أمد/ انتهى عام 2023، وتخطينا النصف الأول من يناير 2024، ولا يزال لبنان يعاني من أزمات اقتصادية طاحنة، ولم تفلح الجهود في الخروج من المأزق الاقتصادي، الذي يواجهه الشعب اللبناني، على مدار سنوات، وقبل نشوب الصراع الحالي، كان من المتوقع أن يحقق الاقتصاد، لأول مرة منذ عام 2018، نموًا بنسبة 0.2% في عام 2023، وأتى هذا النمو «الهامشي» مدفوعًا في الغالب بعوامل شديدة التقلب منها نمو الاستهلاك الناجم عن موسم سياحي صيفي قوي، وتدفق كبير للتحويلات المالية، وزيادة دولرة الرواتب، بالإضافة إلى علامات على استقرار مؤقت في نشاط القطاع الخاص، وفي ظل الصراع الحالي وغياب الاستقرار الاقتصادي على النطاق الأوسع، عاد الاقتصاد اللبناني إلى حالة الركود، ولا تزال اختلالات الاقتصاد الكلي قائمة، والحساب الجاري يعاني عجزًا كبيرًا يصل إلى 12.8% من إجمالي الناتج المحلي، طبقًا لما أورده تقرير صندوق النقد الدولي.
وفي أغسطس 2019، وبسبب الصعوبات المالية المختلفة، خاصة الاحتمالية المتزايدة لفشل الحكومة اللبنانية في التزامات الديون المستحقة، بدأ سعر الصرف الموازي في التشكل والتحول عن سعر الصرف الرسمي.. وفي خريف عام 2019، وصل سعر الصرف الموازي إلى 1600 ليرة لكل دولار أمريكي، وسيرتفع لاحقًا إلى 3000 ليرة لكل دولار أمريكي في أبريل 2020، ويستمر سعر الصرف الموازي للدولار الأمريكي في الارتفاع بسبب انخفاض قيمة الليرة اللبنانية بسبب النقص الحاد في الدولار الأمريكي داخل لبنان، وتسبب هذا النقص في الدولار أيضًا في إغلاق 785 من المطاعم والمقاهي بين سبتمبر 2019 وفبراير 2020، مما أدى إلى فقدان 25000 موظف لوظائفهم. جعلت هذه الأزمة الاقتصادية الناتج المحلي الإجمالي للبنان ينخفض إلى حوالي 44 مليار دولار، والذي كان حوالي 55 مليار دولار في العام السابق.
سياسة دعم أسعار السلع والمواد الأساسية التي تم إنتاجها خلال سنوات الأزمة، أدت إلى تراجع قيمة الاحتياطات الأجنبيّة في مصرف لبنان من 34.73 مليار دولار في منتصف أكتوبر 2019، إلى 8.7 مليار دولار في منتصف أكتوبر 2023، دفعت المسؤول عن البنك المركزي اللبناني في أغسطس 2023، لإيقاف سيتوقف مد الدولة بالعملات الأجنبية، نظرًا للانخفاض الكبير في احتياطاته، التي قضت عليها الأزمة الاقتصادية على مدار 4 سنوات.
وفشلت الحكومة اللبنانية في القيام بالإصلاحات المطلوبة، وهو ما تسبب في استنزاف الدولة أكثر وأكثر، فالجمود الحاصل يؤدي إلى فقدان الثقة بلبنان، وبالتالي غياب الاستثمارات عنه، ومسار الخروج من الأزمة، يتطلب تنفيذ الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدة منه، إضافة إلى إدخال بعض التعديلات على قانون السرية المصرفية، وتنفيذ هذه المطالب، كفيل بوضع لبنان على طريق الإصلاح والنهوض، ويخلق حالة من الثقة على الصعيدين المحلي والعالمي، ما يساعد في جذب الاستثمارات وتحفيز النمو وخلق فرص عمل وبالتالي إعادة إحياء العجلة الاقتصادية.
وساعد الانتعاش السياحي الذي شهده لبنان في صيف 2023، بدعم هذا القطاع، وما يحدث في لبنان لا يبشر بالخير ومهما كانت قوة القطاع الخاص، فالمطلوب أن يكون هناك إدارة قوية ومركزية، للسياسات والإجراءات الواجب اتخاذها من قبل السلطات التشريعية، والتطبيع مع الأزمة ليس طريقاً للاستقرار، والاستقرار الذي يعيشه سعر صرف العملة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، ناتج عن عدة عوامل أبرزها، خطوة تسعير الأسواق بالدولار الأميركي، والقرارات التي اتخذها مصرف لبنان بسحب الكتلة النقدية الكبيرة من العملة اللبنانية التي كانت موجودة في الأسواق، إضافة إلى توافر الدولار بعد موسم سياحي ناجح أدخل إلى لبنان عملات صعبة.
وعانى لبنان سياسيًا على مدار 4 سنوات، ولم تتمكن الأطراف السياسية من الاتفاق فيما بينها، للتصدي للمشكلات المالية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد، وأدت الخلافات السياسية إلى فراغ منصب رئاسة الجمهورية، الذي يعد أعلى منصب في الدولة، وعدم القدرة على تعيين حاكم لمصرف لبنان المركزي، في وقت بات الفراغ يهدد مناصب إدارية وأمنية عليا أخرى، ما يدل على أن مستقبل لبنان الاقتصادي بات غامضًا وأن الوضع يتجه إلى المزيد من التعقيدات.
ويبدو أن الحرب في لبنان، تفاقم الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني، بالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي، وعدم حدوث تكافؤ بين أطرف القوى السياسية في لبنان، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى استمرار الأزمات المتلاحقة، التي يعاني منها الشعب اللبناني، ويشتد الصراع الدائر بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي على الحدود اللبناني، بعد قيام القوات الموالية لحسن نصر الله، بشن هجمات على إسرائيل، ردًا على الانتهاكات الوحشية التي يقوم بها الاحتلال بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وهو الأمر الذي زاد من صعوبة الأوضاع في لبنان، التي أججت المسار الإصلاح السياسي والاقتصادي.
ويترقب الشعب اللبناني الأوضاع، التي تنذر بتفاقم الصراع بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، والدخول في حرب واسعة، والتي أصبحت وشيكة، وهو ما يبدد آمال وأحلام الشعب اللبناني في الخروج من «عنق الزجاجة»، الذي يدخل عامه الرابع على التوالي، دون الوصول لحلول حاسمة في مواجهة الأزمات المتعاقبة، والتي أدت إلى خروج اللبنانيين، في مظاهرات حاشدة منددين بما يحدث، ووجهوا اتهامات بالفساد لبعض المسؤولين، بسبب تردي الأوضاع المعيشية، وانهيار الليرة، وعدم توافر الوقود، وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، وزيادة أسعار السلع، وعدم القدرة على توفير العديد من الاحتياجات الأساسية للمواطنين في لبنان.
دخول لبنان في حرب موسعة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا أن «بيروت» تربطها حدود مع إسرائيل، التي تحاول الاستيلاء على أجزاء منها، أو احتلالها بالكامل – إذا استطاعت ذلك – وهو الأمر الذي يقود البلاد إلى مصير مظلم، لذلك لابد من الانتقال من المسار العسكري إلى المسار الدبلوماسية، وإجراء مباحثات مكثفة يقودها أطراف حريصون على مصلحة الشعب اللبناني، وتجنب الخلافات السياسية والشخصية، مهما بلغت ذروتها، وهو السبيل الوحيد لمحاولة إنقاذ الوضع المتدهور، ما عدا ذلك، وحال اندلاع الحرب في لبنان، قد لا تستطيع النهوض مرة أخرى، ويصبح مصيرها مثل أقرانها من بعض دول المنطقة، التي دمرت بشكل شبه كامل، وفي النهاية الشعب هو من سيتحمل فاتورة الصراعات السياسية، والحروب المدمرة.