م.باسل قس نصر الله
أمد/ أكتب مؤكداً أنني لا أنتمي لحزبٍ أو منتفعاً من سلطةٍ.
أكتب لجميع أبناء سورية مهما تنوعت أثنياتهم وطوائفهم وذلك بعد أن لمست أنني مقبول بعض الشيء لديهم.
لا شك أن الأكراد في سورية هم من المواطنين ولديهم هوية وعليهم واجبات ولهم حقوق – مهما اختلفنا بين بعضنا البعض – على التزام الجميع تجاه واجباته.
من خلال لقاءاتي مع البعض وأحاديث الدردشة حول فنجان القهوة، أفهم أن هواجس الإخوة الأكراد مهمة ولا يجب التقليل من شأنها وحلّها عن طريق “تقبيل الشوارب”.
يعلم أكراد سورية أنهم لا يستطيعون تشكيل عامل مهم في الحركة الكردية، ويظل الاعتماد الأساسي في النهاية على أكراد العراق ممثلاً بمنطقة كردستان المستقلة ذاتياً التي أمنت لها القوة الجوية للإئتلاف الدولي لتحرير الكويت آنذاك، الحماية لسنوات من جيش صدام، وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد فرضت، بالاشتراك مع حلفائها عبر مجلس الأمن، منطقتي حظر طيران فوق الأراضي العراقية، إحدهما شمال خط العرض 36، لحماية منطقة إقليم كردستان العراق، والثانية كانت جنوب خط العرض 32، لحماية المتمردين الشيعة حينها من غارات النظام العراقي وذلك من عام 1991 إلى 2003.
كان هناك في سورية خلال الفترات السابقة، نوع من بطء العمل في قانون الإدارة المحلية الصادر عام 1971 ضمن رؤية الرئيس الراحل حافظ الأسد في إدارة شؤون البلاد بشكل ذاتي ومستقل عن المركز دمشق، ولكن بعض الرؤى القاصرة لفكر الرئيس حافظ الأسد حال دون أن يأخذ أبعاده الكاملة ولكل المناطق.
حارب الأكراد “داعش” وقاموا – كأي سوري – لتحرير بلادهم من هؤلاء، حيث بسطت القوات المتكونة في أكثريتها من الأكراد وبعض العرب، والمدعومة من “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، يوم الثلاثاء 16 تشرين الاول 2017، سيطرتها الكاملة على الرقة، التي كانت أبرز معاقل تنظيم “داعش” في سورية حيث بُدِء في معركة استعادة الرقة في 6 حزيران 2017.
هذا التحالف الدولي كانت غايته القضاء على “داعش” وشاركت فيه 54 دولة على أرض سورية، “داعش” التي أنشأته أميركا نفسها، كشفت هيئة الاذاعة البريطانية “بي. بي. سي – bbc” عن تفاصيل صفقة سرية سمحت لنحو 4 آلاف مسلح من هذا التنظيم الإرهابي مع اسرهم، بمغادرة مدينة الرقة تحت إشراف التحالف الدولي، والمقاتلين الأكراد الذين سيطروا على المدينة … استُخدمت نحو 50 شاحنة و 13 حافلة وأكثر من 100 سيارة لاجلاء الإرهابيين … وبدأت في 12 تشرين الاول 2017 واستمرت 3 ايام.
لكي تبرر أميركا دخولها وتدخّلها السافر في سورية استعانت بمبرر هو حقوق الإنسان والديمقراطية علماً إن إقامة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ليست بطبيعة الحال هي النوابض التي تحرّك الدبلوماسية أو القوة الأميركية.
إن هدف الولايات المتحدة الأميركية هو تحقيق الهيمنة على العالم كله، وهي لا تستطيع أن تتسامح مع ظهور أية قوة كبيرة في القارتين الأوروبية والآسيوية يمكن أن تشكل تهديداً لموقعها القيادي، ولقد أصبحت سورية دولة إقليمية قد تهدد مصالح أميركا، فكانت الحرب على سورية التي بدأت عام ٢٠١١.
وكانت فكرة إحياء الإسلام الجهادي في آسيا الوسطى لكي تتدخل أميركا في محاربته، فهي قد خلقت داعش وهي تحاربه بواسطة قوى محلية كان من بينها الأكراد.
أعتقد أن السوريين الأكراد وبقية التيارات تستطيع التوصل إلى نقاط مشتركة حول الإدارة المحلية وحول الإدارة الذاتية وحول العديد من نقاط الاختلاف، ولكن بشرط تحت العلم السوري ووحدة الأراضي وغيرها من الثوابت.
وقد قال لي الإخوة الأكراد أن تحالفهم مع أميركا هو فقط لمحاربة داعش .. فأجيب أن أميركا لا مصلحة لها بانتهاء داعش وكل الإسلام التطرفي أو الجهادي أو السياسي.
وإذا كان الإخوة الأكراد مقتنعين أن أميركا ستخرج من سورية فأجيبهم بما كتبه السيد عمار الحكيم رئيس تيار الحكمة عن لسان الرئيس المصري حسني مبارك: “يجب أن تحذروا من الأميركان، هؤلاء ما دخلوا بلداً وخرجوا منه.
ليست لديهم نوايا طيبة تجاهكم. سوف يقولون لكم الكثير من الكلام الجيد، لكنهم سيبقون عندكم”.
وللأمانة لقد لمست – أو هكذا أوحي لي – أن لا انفصال عن سورية تؤدي إلى إنشاء دولة كردية.
من الخطأ الفادح النظر الى دور الكرد في هذه المرحلة الجديدة من الصراع والفوضى داخل الشرق الاوسط بأنه مقتصر على التواطؤ، وعليهم أكثر من أي وقتٍ مضى، ورغم كل العوامل المحتقنة فيهم، يجب أن تكون لهم رؤية واضحة أنهم سوريون أولاً وأخيراً ضمن الخصوصية الكردية وأن كل السوريين إخوة لهم، وأن – لا سبيل ولا سبيل ولا سبيل – أمامهم إلا الطروحات الحوارية مع المركز في دمشق من أجل خيرهم وخير الجميع لبناء سورية.