أمد/
يعيش ملايين الفلسطينيين في الخارج، موزعون في مختلف أنحاء العالم، ويتابعون ما يجري في وطنهم باهتمام بالغ وحزن شديد، ويشعرون بمشاعر متناقضة من الحنين إلى الوطن والرغبة في رؤيته حرًا مستقلًا، ومن الحزن والأسى لما يت عرض له من حروب وظلم.
وتثير مشاهدة أهوال الحرب على شاشات التلفزيون لديهم حزنًا وكآبة وإحساسًا بالعجز، وتهيج في نفوسهم أشجانا وحنينا لديار خربتها آلة الحرب الإسرائيلية.
ويثير ما يجري في فلسطين لديهم مشاعر قوية من الحنين إلى الوطن. فكثير منهم تركوا وطنهم قسرًا، وعاشوا في المنفى لسنوات طويلة، إلا أنهم يشعرون بالمسؤولية تجاه وطنهم، ويرغبون في المساهمة في تحريره وإعادة بناءه.
ويتابع الفلسطينيون في الخارج ما يجري في وطنهم من خلال وسائل الإعلام المختلفة، مثل التلفزيون والراديو والإنترنت. كما أنهم يتواصلون مع أقاربهم وأصدقائهم في الوطن، ويتلقون منهم الأخبار والمعلومات حول الأوضاع هناك.
ويحاول الفلسطينيون في الخارج التعبير عن مشاعرهم تجاه وطنهم من خلال مختلف الوسائل. فكثير منهم يشاركون في الاحتجاجات والتظاهرات ضد الاحتلال الإسرائيلي. كما أنهم يساهمون في جمع التبرعات لمساعدة أبناء شعبهم في الوطن.
ولعل أكثر ما يثير الحزن هي قصة الفلسطينية ولاء العبسي، التي غادرت وطنها للدراسة في الخارج، وتلقت ولاء مكالمة من شقيقتها في غزة تخبرها أن غارة جوية إسرائيلية أصابت المنزل المجاور لعائلتها، واخترقت شظية معصم شقيقها الأصغر.
ولم تتعاف ولاء من الصدمة التي أصابتها بعد تلك المكالمة، وأصبحت تعاني من الأرق والقلق والشعور بالذنب لأنها غير قادرة على فعل أي شيء لمساعدة عائلتها.
وتزداد المعاناة حينما يتم التضييق على الفلسطينيون في بعض الدول فمثلا في باريس، تجدهم يشعرون بالإحباط والخوف على أهلهم، في ظل تطور الأوضاع في قطاع غزة يوميا. وبعد قرار السلطات الفرنسية بمنع أي تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين على الأراضي الفرنسية وسحب إقامة الأجانب الذين يرتكبون جرائم تحمل طابعا معاديا للسامية، ازداد شعور هؤلاء بالوحدة والعجز مع عدم قدرتهم على التعبير والتظاهر في الشوارع، للمطالبة بوقف إطلاق النار وإنهاء القصف الإسرائيلي المتواصل، الذي أسفر عن مقتل وإصابة الآلاف منذ بداية الحرب حتى الآن.
فهم لا يستطيعون أن يعبرون عن ما يشعرون به، وعن حجم الحزن في قلوبهم والأسى على أهلهم وذويهم، الذين تم منع عنهم أبسط مقومات المعيشة، لكنهم لا يتوقفون عن متابعة مع يحدث في وطنهم.
والمؤسف هو أنه ليس لديهم أي فكرة عن مكان دفن جثث أقاربهم، وقد يكونوا قد دفنوا في مقبرة جماعية،أو لم يتم العثور على جثثهم، ففي ظل فوضى الحرب، تتم عملية تسجيل الموتى بشكل متسرع ومحزن.
حيث يبدأ الأمر بقيام الأقارب بتدوين أسماء الموتى والمفقودين، ثم يحفرون تحت الأنقاض بأيديهم، وينادون عليهم لعل إجابة تصلهم. ولاحقا، تصدر المستشفيات شهادات الوفاة.
ويتساءل الأقارب المغتربون المكلومون، الذين يؤكدون أنه لا يوجد أحد في أسرهم على صلة بحماس: "لماذا؟، لماذا يقتلون الأطفال والمسنين، وقد كانوا جميعا من المدنيين؟ ما هو المبرر لقصف منازلنا وأهلنا؟ قائلين: نحن نتمنى أن نلتقي ذات يوم بالشخص الذي ضغط على الزناد.لنسأله: لماذا فعلت ذلك؟"
فعلى الرغم من فوائد التكنولوجيا، فإن الأحداث اللاحقة في غزة يمكن أن تؤثر سلبًا على الفلسطينيين في الخارج. ويمكن أن يكون الحنين إلى الوطن والحنين إلى وطنهم حاداً بشكل خاص في أوقات الصراع والعنف. وهذا يمكن أن يؤدي إلى مشاعر القلق وعلى الرغم من التحديات التي يواجهونها، فإن العديد من الفلسطينيين في الخارج ما زالوا ملتزمين بوطنهم ويعبرون عن رغبة قوية في السلام والاستقرار في غزة، مُتمنين إنهاء الحروب والدمار الذي ابتليت به المنطقة منذ عقود. وهذا يُترجم غالبًا إلى دعم الحلول السلمية والمفاوضات بين إسرائيل وفلسطين. وينشط العديد من الفلسطينيين في الخارج في الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة لشعبهم، ويعملون على تعزيز المساعدات الإنسانية ودعم تنمية غزة وإعادة إعمارها. وتظهر جهودهم والتزامهم تجاه وطنهم وإيمانهم بإمكانية تحقيق مستقبل أفضل، ومن الممكن أن يخلق الوضع السياسي المستمر أيضًا شعورًا باليأس والإحباط، حيث يشعر الفلسطينيون في الخارج بالعجز عن إحداث التغيير. ويمكن أن يتفاقم هذا التأثير العاطفي بسبب حقيقة أن العديد من الفلسطينيين في الخارج يواجهون التمييز والتحيز في أوطانهم الجديدة، مما يزيد من تفاقم شعورهم بالتفكك.