أمد/
لا شك أن الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب يؤشر إلى بدء العد التنازلي لنهاية الحرب الكارثية على غزة، ولكنه ليس واردًا في المنظور القريب، وفي هذا الصدد يكثر الحديث عن آلية تحوّل الحرب ودلالاتها وأهدافها، وحساباتها الداخلية والخارجية اسرائيليًا، حيث بات واضحًا أن عملية التحوّل قد بدأت تدريجيًا دون انتظار الإعلان الرسمي، وما يهمنا من هذا التحوّل الوقوف على مسار الحركة العسكرية في غزة، فمن خلال التصريحات الأميركية والاسرائيلية أصبح مفهومًا المقصود من الانتقال إلى المرحلة النهائية للحرب الاسرائيلية وهو اعتماد جدول زمني مرن خاضع للاعتبارات السياسية لهذه الحرب على الصعيدين الشخصي لنتنياهو والرسمي لأركان مجلس الحرب، حيث تم وضع إطارًا لهذه المرحلة تتمثل في أولًا إنهاء المناورات العسكرية الواسعة والتموضع داخل القطاع في نقاط مركزية لإخضاع العودة المرتقبة للنازحين من جنوب غزة إلى شماله للمراقبة وفق الشروط المتوقع أن يحددها الجيش ومن بينها ربط العودة بصفقة الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة، وثانيًا إقامة منطقة عازلة على الشريط الحدودي بما يشمل تغيير نمط العمليات العسكرية بما يساهم في تقليص استنزاف القوات البرية، وبما يضمن توفير هامش زمني لاستنزاف مقدرات المقاومة البشرية وذخيرتها العسكرية، وثالثًا تركيز العمليات البرية عبر فرق جوية وبرية بطريقة نوعية وجراحية تستهدف المزيد من اغتيال قادة حماس وبنيتها العسكرية، ورابعًا يشمل التحوّل المتدرج مناطق شمال غزة، مع استمرار المناورات والأنشطة العسكرية الهجومية المكثفة في أواسط القطاع وجنوبه خاصة خان يونس.
بناءً على ما سبق يمكن استقراء الدوافع والمحفزات السياسية والعسكرية التي تقف خلف الانتقال إلى المرحلة الثالثة التي بات الجيش يخوض غمارها عمليًا حيث يسعى الجيش إلى تنفيذ إدارة ذكية للقوات في غزة ، واحتواء الضغط الدولي وخاصة الدعوى القضائية التي تقدمت بها دولة جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في المحكمة الدولية الجنائية، والحفاظ على التماهي مع الإدارة الأميركية في ظل سعي واشنطن لاخضاع الشرق الأوسط لهيمنتها بعد تعرضها للتآكل في العقد الأخير، وقطع الطريق على التحالف الروسي الصيني، وتعزيز أوراق التفاوض على وقف إطلاق النار الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية بترسيخ صفقة القرن كمرجعية لحل القضية الفلسطينية وفقًا لرؤيتها الاستراتيجية التي بدأت تشق طريقها نحو التطبيق من خلال الاصرار الأميركي على الانتقال للمرحلة الثالثة من الحرب لاستثماره سياسيًا بتقديمه للأطراف الاقليمية المعنية بوصفه خطوة كبيرة نحو إنهاء الحرب، إضافة إلى شراء المزيد من الوقت لتتمكن من حسم المعارك في جنوب القطاع من جهة ومن جهةٍ أخرى العمل على استمرار الفراغ السياسي والأمني والإداري في غزة، بما يفسح المجال لإحلال الفوضى والعنف العشائري وصولًا إلى تكريس الإدارة المدنية التي تطلع إليها إسرائيل في غزة تحت مسؤولية القوة متعددة الجنسيات المزمع تشكيلها .
التجاذب السياسي الفلسطيني حول متغيرات السياسة العربية والاقليمية والدولية من الحرب على الهوية الفلسطينية وضع غير صحي ويفتح الباب على مصراعيه ليس فقط لاستمرار الانقسام الفلسطيني وإنما يوفر مظلة سياسية لتصفية الوجود الفلسطيني ، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى التضامن لأجل دماء أطفالنا وشهداء الحرية والانعتاق من الاحتلال، وفي هذا السياق قد وضعت الحرب على غزة الأطراف الاقليمية وخاصة إيران ودورها في المنطقة أمام اختبارها الأخير لتثبت صدق توجهاتها، وأنها لا تتماهى مع المصالح الأنجلو سكسونية، وأنها لا تستخدم القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية كورقة تتلاعب بها لتحقيق مصالحها، مقابل نجاح السياسة الاسرائيلية القائمة على تفكيك الجبهات لضمان عدم خروج أي مواجهة عن السيطرة، وخير توصيف على ذلك ما يحدث على الجبهة الشمالية مع حزب الله ووضعه أمام خيارين إما انسحاب قواته خلف نهر الليطاني على بعد 30 كيلومتر من الحدود تطبيقًا للقرار 1701 أو استخدام القوة الباطشة لتحقيق ذلك.
بقاء القيادات الفلسطينية تحت سطوة الذات المرآوية، وضبابية المواقف، دون المواءمة بين المعطيات والامكانيات والتطلع إلى التحرير والحفاظ على الكيانية الفلسطينية، في هذه المرحلة البائسة المشينة من تاريخ القضية لا يقل خطورة عن الهجمة الإسرو أميركية لشطب الهوية الوطنية الفلسطينية.
تنويه : دورة التاريخ تقضي بأن القادة الزائفون المزيفون صناعة الصدفة والزمن الغابر سينصرفوا.