أ.د.جمال عبد الناصر أبو نحل
أمد/ ” رسالة شعب الجبارين الصابرين المكَلُومِّيِن في غزة”
لقد تحمل الشعب الفلسطيني الحنظل، والمُرْ، وبحرًا هادرًا هائجًا، مائجًا غادرًا؛ وعاش ليالي سوداء في الظلماء، والأحزان. وذاق الشعب في غزة كأس المنُون بكُل الألوان، والأنواع؛ وأحاطت بالناس في غزة المنايا من كُلِ الاتجاهاتِ، والأمكنة والزوايا وعانى مُعاناة شديدة، وتعرض لمحِنة كبيرة لم يرى مثلها أحد قط في العالم أجمع؛ وضاقت عليهمُ الأرضُ بما رحُبت بسبب العدوان من عصابة الاحتلال الصهيوني المجرم؛ ولا زال الشعب الفلسطيني أجمع يُعاني من التهجير، والقتل، من خلال وحشِّيِة وعنصرية وسادية الاحتلال الصهيوني الفاشي؛ وتتواصل المعاناة في كل أماكن تواجد أبناء الشعب الفلسطيني سواء في داخل فلسطين المحتلة أو خارجها في دول اللجوء، والشتات؛ وذلك من بعد عام النكبة 1948م، واغتصاب وضياع فلسطين وحتى يومنا هذا؛ حينما تشتت الشعب الفلسطيني في كل أصقاع الأرض، وعاشوا حياة اللجوء المريرة، والمُرة، والمُعاناة الكبيرة والغُربة الصعبة؛ وعاشوا سنوات، وسنوات من الألم الممزوج بالأمل مع حُلم العودة بالرجوع إلى فلسطين التاريخية، منتظرين عودتهم لِقُراهم ولمِدنهم الفلسطينية التي هُجروا منها قسرًا، وقهرًا بفعل المذابح والمجازر الصهيونية الوحشية المدعومة من بريطانيا في ذلك الوقت؛ ومن أمريكا، ودول الغرب، وأوروبا قديمًا، وحديثًا!.
لقد تلاطمت أمواج البحر العاتية بالشعب الفلسطيني في ظلماتٌ بعضها فوق بعض، ولا تزال كذلك، ولكنها لم تسطيع أن تحرف البوصلة الفلسطينية العربية الإسلامية عن مسارها الفدائي الجهادي، ولم تزحزح الشعب الفلسطيني قيد أُنملة عن صُمودهِ الأسطوري، البطولي؛ واستمر التحدي، والتصدي للعدو الصهيوني المُجرم الغاشم المتوحش على مدار السنون بكل إيمان، وبسالة، وعنفوان، وقوة، وإرادة، وعزيمة، وصبر منذ حوالى قرن من الزمان، وصبر الشعب الفلسطيني صبرًا جميلاً وصبروا، وصابروا، ورابطوا رِباطًا عظيمًا سواء في مدينة القدس المحتلة أو في المسجد الأقصى المبارك أو في الضفة الباسلة الملتهبة ضد قطعان الغاصبين المستوطنين الخنازير الأنجاس الأوغاد.
وأما حال الشعب في غزة فلقد كان صمودهم فوق كل توقع، تهتزُ له الجبال الرواسي، ولا يزال صبرهم، وقوة تَحمُلهم تفوق الخيال، والوصف، بل ربما صبرهم كان مثل صبر سيدنا أيوب عليه السلام، فمنهم من قضي نحبهُ ومنهم من ينتظر، ومنهم الذي فقد كل أهله، ومالهِ، وكل ما يملك، وصبر، وصبر، وصبر الخ…
إن أغلب سكان قطاع غزة، والبالغ عددهم أكثر من مليونين، ومائتي ألف مواطن قبل العدوان الوحشي الصهيوني الإجرامي جُلهم في الأصل لاجئين من فلسطين التاريخية المحتلة عام النكبة؛ وهُم، ومعهم كل أبناء الشعب العربي الفلسطيني، وحدة واحدة، وجسد واحد مع كل سكان قطاع غزة كانوا، ولا وزالوا، وسيظلون هُم رأس الحربة في مقدمة الصراع مع عصابة العدو الصهيوني الغاشم الفاشي الوحشي المجرم؛ وحتى نضع النقاط على الحروف، ونتكلم بكل صراحة، ووضوح، وخاصة أننا من سكان قطاع غزة، وكما يقولون “أهل مكة أدرى بشعابها”؛ لابد أن نوجه رسالة جازمة، وحاسمة، وواضحة، وصريحة، لولاة الأمر، وإن لم تكُن مُريحة لمن يحكم غزة، ونقول لهم: ” لا يمكن لعاقل أن يُنكر الصمود البطولي المُشرف للمجاهدين في ميادين المواجهة، والقتال ضد العدو الصهيوني، والاستبسال في مواجهة العدو، والإعداد، والتجهيز الجيد للمعركة مع عصابة كيان الاحتلال المجرم؛ وتوجيه ضربات موجعة، ومؤلمة للعدو، وتدمير ألياتهِ، وقتل عصابة جنوده الذين توغلوا في وحل رمال غزة؛ ” وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى”؛ فأولئك المجاهدين الأبطال هم محل إجماع وطنيٍ وعربيٍ، وإسلامي، ونَكُن لهم كل التحية، والتقدير، والاحترام لأولئك الأبطال الرجال المغاوير في كل ميادين المواجهة والقتال مع العدو الجبان؛ الذين يدافعون عن المقدسات، وعن العقيدة، وعن شرف الأمة العربية والإسلامية، ولكن يجب علينا أن نضع صوب أعيُننا الحقيقة الغائبة، وخاصة لبعض القيادات السياسية، والميدانية في حركة حماس وإن كان قول ذلك صعبًا ومُؤلمًا، لأننا نعلم أنهُ من الصعب أن يتقبل البعض النصيحة، والنقد وإن كان نقدًا بناءً؛ ورحم الله الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه القائل: ” رحم الله من أهدي إلى عيوبي؛ لأن البعض يأخذهُ الكبر، والعلو والعزة بالإثم، فلا يتقبل النقد مُطلقًا!؛ ولكن يجب علينا القول: بإن الشعب الفلسطيني في غزة منذ ما يقارب عقدين من الزمن، يعيش أوضاع معيشية صعبة بل مأساوية جدًا، من فقرٍ مدقع، بسبب الحصار الصهيوني الجائر، وكذلك فرض ضرائب كبيرة على كل السلع التموينية التي تدخل قطاع غزة والتي يتحمل نتيجتها المواطن الغزي!؛ فلقد عاش أهل غزة عقدين من الزمن من غير وجود التيار الكهرباء بشكل متواصل، وكان التيار الكهربائي يصل لبيوت الغزيين قبل يوم السابع من أكتوبر لعدة ساعات معدودات يوميًا فقط؛ وناهيكم عن جيش من البطالة. لقد تعرض الشعب الفلسطيني لأكثر من أربع مرات لعدوان صهيوني إجرامي غاشم، وحروب طاحنةٍ ظالمة أكلت الأخضر واليابس منذ عام 2008م وصولاً ليومنا هذا وقبل نهاية عام 2023، وبدأ العام الجديد 2024 م؛ حتى جاءت معركة “طوفان الأقصى”، في السابع من أكتوبر من نفس العام؛ قام خلالها العدو الصهيوني بارتكاب مجازر بشعة، ومذابح وحرب إبادة جماعية يندى لها جبين الإنسانية؛ حيثُ دمر العدو الصهيوني نسبة كبيرة جدًا من قطاع غزة وسواها بالأرض، وقتل ألاف النساء، والأطفال، وشرد حوالى اثنين مليون فلسطيني إلى مدارس النزوح القسري، واللجوء خاصة جنوب قطاع غزة وصار الشعب يواجه خطر المجاعة، ويعيشوا ظروفًا صعبة جدًا، وغير إنسانية فيفترشون الأرض، ويلتحفون السماء ويستخدمون الحطب لطهي الطعام لعدم توفر غاز الطهي، وارتفعت أسعار السلع بشكل رهيب، وكبير، وجنوني؛ وكذلك أكلت القطط، وبعض الكلاب من جثامين الشهداء الأبرار، ولا يزال ألاف الشهداء منذ حوالى ثلاثة شهور تحت أنقاض الأبراج والبيوت المدمرة، ومسحت عوال بأكملها من السجل المدني الفلسطيني، ودفن الكثير من الشهداء في الطرقات العامة، والشوارع لأن المقابر قد امتلأت؛ وهنا لابد من قول كلمة الحق، وإن كانت مُرة، وصعب عليكم أن تسمعوها: هناك في مدارس النزوح من المدنيين من المؤيدين، والمناصرين للحركة؛ فلم ينقطع عنهم التموين، ولا المؤونة، ولا غاز الطهي، وكأنهم يقولون: “محمد يرث، ومحمد لا يرث”؛ ثانيًا في وقت الهُدنة، أو التهدئة دخلت العديد من الشاحنات، والمساعدات لقطاع غزة، فهل كان عدل في التوزيع للجميع؟؛ والإجابة لا يوجد عدل في توزيع المساعدات القليلة جدًا التي تدخل القطاع، فمن كان ينتمى للحركة ويتبعها يصله كل شيء؛ ومن كان من الشعب فليس لهم إلا الله عز وجل، ولا بواكي لهم، ومن ينتقدهم يتعرض فورًا للأذى!. ومن المعلوم أن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر، فلقد كان الصحابة إن حمي وطيس المعركة احتموا برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكان عليه أفضل الصلاة والسلم في معركة الخندق “الأحزاب”، يربط حجرين على بطنه الشريف، بينما الصحابة الكرام يربط كل واحدٍ منهم حجر واحد على بطنه؛ فهكذا نعم القائد، ونعم القيادة؛ كان في الخنادق لا في الفنادق!؛ “كَبُرْ مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”!؛ فلماذا وقت الحرب، والعدوان الشعب يتحمل ضريبة الدم الكبيرة جدًا، ويصمد، ويصبر صبر أيوب، وتقصف بيوتهم، ويدمر الاحتلال كل حياتهم، ويقتل أحلامهم، وأطفالهم، ونسائهم، ويرتكب حرب إبادة جماعية؛ وتكاد تحدث مجاعة بين الناس؛ ورغم ذلك الشعب صمد ورفض الرحيل، والهجرة إلى سيناء، وكان ظهيرًا، وسندًا للمقاومة فصمود الشعب يُعد من أهم أسباب، ومقومات رغم بحر المجازر الصهيونية الإجرامية؛ فلماذا يتم توزيع أي مساعدات تصل على أساس حزبي فصائلي مقيت!، وكأن من لم يكن ينتمي لِحماس، عليه أن لا يطالب بأي معونة، أو مساعدة، وتأخذون لوحدكم في المدارس نصيب الأسد، والشعب ينظر لكم نظر المغشي عليه من الموت!؛ وكذلك شاهدنا بعد انتهاء كل عدوان صهيوني إجرامي على غزة في السنوات الماضية يقوم الأخوة العرب والمسلمين مشكورين بالتبرع لإعادة إعمار غزة؛ فيبقى أغلب الشعب على قوائم الانتظار، وعلى الرف، بينما يتم فورًا بناء بيوت قيادات حماس، والمناصرين، والمنتمين للحركة أفضل مما كانت عليه قبل اقصفها وتكون لهم الاولوية في كل شيء. بينما عامة الشعب بغزة ليس لهم إلا الله عز وجل ولا تُعيروهم أي اهتمام، ويضيع حقهم؛ وربما البعض يتهمنا بأننا قد أخطأنا بحق المجاهدين والمقاومين وتعدينا السدود والحدود، لأننا نعلم أن عقلية البعض الفلسطيني لا تقبل النقد البناء. وسوف أذكر هنا ما قاله مؤخرًا بنفسه وأمام وسائل الإعلام من تركيا أحد قيادات حركة حماس السياسية المقيم في تركيا قال حرفيًا:” من حق حركة حماس السيطرة، وأخذ كل المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة”؛ طيب والشعب الفلسطيني هل جاء من كوكب المريخ!!، وهل عليه فقط أن يبقى يقدم شهداء وبيوت مدمرة، ووقت التعمير تقولون له ما قاله علنًا بعض قادتهم السياسيين: “مال حماس لحماس”!؛ ومن ثم تطالبون الشعب بمطالبة السلطة بالإعمار، وبصرف رواتب شهرية للجرحى ورواتب لذوي الشهداء تلك إذًا قسمةٌ ضيزى!؛ وختامًا نحن جميعًا شعبٌ واحد، ورصاص الاحتلال لا يفرق بيننا؛ فيجب أن نكون شركاء في السلم كما نكون شركاء وقت العدوان، والحرب؛ ويجب أن يكون العدل، والعدالة سيد الموقف، وأن تقيموا الوزن بالقسط، ولا تخسروا الوزن بالقسط ولا تنقصوا، وتحرموا الشعب حقهم؛ فهم من صمدوا، والشعب هو من قدم ضريبة الدم؛ أكثر من مائة ألف بين شهيد، وجريح في حرب الإبادة الجماعية التي ارتكبتها عصابات العدو الصهيوني المجرم الغاصب الجبان القذر على شعب غزة الصامد البطل..
إنها كلمة الحق وإن كانت صعبة عليكم أن تسمعوها، فلا خير فيكم إن لم تسمعوها؛ ويجب أن تعدلوا بين الرعية، وتوزعوا المساعدات التي تأتي بالسوية، وبالعدل؛ وهذا أقل ما يمكن أن يقدم لكُل شعب غزة البطل العظيم الذي تجرع المُر، والعلقموأن لا توزع المساعدات التي تدخل القطاع، أو المساعدات التي سوف تدخل لاحقًا من أجلِ بناء البيوت المدمرة على أساس حزبي مقيت!. فنحن جميعًا شركاء في الوطن شُركاء في الدم؛ وبالأخص دماء الشهداء الأبرار، والذين جلهم من الأطفال، والنساء الذين خضبت، وروت دمائهم الزكية الطاهرة أرض غزة في فلسطين؛ ويجب أن لا يأخذنا الزهو، والغرور؛ طالما المسجد الأقصى أسير فلا احتفالات بأي نصر!؛ فحينما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكًا فاتحًا خفض رأسهُ الشريف وكادت تلمس ظهر ذابتهٍ تواضعًا وشكرًا لله عز وجل، فالكبر يورث الشرك؛ كما، ويجب علينا أن نتواضع لشعبنا، وأن نكون سدنةً لهم، ونكفكف دموعهم، ونحنو عليهم، ونعطيهم، ونرضيهم قبل أن نُعطي أبناء الحزب، والحركة والتنظيم، وأن نكون ممن يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة؛ فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، “واتقوا الله ويعلمكم الله”.