أمد/
ما أن شنت قوات الاحتلال الاسرائيلي حربها المسعورة والغير مسبوقة على غزة حتى تسابق المختصون بالشأن الفلسطيني والاسرائيلي بطرح تحليلاتهم ورؤاهم الامنية والعسكرية،فمنهم من أصاب بتقديراته ومنهم من أخطأ ،ولكن السؤال الملح والمطروح والذي لم يحظى الى الان باهتمام هؤلاء على الرغم من مرور ثلاثة أشهر على حرب غزة وتدمير ٧٠٪منها مع ابادة ٣٪من من سكانها هو ما هي مآلات هذه الحرب على القضية الفلسطينية ،وما هو مستقبل غزة بعد انتهاء الحرب عليها، وهل حقا هناك مصلحة اسرائيلية في القضاء نهائيا على حركة حماس ،ام أن مصلحة اسرائيل فقط هو إنهاء قدراتها العسكرية فقط دون الاصرار على تصفيتها وجودا وسيطرة وادارة؟.
صحيح بأن كل التصريحات الصادرة عن اقطاب حكومة الحرب في اسرائيل لا تخرج عن الإجماع بضرورة إنهاء حركة حماس نهائيا ،ولكن ووفقا لاستقراء الوقائع والأحداث وتحليلها فإننا سنخرج بنتيجة منطقية مفادها ان لا مصلحة لاسرائيل في انهاء حركة حماس وذلك لأسباب كثيرة ومن ذلك ما كان يردده نتنياهو "اذا ما أردنا منع قيام دولة فلسطينية وإذا ما أردنا أن نتحلل من التزاماتنا نحو قيام هذه الدولة فما علينا الا تغذية الانقسام الفلسطيني", وحيث إنه لا يمكن استمرار الانقسام وتعميقه في ظل غياب حركة حماس فإنه لا يمكن لاسرائيل أن تعمل على إنهاء سيطرة حماس على غزة بل إن القرار هو تقزيم قدراتها واستنزاف طاقاتها مع التوصل لهدنة فيما بينهما للإبقاء على وجودها السياسي والإداري لمنافسة منظمة التحرير العدو المشترك لهما ، ولكن قد يتبادر إلى ذهن القارى تساؤلا وهو ما هو موقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية فيما لو أقدمت اسرائيل على عقد هدنة مع حركة حماس بعد أن اقدمت تلك الدول وبناءا على رغبة وطلب من اسرائيل على اعتبار حركة حماس حركة إرهابية في الوقت الذي أعلنت فيه تلك الدول بضرورة الاتجاه نحو الحل السياسي مع منظمة التحرير والسلطة بعد إنهاء حركة حماس ؟.
من المعلوم أن الدول الغربية حامية لاسرائيل ومانعة لاي اعتداء عليها وهي مع كل ما تقوم به اسرائيل من إجراءات أحادية وجرائم ابادة ,ولكنها وحتى لا تثير شوارع العالم ضدها ,وحتى لا يسقط قناع الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تتشدق بهما فإن تلك الدول حاولت وما زالت تحاول التوازن ما بين مطالب الجماهير الغربية الغاضبة على ما تقوم به اسرائيل من مجازر وما بين مطالب اسرائيل واحتياجاتها ولكن وما أن تتوقف الحرب على غزة فإن هذه الدول سرعان ما تتعامى عن هذا التوازن وتميل لما تتطلبه مصلحة اسرائيل وأمن وجودها دون التستر بقناع الديمقراطية وهنا لا بد من الإجابة على سؤال غزة إلى أين ما بعد الحرب عليها في ظل تلك المعطيات ،وكيف ستتوقف الحرب على غزة ؟.
الواقع أننا أمام سيناريوهات متعددة وفقا لاستقرائنا للأحداث قبيل السابع من أكتوبر وفي اعقابه وخاصة في ظل الصمت العربي والدولي على ما يجري في غزة من حرب ابادة تفوق ما سمعنا به عبر التاريخ وما شاهدنا من ابادة للدول والشعوب في افلام الخيال .
السيناريو الأول:حرب طويلة الأمد وفقا لاستراتيجية تسعى اسرائيل من خلالها استنزاف طاقات المقاومة وانهاك قواها وصولا للخلاص من قدراتها والحد من تأثيرها مع إنهاء ما تمتلكه من سلاح مؤثر على داخل المدن المحتلة وحتى على غلاف غزة وذلك لدفع حركة حماس نحو تقديم تنازلات كبيرة من أجل الحفاظ على سيطرتها وهذا ما سيحقق معادلة حكم حماس واستمرار سيطرتها السياسية والإدارية على غزة مقابل حماية اسرائيل ومنع أي اعتداء على غلافها في ظل الموافقة على إقامة شريط عازل على عمق ٣ كيلو على امتداد قطاع غزة وهذا ما لن تعترض عليه كل من حركة الإخوان المسلمين وإيران وحتى امريكا ودول الغرب في ظل تقاطع المصالح فلكل من هؤلاء رؤيته في إدارة الصراع وبما يحقق مصالح كل منهما .
السيناريو الثاني:إنهاء حركة حماس قوة وسياسة وإدارة في الوقت الذي ستدفع فيه اسرائيل سكان غزة نحو الهجرة قسريا وطوعيا مع إلابقاء على عزلها عن الضفة وبذلك يتحقق ما كان كيسنجر قد خطط له وتوقع تنفيذه وهو أن يصبح أهل غزة ما بين دول العالم كالهنود الحمر وهذا هو سبب الحرب الانتقامية وما وصلت إليه غزة من تدمير شامل للبشر والحجر .
السيناريو الثالث:نجاح المقترح المصري الذي يعمل على الوصول نحو إطار الرزمة الكاملة والتي سبق لمصر وان صاغت معظم بنوده عام ٢٠٢١ فيما عرف بالورقة المصرية والتي تضمنت اعلان حكومة وحدة في إطار منظمة التحرير مع قبول حماس في إطار تلك الحكومة بكافة برامج منظمة التحرير وبما ابرمته من اتفاقات ومن بينها اتفاقية أوسلو وصولا لحل الدولتين وحل كافة الملفات العالقة بما فيها ملف تبادل الأسرى .
أعتقد أن الإدارة الأمريكية ستعمد إلى إبقاء التأرجح ما بين السيناريوهات الثلاث لمنع تحقيق أي منهما إلى حين إجراء الانتخابات الأمريكية, ولكن السيناريو الثاني بعد الانتخابات هو الأكثر ترجيحا وفقا لادراكي لما تتطلع إليه حركة حماس وتسعى إليه ,ووفقا لما يقوم به جيش الاحتلال اسرائيلي من تقدم وتراجع في المناطق ثم انحصار في مناطق أخرى وهو ما يسمى بالاحتلال البطيىء والغير مكلف وربما المقترح القطري الذي تم الإعلان عنه مؤخرا بعد إعلان مصر لمقترحها هو محاولة للالتفاف على المقترح المصري لانه لا مصلحة لحركة حماس في بحث حل للقضية الفلسطينية لأنها أكثر ارتباطا في برنامج الإخوان المسلمين الذي لا يؤمن بالدولة الوطنية من ناحية ومن ناحية أخرى فهي أكثر سعيا وراء الحصول على رضا إيران ودعمها حتى وإن كان رضا الإخوان وإيران كان ثمنه دماء ثلاثين الف شهيد وتدمير ثلثي قطاع غزة بما تضمنه من مؤسسات دينية وتعليمية وحكومية وبيوت للمواطنين الامنين ولكن يبقى ذلك مجرد استقراء والأيام القادمة هي من تثبت فقط ايهما السيناريو الاكثر قبولا فالايام الفلسطينية دوما حبلى بالمفاجئات وان كانت ايام الفلسطينين كانت وستبقى سوداوية لأنها تدفع دوما ليس فاتورة تقاعس العرب والمسلمين فقط، وانما دفع فاتورة عدم اتفاق قادتهم أيضا ، وهذا ما كنا وما زلنا نحذر منه لان اجراءات حركة حماس وسياساتها وعدم الاتفاق على استراتيجية وبرامج موحدة ستدفع الشعب الفلسطيني نحو العودة إلى الخلف عقود وسيصبح الفلسطيني كما كان قبل انطلاقة الثورة الفلسطينية عام ١٩٦٥ وهو التسابق نحو الاصطفاف على أبواب مراكز التموين مع التيه والتشرد لسنوات.