أمد/
لندن– نشرت "المجلة" السعودية وثائق جديدة بعنوان " صراع الأسدين"، قالت فيه أن العلاقة بين حافظ ورفعت كانت مثل أي شقيقين في عائلة كبيرة تنحدر من أسرة فقيرة في الساحل السوري. الأصغر يتأثر بالأكبر ويمشي على خطاه، بما في ذلك الانضمام إلى ذات الحزب، أي "البعث"، في بداية الخمسينات، والجيش في بداية الستينات. وعندما سيطر "الأخ الأكبر" على اللجنة العسكرية في "البعث" وبات عقلها المدبر ثم صاحب القرار، كان رفعت في الكلية العسكرية في حمص، وسط البلاد، كي يكون أقرب إلى ملهمه، الذي كان قائدا لسلاح الجو السوري.
هذه الشراكة الأخوية، اختبرت في صراع الرفاق "البعثيين" عام 1966، ثم تعززت بتكليفه بتأسيس قوة عسكرية تسهر على صحة النظام. إذن محور حافظ-رفعت، ضد محور صلاح جديد-عبد الكريم الجندي. انتحار الأخير في مارس/آذار 1969، كان محطة في الصراع الذي حسمه الأسد في نوفمبر/تشرين الثاني 1970. الأخ الأكبر كان في القصر ويده على القرار، والثاني في الشوارع ويداه على البندقية يسهر على "تأمين" دمشق.
يروي خدام: "في مرحلة الصراع على السلطة مع قيادة الجيش وحزب البعث نهاية الستينات، كانت مجموعة من الرواد والنقباء (رتبتان عسكريتان) داعمة لوزير الدفاع اللواء حافظ الأسد ضد القيادة القطرية وكانوا ممسكين بالقطعات الأكثر فاعلية، فتمسك الأسد بهم وتولوا مسؤوليات متقدمة في القوات المسلحة، فبعضهم توجه إلى الرائد رفعت وبعضهم تحول إلى مراكز للقوة. وكان كل واحد منهم، يعتقد أنه الأقرب للرئيس وكان يوحي لهم بذلك. فهم عمليا كانوا نواة حماية النظام. لكنهم خلال التنافس على الولاء للرئيس نشأت بينهم حالة من البغضاء والحسد. وبذلك فقد ضمن الأسد عدم تكتلهم".
في 23 ديسمبر/كانون الأول 1973، شكل الأسد حكومة استمرت إلى 1976. كانت تلك المرحلة غنية بالأحداث، وأبرزها أكتوبر/حرب تشرين الأول، ضد إسرائيل عام 1973، ثم اتفاق فصل القوات مع إسرائيل، والخلاف مع مصر، والتوترات الحادة مع العراق، وانفجار الحرب الأهلية في لبنان. تدفقت المساعدات العربية التي ساهمت في إطلاق عدد كبير من مشاريع البنية التحتية والتنمية الصناعية، وقد تسابقت الشركات للدخول في المناقصات للحصول على تلك المشاريع، كما برز عدد كبير من الوكلاء الذين تركزت جهودهم مع بعض مراكز القوة لحصول موكليهم على العقود، و"كان المقدم رفعت الأسد محور اتصالات الوكلاء"، حسب خدام.
حملة واتهامات بالتقصير
في المؤتمر القطري لـ"البعث" الذي عقد بين 5 و15 أبريل/نيسان عام 1975 شن المقدم رفعت الأسد "مباشرة أو عبر كتلة مرتبطة به هجوما على القيادة القطرية، متهما إياها بالتقصير، وكذلك على الحكومة وعلى رئيسها وعلى بعض الوزراء، وكان يهدف إلى إسقاط الأمين العام المساعد عبد الله الأحمر، ومحمود الأيوبي رئيس مجلس الوزراء، ومحمد حيدر نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، واللواء ناجي جميل، واللواء مصطفى طلاس وزير الدفاع، وبدأ يروج لإسقاطهم، فبادر عضوا القيادة القومية باقر الياسين وأحمد الجبوري بطلب لقاء القيادتين القومية والقطرية مع الرئيس الأسد لوضعه في الصورة والتنبيه على تدخل المقدم رفعت وضغوطه على عدد من أعضاء المؤتمر".
إحدى وثائق عبد الحليم خدام
بالفعل، عقد الاجتماع في القصر الجمهوري وبدأ أعضاء القيادة يشكون للرئيس تدخل شقيقه وضغوطه، فأجاب الأسد: "لماذا لا تدافعون عن القيادة القومية في المؤتمر؟ لماذا لا تتصدون له في المؤتمر؟". ويقول خدام: "كنت جالسا في مكان بعيد عن الرئيس، أخذت الحديث وقلت: أستغرب هذا اللقاء، فأنتم قيادة الحزب وأنتم تملكون سلطة القرار في الحزب. عوضا على الشكوى للأمين العام (حافظ الأسد) اجتمعوا وخذوا قرارا بفصل رفعت من الحزب ومن الجيش، وبذلك تصونون القيادة والحزب"، فعلق الأسد، قائلا: "بالفعل لماذا تأتون وتشتكون. تحملوا مسؤوليتكم".
"عليك أن تختار بين شقيقك أو رفاقك"
في الجلسة المسائية للمؤتمر، طلب خدام الكلام وتحدث مطولا، وهاجم بـ"شدة المقدم رفعت الأسد"، واتهمه بـ"نشر التسيب في القوات المسلحة وبممارسة الفساد وبمحاولة تخريب الحزب عبر التكتلات، رغم أن الرجل كان دائما يتعامل معي بمودة واحترام"، حسب خدام.
ويضيف: "قبل أن أنهي كلمتي توجهت إلى الرئيس حافظ فقلت له: عليك أن تختار بين شقيقك ورفاقك. وأنهيت كلامي وعدت إلى مقعدي وكان قريبا من مقعده، والتفت إلي. وقال: استدعِ الدكتور أديب الداودي، أريد أن أعينه مستشارا سياسيا. فأجبته: عينه وزيرا للخارجية، لماذا مستشار سياسي؟ وقلت له: سيكون هنا غدا واتصلت بمدير مكتبي وطلبت منه استدعاء الداودي من مقر عمله في بروكسل".
بالفعل استقبل الأسد الداودي بعد وصوله، وعينه مستشارا سياسيا. مضى أسبوعان ولم يسند له أي عمل، "فجاء الداودي شاكيا، فاتصلت بالرئيس ونقلت شكواه، فأجابني: ماذا سيعمل؟ وزارة الخارجية موجودة. وبعد فترة ساعدت الداودي في توظيفه مراقبا في الأمم المتحدة وكان مقره في جنيف وهو بالفعل كان من المهنيين الأكفاء".
رفعت الأسد بالبزة العسكرية يرتشف القهوة
بعد انتهاء أعمال المؤتمر تحدد موعد في اليوم التالي لانتخاب أعضاء القيادة القطرية، وكان الرئيس حافظ قد طلب من الأحمر رئيس المؤتمر، إجراء الانتخابات في غيابه لأنه سيرافق والدته إلى المطار حيث كانت ستسافر إلى فرنسا للعلاج. في صباح ذلك اليوم، جاء وائل إسماعيل وهو صديق قديم لخدام، وأبلغه بأن رفعت "رتب الأمور لإسقاط الأحمر والأيوبي وجميل وحيدر وطلاس وهو سيستغل غياب الرئيس". يقول خدام: "اتصلت مباشرة بالرئيس حافظ وهو أيضا يثق بوائل إسماعيل وأبلغته ما حدثني به وائل، فطلب إلي إبلاغ رئيس المؤتمر بتأجيل الموعد حتى عودته من المطار. وبالفعل بعد عودة الرئيس وحضوره المؤتمر تحدث مطولا عن الاستقرار في المواقع القيادية في الحزب والدولة، وأثنى على الأعضاء الخمسة وفهم أعضاء المؤتمر أنه يخشى عليهم من السقوط، لذلك أثنى عليهم".
جرت الانتخابات وسقط الأيوبي وجميل ونجح طلاس "بدرجة متوسطة" وكان الأحمر وحيدر في آخر قائمة الناجحين. ويروي خدام: "وقعت نتائج الانتخابات على الرئيس وقع الصاعقة فسقط رئيس وزرائه وسقط رفيقه اللواء جميل الذي كان معه منذ كانا ضابطين صغيرين وسانده بشدة في صراعه مع القيادة القطرية السابقة وهو في الوقت نفسه رئيس مكتب الأمن القومي وقائد القوات الجوية، فتوجه إلى إصدار قرار من القيادة القومية بإلغاء الانتخابات. لكن الرفيقين ياسين وجبوري نصحاه بأن الإلغاء سيعطي انطباعا سلبيا عن الحزب وعن النظام ويمكن اتخاذ هذا القرار بعد بضعة أشهر، فوافق على ذلك. وكان من بين الناجحين بعض أنصار المقدم رفعت، ومنهم يوسف الأسعد وأحمد دياب ومحمد زهير مشارقة".
رغم سقوط الأيوبي في انتخابات المؤتمر القطري فإن الرئيس حافظ ومعظم أعضاء القيادة القطرية طلبوا منه بإلحاح الاستمرار في رئاسة الوزارة. كما بقي اللواء جميل في موقعه رئيسا لمكتب الأمن القومي. وبعد أكثر من سنة ونصف تم تشكيل حكومة جديدة برئاسة اللواء عبد الرحمن خليفاوي.
كان العقيد رفعت قد أصبح أكثر نفوذا في الحزب وفي الدولة. وفي تلك المرحلة عادت التوترات السياسية والأمنية بين دمشق وبغداد، وحشد الجيشان في مواجهة بعضهما البعض وأقدمت المخابرات العراقية على القيام بسلسلة أعمال تخريب في سوريا. كما تعرض خدام لمحاولتي اغتيال "من قبل المخابرات العراقية؛ الأولى مطلع ديسمبر/كانون الأول عام 1976 وأصيب بطلقتين". كما أصيبت زوجته. والمحاولة الثانية في 25 من أكتوبر/تشرين الأول من عام 1977.
تعزز نفوذ رفعت. عسكريا، أصبح قائدا لـ"سرايا الدفاع"، وهي قوة نخبوية من 40 ألفا، لا ترتبط بالجيش. ترقى في قيادة الحزب، وسع نشاطاته بين الشباب والفتيات والإعلام. وأسس "الرابطة العليا للخريجين" لتوحيد حملة الشهادات الجامعية.
من الأمور الخطيرة التي برزت وقتذاك، تحرك تنظيم "الطليعة" الذي كان يرأسه مروان حديد وكان جميع أعضائه ينتمون إلى "الإخوان المسلمين" الذين قاموا بعدد من الاغتيالات ومنهم الرائد محمد غرة في حماة والدكتور محمد الفاضل رئيس جامعة دمشق.
وفي تلك الأجواء، تسلم اللواء عبدالرحمن خليفاوي مسؤولية رئاسة الحكومة، ووجد نفسه في صراع مع "معظم أطراف النظام، لا سيما مع العقيد رفعت وأجهزة الأمن ومعظم أعضاء القيادة القطرية والقسم الأكبر من قيادات الفروع، وقد كان دائما في صراع ضد الفساد"، حسب خدام. ويضيف: "هذا الأمر جلب له عداء القسم الأكبر من مسؤولي أجهزة الأمن ومراكز القوة في القوات المسلحة. بالإضافة إلى النقد اللاذع لأعضاء القيادة القطرية مما أثار حملات شديدة ضده".
* حلقة ثانية غداً: الصراع مع "الإخوان" وتهديد رفعت بـ"مليون قتيل"… و"أول إشارة" للتوريث من الأسد