أمد/
حسن لافي
أمد/ مع مضي مئة يوم على الحرب الإسرائيلية على غزة، بدأ الشارع الإسرائيلي ومن خلفه الكثير من المحللين والاستراتيجيين الإسرائيليين يحاول تقييم أداء “الجيش” الإسرائيلي، وقدرة الحكومة الإسرائيلية على قيادة تلك الحرب، وبدأت تُطرح أسئلة كثيرة حول نتائج هذه الحرب وتداعياتها، وبات السؤال المركزي: بعد مرور مئة يوم، هل حققت الحرب أهدافها المعلنة؟
وإن كانت الحرب لم تحقق بعد كامل أهدافها، كما يصرح بذلك المستويان السياسي والعسكري، فكم من الوقت يحتاج “الجيش” الإسرائيلي لتحقيقها؟ وكيف سيوازن بين ما يحتاجه من وقت وبين الضغوط الكبيرة من عوائل الأسرى الإسرائيليين في غزة لإعادتهم في أسرع وقت ممكن؟
الأمر الذي يطرح علامة استفهام كبيرة حول إمكانية تحقيق تلك الأهداف، وكيفية التأكد من تحقيقها، وما هو الثمن الذي ستدفعه “إسرائيل” في ظل اشتعال جبهتي الشمال واليمن عسكرياً، ناهيك بالجبهة القانونية التي افتتحتها بكل شجاعة جنوب أفريقيا؟ وبات الأميركيون يطرحون على صانعي القرار الإسرائيلي سؤالاً بشأن استراتيجية “إسرائيل” للخروج من هذه الحرب، وما هي خطتهم لليوم التالي لها؟
من الواضح، أن “إسرائيل” ليس لديها الكثير من الإجابات، فعند الحديث عن استمرار الحرب وعدم توقفها حتى تدمير قوة المقاومة الفلسطينية في غزة، وعودة الأسرى الإسرائيليين، نجد أن هناك تناقضاً جوهرياً بين الهدفين، رغم كل محاولات المستويين السياسي والعسكري الموافقة بينهما، من خلال التأكيد أن مزيداً من الضغط العسكري على غزة سيسرع في عودة الأسرى ويحسن شروط التفاوض الإسرائيلية، بيد أن هذه الفرضية أثبتت فشلها واقعياً، بل بات لا يمكن تحقيق الهدفين معاً في آن واحد، كون سير الحرب في غزة في ضوء استبسال مقاتلي المقاومة الفلسطينية يشي بأن قوات الاحتلال تحتاج إلى فترة طويلة قد تمتد إلى سنة على الأقل، كما صرح بذلك وزير الحرب الإسرائيلي يؤاف غالنت.
وفي المقابل، تؤكد شهادات الأسرى الذين تم الإفراج عنهم خلال الهدنة أن الأسرى في غزة، وفي ظل القصف وسياسة التجويع وعدم إدخال الأدوية إلى القطاع، لن يتمكنوا من البقاء أحياء، وأن وقتهم ينفد، الأمر الذي جعل عوائل أولئك الأسرى تصرخ في وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، “أطلقوا سراح أبنائنا الآن”.
هذا التناقض بين الأهداف المعلنة، ينعكس سلباً على تقييم نتائج أداء “الجيش” الإسرائيلي في الحرب، فكما تؤكد ورقة بحثية تقييمية للحرب بعد مئة يوم، أصدرها مركز السياسات والاستراتيجية في معهد “رايخمن” أنه “رغم قتال الجيش الباهر على جبهات عدة، فإن الأهداف في الجنوب والشمال ما زالت حتى الآن لم تحقق”، الأمر الذي جعل أصوات القادة العسكريين تتعالى مطالبة من المستوى السياسي العمل على إعادة صوغ أهداف الحرب، بطريقة واقعية يمكن تنفيذها والأهم قابلة للقياس، لكي لا يبقى “الجيش” يدور في حلقة مفرغة من القتال اليومي، حتى يجد نفسه في نهاية الأمر في حرب استنزاف داخل ما يطلق عليه “الوحل الغزاوي”، حتى ولو احتل كامل قطاع غزة، كيف يمكن له التأكد أنه أجهز على حركة حماس والمقاومة التي هي في الأساس فكرة يؤمن بها الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال، وكلما زاد ضغط الاحتلال عليه زاد دعمه للمقاومة، والتفكير في وسائل جديدة لها.
وإذا أضيفت إلى ذلك، الأجواء الملبّدة بالاتهامات، والتهرّب من تحمّل مسؤولية الفشل الإسرائيلي الكارثي في يوم السابع من أكتوبر بين المستوى السياسي و”الجيش”، نجد أن صوغ تلك الأهداف بهذا الشكل الفضفاض والمتناقض قد يكون مقصوداً وبنيّة مبيّتة من قبل نتنياهو لكي يحمي نفسه وحكومته من أي مساءلة بعد الحرب، من جهة، والتهرب كعادته من صوغ استراتيجية واضحة لما تريده “إسرائيل” من تلك الحرب، من جهة أخرى.
والدليل على ذلك تأجيله إلى أكثر من ثلاث مرات الحديث عن اليوم التالي للحرب داخل مجلس الحرب، وعدم قدرته على إجابة الأميركيين عن هذا السؤال، وبالتالي في غياب الاستراتيجية والرؤية من المؤكد أن تتضرر القدرة الإسرائيلية على تحقيق أهداف الحرب، وتزداد تكلفتها.
بعد مئة يوم من الحرب، بات خطر تدحرج حرب غزة إلى حرب إقليمية متعددة الجبهات، سيناريو محتملاً، يقلق الإدارة الأميركية جدياً، ويدفعها إلى بذل مزيد من الجهود والمساعي مع حلفائها في المنطقة من أجل تلافي هذا السيناريو، منطلقة من قناعة أرستها مواقف الجبهتين اللبنانية واليمنية، أن تبريد هاتين الجبهتين مرتبط بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، ورغم أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تحاول أن تجعل حرب غزة مدخلاً لتغيير شكل الشرق الأوسط، من خلال العودة إلى الفكرة القديمة، الداعية إلى تشكيل حلف عربي- إسرائيلي في مقابل محور المقاومة بقيادة إيران، ولكن الجديد في الأمر أنها اقتنعت أنه لا يمكن تنفيذ ذلك، إلا من خلال بوابة القضية الفلسطينية، الأمر الذي يتطلب الضغط على حكومة “إسرائيل” بالقبول بأن يكون للسلطة الفلسطينية.