة 150 متراً عند حدود غزة، وقامت بعمليات هدم وتدمير وتجريف للمنازل والمنشآت والمزارع التي تقع قرب الحدود، وتعرضت الحدود بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية إلى عمليات تجريف واسعة لبيوت السكان، وفصل سكاني واجتماعي وجغرافي.
عمليات الجيش الإسرائيلي في عمق أراضي المنطقة العازلة في القطاع أدت إلى تخريب حقول محاصيل زراعية، وتدمير العديد من البيوت البلاستيكية الزراعية، واقتلاع أشجار مثمرة، وبات دخول الفلسطينيين إلى هذه المنطقة، لأي سبب كان، يعرض حياتهم للخطر، وقد أدى حظر الوصول إليها إلى استشهاد ما لا يقلّ عن 161 فلسطينياً وجرح ما يزيد عن 3000 آخرين ما بين الأعوام 2010 – 2017.
واصلت قوات الاحتلال إطلاق النار تجاه المدنيين في المناطق المحاذية للحدود وفي عرض البحر بذريعة أمنية لجعل المنطقة مكشوفة أكثر، وهو ما تبرر إسرائيل به عمليات التجريف وإجراء تعديلات وإزالة ما تسميه التعديات غير المبررة.
من أيلول 2005 تاريخ تطبيق خطة «فك الارتباط»، حظر الجيش الإسرائيلي على سكان غزة الاقتراب لمسافة تبلغ 150 متراً عن السياج الفاصل، ثم وسعها حتى تبلغ مسافة 300 متراً، ومن تشرين ثان 2008 في أعقاب انهيار “اتفاقية التهدئة” بين إسرائيل وحماس وسع الجيش الإسرائيلي «المنطقة مقيدة الوصول» إلى مسافة تتراوح بين 1000 حتى 1500 متراً.
وبعد عملية الجرف الصامد أو معركة العصف المأكول، والعدوان على غزة يوم 8 يوليو 2014، قامت حركة حماس بتحديد منطقة الـ«300» متر من السياج بفتح شارع معبّد «شارع جكر»، وبوضع نقاط رصد وأبراج مراقبة عند هذا الخط، يرابط فيها المقاومون ليتصدوا لأي توغل إسرائيلي.
في كانون الأول/ ديسمبر 2021، أعلنت إسرائيل اكتمال بناء الجدار الحديدي الضخم الممتد على طول قطاع غزة فوق الأرض وتحتها المزود بتكنولوجيا حديثة متقدمة جداً لمنع عمليات التسلل، كلف المشروع أكثر من ثلاثة مليار دولار، واستغرق العمل فيه أكثر من ثلاث سنوات ونصف، وفي لحظة واحدة تمكن المقاومون الفلسطينيون من اختراقه، وعبور الحدود نحو مستوطنات غلاف غزة، في مفاجأة من العيار الثقيل يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
يرى محللون استراتيجيون أن منطقة عازلة على حدود قطاع غزة لن توفر الأمن لإسرائيل، ومحكومة بالفشل، مثلها مثل الحزام الأمني بالجنوب اللبناني، حتى التحليلات الإسرائيلية تؤكد أن المنطقة الأمنية العازلة بالجنوب اللبناني، أصبحت ساحة قتال دائمة مع حزب الله، وأبقت الجيش الإسرائيلي في المستنقع اللبناني لمدة لا تقل عن 15 عاماً سقط خلالها العديد من القتلى والجرحى من جنوده. وفي أيار / مايو 2000، قررت حكومة إيهود باراك الانسحاب ومغادرة هذه المنطقة، بعد أن تكبدت خسائر باهظة، وفشل الشريط الأمني في جنوب لبنان، في جلب الأمن للمستعمرات في الجليل الأعلى.
في مقالة للمحامي عميرام غيل، أستاذ القانون في جامعة "رايخمان، بعنوان «حزام أمني في غزة، إسرائيل في طريقها إلى تكرار الخطأ الذي ارتكبته في لبنان»، قال غيل: «إن هذه المنطقة العازلة لن توفر الأمن للإسرائيليين، بل ستُغرق تل أبيب في مستنقع قتال مع الفلسطينيين في غزة، مثلما كان على مدار سنوات طويلة بالجنوب اللبناني».