أمد/
حضرة الأب بابا نويل (نيقولاس) المحترم:
إن صورتك باقية من العام الفائت في ذاكرتي، لأنني كتبتُ لك رسالة في ذلك التاريخ، كنتُ أنام وأصحو على صورتك وأنت تجمع الهدايا من كل مكان، تكومها في عربتك التي تجرها الغزلان، وتستعد لتوزيعها في يوم رأس السنة الجديدة، تلبس طربوشك وثوبك الأحمر حتى يحين الوقت المحدد، تكوم الهدايا في عربتك، تأمر الغزلان أن تتحرك، تنظر لك الغزلان، لتتأكد أنك أنت بلحيتك البيضاء وابتسامتك الواسعة، فتطيعك الغزلان وتجدُّ في السير إلى حيث تصل هداياك إلى الأطفال وإلى المحتاجين عبر النوافذ وشقوق الأبواب، فتُسعِد الأطفال وتَسعد أنت بضحكاتهم!
أبي العزيز، كنتُ قد طلبتُ منك في رسالتي السابقة قي السنة السالفة أن تمنحني هدية عيد ميلاد خاصة، حقيبةً صغيرة فيها بعض الألعاب التي تنشط ذاكرتي لأصبح مهندسة معمارية، فأنا عاشقة لرسم العمارات والبيوت الجميلة التي تستغني عن خطوط الكهرباء المُلوِّثة للبيئة، وتعتمد على الطاقة الشمسية الرخيصة وطاقة الرياح، كنتُ أحلم أن تكون سطوح البنايات وشرفاتها مزارع خضراء تُنتج الفواكه والخضروات وتوفر الأكسجين المطلوب للتخلص من تلوث الجو!
أبي العزيز، عذرا كنت أحلم أن أحصل منك على هدية فيها أسماء الجامعات العالمية لأدرس علم تكنلوجيا المعلومات في مجالات التصميم الهندسي حتى أضم خبرتي إلى الخبراء العالميين في مجالات الهندسة المعمارية، لأشارك العالم في نقلة حضارية جديدة!
أبي العزيز، أطلب منك المعذرة لأنني سأغير فيها ما كنتُ قد طلبته منك، قبل حلول كارثة حرب غزة علينا يوم 8-10-2023م.
العزيز بابا نويل، أعتذر لك عما طلبته سابقا، وأعلم أن عربتك لن تستطيع في عامنا الجديد 2024م المرور وسط ركام مدينة غزة التي دمرتها طائرات الاحتلال، ولن أتمنى سوى أن تمنحني القوة والصبر على فقدي بيت عائلتي بقنبلة واحدة من إحدى طائرات الاحتلال!
ففي أقل من دقيقة واحدة، انهار بيتنا، فقدت ثلاثة أرباع عائلتي تحت الحطام، أما أنا فقد أخرجوني بعد ساعات من حفرة صغيرة، صحوت وإذ بي قد فقدت ساقي الأيمن! أما رسوماتي الهندسية المخزنة على حاسوبي الشخصي بقيت مدفونة تحت ركام بيتي!
العزيز، بابا نويل أودُّ أن أخبرك أن أخي الأكبر كان فنانا تشكيليا، وأختي الكبرى كانت ممرضة تدرس لنيل درجة الدكتوراة في علوم التمريض، أما والدتي فهي معلمة في مدرسة للأطفال، أما والدي فهو فنيُ مناظير طبية!
تصور يا بابا نويل (نيقولاس) أن الاحتلال ادعى أن الطائرات دمرت موقعا حربيا، ولم تذكر بيتنا، وأغفلت الأخبارُ أسماءَ المفقودين من أهلي، هم ما يزالون تحت ركام البيت حتى حلول العام الجديد!
والدي العزيز، لم يبقَ من عائلتنا سوى فردين أنا وأخي الأصغر العاشق للفن والموسيقى!
أنا أعلم أن عربتك المحملة بالهدايا مخصصة فقط للمدن الجميلة المرسومة في حاسوبي الخاص، ولن تتمكن من حمل رجلٍ صناعية تناسبني لأستعيد فيها قدرتي على المشي، أما مدينتي المنكوبة فإن عربتك لن تتمكن من السير في أي شارع من شوارعها، فقد حولت طائرات الحقد والمجازر والدمار مدينتنا الحضارية غزة، العابقة بالأمل الباسم والمستقبل الزاخر المملوءة بالمطاعم والمقاهي الغاصة بأحدث السيارات، وأروع المتنزهات، حولتْ قنابل الطائرات الأمريكية كل مدينتنا إلى ركام، ولن أطلب منك إحضار الجرافات القادرة على إزالة الركام فوق جثث عائلتي لأتمكن من وداع أبي وأمي وأخي وأختي بدلا من عربتك التي تجرها الغزلان، امنحني فقط الأمل لأتمكن من وداعهم قبل أن يدفنوا، فأنا أعلم أنك لم تتوقع أن تطلب منك طفلة صفيرة من غزة هذا الطلب!
أتمنى منك اليوم بعد حلول هذه الكارثة أن أجد لنفسي ولأخي الأصغر خيمة وغطاء في معسكر اللجوء الغاصِّ بالمشردين أمثالي، غطاءً يقينا من برد الشتاء، وأتمنى أن أجد ماء كافيا لأبلَّ ظمأي!
أما عن أمنيتي التي ادَّخرتها لأبثها لك سرا فهي، أن تدعو لي في قداس رأس السنة أن أجد دورة مياهٍ أقضي فيها حاجتي أنا وأخي الأصغر، ولن أطلب منك أن يكون لي حمّام أغتسل فيه بماء بارد، فأنا لم أغتسل منذ شهر مضى، أخشى أن يكون هذا الطلب مستحيل التحقق!
أمنياتي لك يا بابا نويل أنت وكل الحالمين بالغد المشرق عاما سعيدا، واعلم أن رسوماتي لمدينة الغد ما تزال تعمر ذاكرتي ولن تزول!