أمد/
بفعل العدوان الإسرائيلي الهمجي والوحشي المتواصل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على مدار ثلاثة شهور ما أدى لاستشهاد أكثر من 23 ألف فلسطيني إلى جانب نحو 16 آلاف مفقود ما زالوا تحت أنقاض المباني والبيوت التي تم قصفها بكل عنجهية ودون سابق إنذار، إضافة إلى إصابة نحو 77 ألف من المدنيين العزل، نحو 59٪ من الأطفال و35٪ من النساء في صفوف الضحايا من الشهداء والجرحى .
إن الوضع الإنساني خطير جداً ولا سيما أن القطاع الصحي في مدينة غزة وشمال قطاع غزة خرج عن الخدمة وبما يهدد بارتفاع عدد الشهداء في صفوف الفلسطينيين، وفي مقدمته المستشفى الأكبر في القطاع وهو مجمع الشفاء الطبي، إلى جانب حجم الدمار الشامل ما يجعل إعادة تأهيله صعبة، إضافة إلى نقصان المعدات الطبية والأدوية.
حيث أن أوضاع قطاع غزة الذي يبلغ مساحته 365 كيلو متر مربع وعدد سكانها مليونين و200 ألف نسمة، صعبة للغاية وخاصة في مناطق النزوح، حيث بلغ عدد النازحين في كافة مناطق القطاع نحو مليون و800 ألف نازح منهم مليون ومائة ألف نازح يحتمون في 159 منشأة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» التابعة للأمم المتحدة والتي طالها القصف الإسرائيلي وأدى إلى استشهاد المئات من الفلسطينيين جلهم من الأطفال والنساء. حيث يقدر عدد المواطنين المتواجدين في مدينة غزة وشمال قطاع غزة بنحو 850 ألف نسمة .
ما يجري في قطاع غزة من جرائم إبادة وتطهير عرقي جماعي وسياسة الترانسفير والتي كشفت زيف ادعاءات المجتمع الدولي وسياسة ازدواجية المعايير الدولية تجاه الشعب الفلسطيني، وكل ذلك لم يسعف مدعي عام محكمة الجنايات الدولية كريم خان لزيارة قطاع غزة والاطلاع على حجم تلك الجرائم وفظاعتها وفتح تحقيق عاجل بتلك الجرائم الموصوفة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، كما جرى في زيارته لإسرائيل يوم السبت 2 كانون أول (ديسمبر) على الرغم أنها ليست دولة طرف في نظام روما ومتجاهلاً كل الدعوات والمطالب الفلسطينية بضرورة فتح التحقيق وسط تخوفات فلسطينية من مساواة الضحية والجلاد.
أمام تلك التحديات والمخاطر الكبيرة، ورغم فظائع العدوان الإسرائيلي وازدواجية المعايير الدولية والتي لم تغير المزاج الرسمي العربي والغربي لوقف العدوان وجرائم الإبادة الجماعية وسياسة الأرض المحروقة في قطاع غزة، إلا أن الشعب الفلسطيني ما زال صامداً على أرضه ومدافعاً عن نفسه وحقوقه وكرامته الوطنية في مواجهة كافة مشاريع التهجير القسري والتطهير العرقي، وملتفاً حول مقاومته، وهي تكبد القوات الغازية الإسرائيلية خسائر كبيرة في صفوفها رغم حجم النيران والقصف العشوائي من الجو والبر والبحر.
وفي 9 كانون الأول/ديسمبر 1948، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، "اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها"، التي عرّفتها بأنها تعني "أياً من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه : أ) قتل أعضاء الجماعة؛ ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء الجماعة؛ ج) إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً؛ د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة؛ هـ) النقل ألقسري للأطفال من الجماعة إلى جماعة أخرى .
وفي 17 تموز/يوليو 1998، أقرّت الدول المتعاقدة نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية)، الذي دخل حيز النفاذ في 1 تموز/يوليو 2002، واتفقت على إنشاء (محكمة جنائية دولية، يكون مقرها في مدينة لاهاي الهولندية، وتنظر في الجرائم التالية : جريمة الإبادة الجماعية؛ الجرائم ضد الإنسانية؛ جرائم الحرب وجريمة العدوان، على أن يتم تقديم الأشخاص المتهمين بارتكاب هذه الجرائم إلى المحاكم المختصة في الدولة التي ارتكب الفعل على أراضيها، أو إلى المحكمة الجنائية الدولية التي تكون لها الولاية القضائية فيما يتعلق بالأطراف المتعاقدة التي اعترفت بولايتها وبينما امتنعت كلٌ من الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا والهند وإسرائيل عن الانضمام إلى نظام روما الأساسي، انضمت إليه السلطة الوطنية الفلسطينية في سنة 2015 .
وقد اعترفت هيئة الأمم المتحدة، إلى اليوم، بثلاث مجازر جماعية بصفتها جرائم إبادة جماعية، وهي: إبادة اليهود على يد النازيين خلال فترة الحرب العالمية الثانية، والإبادة الجماعية التوتسي في رواندا في سنة 1994، مذبحة المسلمين في سربرينيتسا في البوسنة في سنة 1994-1995 كما تمّ الاعتراف، من جانب الأمم المتحدة، بالمذبحة التي ارتكبتها الدولة العثمانية ضد الأرمن بين سنتَي 1915 و1916 بصورة غير مباشرة على أنها إبادة جماعية وخلصت بعثة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة إلى أن الحملة العسكرية التي تشنها ميانمار ضد الروهينجا تنطوي على أعمال إبادة جماعية .
إن حرب غزة اليوم هي حرب مصيرية للفلسطينيين، والنصر فيها هو السيناريو الذي يفترض أن يكون مرجحاً ليس فقط للفلسطينيين بل وللعرب وحلفائهم أيضاً إن نصر الفلسطينيون في غزة سيجبر إسرائيل والولايات المتحدة والغرب على التفاوض لحل القضية الفلسطينية، كما حدث بعد حرب عام ١٩٧٣، والتي جاءت باتفاقية سلام في نهاية ذلك العقد، انسحبت على إثرها إسرائيل من سيناء وأخلت جميع مستوطناتها منها دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة وفق قرار مجلس الأمن ٢٤٢ لعام ١٩٦٧، وعاصمتها القدس، وإخلاء جميع المستوطنات من الضفة الغربية، وضمان التواصل بين شطري الوطن المحتل (غزة والضفة الغربية) هو المبتغى الفلسطيني المشروع .
السلامُ على غزة وأهلها الصامدين…
الرحمة والسلام للشهداء، ولهم المجد والخلود…
وللجرحى الدعاء بالشفاء…
والمكلومين الدعاء وجبر خواطرهم…
ولشعبنا العظيم النصر والسلامة…
الحرية لأسرانا البواسل …