نبيل أحمد صافية
أمد/ كان الشّعب العربي السّوري ينتظر منذ زمن ما أشار إليه السّيّد الرّئيس في كلمته أمام اللجنة المركزية لحزب البعث العرب الاشتراكي في منتصف الشهر الماضي ، وقد تناول فيها الأوضاع السّياسية في المنطقة والأوضاع التّنظيمية الداخلية لحزب البعث ، وخصوصاً في المجال النّاظم للانتخابات التي ستجري ضمن صفوف الحزب وآلية الانتخابات الجديدة التي ستشهدها سورية خلال الفترة القادمة.
ولعلّ أبرز ما تمّ التطرّق إليه في خطاب سيادته وكلمته الهامة والتاريخية تلك الأبعاد السياسية التي تطرّق إليها على المستويين الداخلي والخارجي ، فقد بدأ سيادته الكلمة بالإشارة للوضع الحزبي الداخلي ضمن إطار المسألة التنظيمية ، وحدّد الأسس التي ستتم عبر الانتخابات القادمة كونها الخطوة الأساسية في الاتجاه الصحيح ، وأشار إلى السلبيات الموجودة منذ القديم خصوصاّ أنّ الحزب يمتلك مبدأ هاماً وهو النقد والنقد الذاتي ، وأكد ضرورة مواجهة السلبيات التي تترك آثارها في المجتمع ، وبيّن أن الانتخابات هي تشخيص وعلاج في آن معاً ، وأشار سيادته إلى المحسوبيات ورأى أنّها :
” حالة صحية حالة جميلة حالة إيجابية ، ولكن عندما نأتي بهذه الحالة وندخلها إلى المؤسسات تتحوّل إلى حالة سلبية ” ، وأكد سيادته أنّ نجاحنا فيها يتمّ في ” وضع إجراءات مضبوطة ، وضع معايير هادفة مدروسة هو الذي يحوّل هذه الحالة السلبية داخل المؤسسة إلى حالة إيجابية من خلال الفرز بين الجانب الاجتماعي والجانب المؤسسي لذلك متابعة تطوير هذه التجربة في الانتخابات القادمة ينطلق من معالجة تلك السلبيات ووضع المزيد من الإجراءات والضوابط لكي نضمن ونطمئن إلى أنّ الإجراءات القادمة ستكون خطوة إلى الأمام ، وليس تكريساً للسلبيات ، وفي الوقت نفسه علينا ألا نخشى من النتائج “، وبيّن سيادته أنّ ” المجتمع يتغيّر والعالم يتغيّر ، والحزب يجب أيضاً أن يتغيّر بالاتجاه نفسه ، وهذا دليل قوة الحزب وليس دليل حالة منفعلة تسير مع التيارات أبداً يجب أن نكون متغيرين مع المجتمع ، ويجب أن نقود التغيير في المجتمع ، لا أن نُقاد بعملية التغيير لنبقى حزباً في المقدمة ” .
وحدّد سيادته الإطار العام لتلك الانتخابات وفق مبادئ جديدة تتمثل في المشاركة على مستوى الشعب ، وعدّ ذلك حقّاً لكلّ حزبي أن يكون مشاركاً في الانتخابات لما لها من أهمية في احترام لرأي القواعد في الموضوعات التي ستطرح في المستقبل ” ، ورأى أنّ ” التعيين يعتمد على رؤيا ضيقة لأي شخص فينا ، ولو كان بحسن النيّات نصيب ونخطئ ” .
وأكد أنّ مشاركة الأفراد يحمّلهم المسؤولية الحزبية والمجتمعية ، ويرفع من مستوى الفرد والمجتمع ، كونها تحمّله النتائج ، وهذا ما يعزّز شرعية قرارات القيادات على المستوى الداخلي للحزب ” ؛ وطرح سيادته المبدأ الثاني ، وهو موضوع التدخلات على مستويين ، وأثرها في العملية الانتخابية ودعا إلى تشكيل لجنة مستقلة للانتخابات كي تشرف على الانتخابات ، وحدّد هدفين للجنة ، ” وهما يتمثّلان بحماية القواعد من التدخل باعتبارها الشكوى الأهم ، وحماية القيادات من الاتهامات ، وبالتالي : حماية نزاهة الانتخابات ، ونزاهة الانتخابات ضرورية من أجل صورة الحزب ونزاهة الحزب حفاظاً على منع الأسباب التي تدفع باتجاه الاتهام حفاظاً على صورة الحزب ” .
وأشار سيادته للمال السّياسي ، وبيّن حالته في أمريكا ، وهو مقونن ، وميّز كيف يكون المال السياسي ضمن إطار الفساد ، كما انتقل بعدها للإشارة إلى آلية الانتخابات ، وترك موضوع المناقشات لاجتماع اللجنة المركزية لتحديد آلية الانتخابات بغضّ النظر عن مسألة الثقة التي يمكن أن تكون وفق درجات متفاوتة .
وجرى حوار بعد ذلك مع الرفاق الحضور عن المجالات التنظيمية والسياسية والاجتماعية بما يخص الحزب والدولة والمجتمع بما يحقّق المستقبل الأفضل لسورية ، وتطرّق سيادته في المستوى الخارجي لتحديد معالم الوضع السياسي في المنطقة العربية ، وخصوصاً في مجال الحرب التي تشنّها الصهيونية على الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزّة ، وبيّن أنّ العرب يواجهون معركة الحقيقة ، فقد تمّ كشف المزاعم الصهيونية وزيف ادّعاءاتها أمام الحقّ العربي عموماً والحقّ لأبناء فلسطين بصورة خاصة .
ولعلّي أرى في تلك الكلمة أهمية استراتيجية للعملية الانتخابية والحياة السياسية القادمة في سورية ، فرغم أنّ الواقع السياسي في سورية شكلياً يبرز أحزاباً سياسية جديدة إضافة للأحزاب السابقة التي كانت منضوية تحت لواء الجبهة الوطنية التقدمية ، ولكنّ تلك الأحزاب الجديدة لم تُّعطَ بُعداً سياسياً حقيقياً على الأرض ، وهذا ما جعل الهوّة كبيرة بينها ، ولعلّ مبدأ التشاركية من أبرز المبادئ التي ينبغي لسورية اعتماده ضمن إطار الوحدة الوطنية بين مختلف الأحزاب الوطنية في سورية ، وهذا ما ينعدم حتى الآن ، ونلاحظ أنّ الدولة تستعمل مصطلح قائمة الوحدة الوطنية ، وفق ما يتمّ الترويج له في الانتخابات التي تجري ، وسبق لي أن أشرت في مقالات سابقة وفي دراسة لتطوير الخطاب الإعلامي في سورية ، وهي مقدّمة لمقام رئاسة الوزراء في العام ألفين وسبعة عشر ، وكذلك دراسة لتطوير الجبهة الوطنية التقدمية المقدمة لمقام سيادة اللواء محمد الشعار في اللقاء الذي جرى بتاريخ ٧/٢/٢٠٢٢؛ وهي منشورة في عشرين جزءاً ، ولنتساءل :
هل كلّ من ترشّح خارج القائمة لايعدّ من الوحدة الوطنية ؟! ، وبالتالي تكون سورية وفق ذلك المصطلح قد أسهمت في المزيد من حالة التقسيم بين أبنائها ، وهذا ما قدّمته لرئاسة الوزراء ضمن دراستي لتطوير الخطاب الإعلامي لسورية ، و نشرته قبلاً في مقال تحت عنوان :
” هل تمثّل قائمة الوحدة الوطنية وحدة وطنية ؟! ” ، وذكرت في دراسة سابقة بُعيد الانتخابات الرئاسية الأخيرة ، وهي بعنوان :
” ماذا يأمل الشعب العربي السوري من السّيّد الرئيس الدكتور بشّار الأسد ؟!” ، ونشرتها في أجزاء عام ألفين وواحد وعشرين في معهد أبرار طهران للدراسات والأبحاث الدولية ، ونوّهت إلى ضرورة إجراء التعديلات والتغييرات الجذرية في آليات الانتخابات ، وذكرت فيها :
” ولعلّ ما يمكن تغييره قانون الانتخابات الذي تمّ تفصيله على مقاس جهة سياسية محدّدة لإجراء انتخابات ديمقراطية تمثّل تطلّعات الشعب العربي السوري ومراقبة العملية الانتخابية ” ، وكذلك في دراسة بعنوان :
” ما المعايير التي يتم بموجبها تشكيل الحكومة في الجمهورية العربية السورية ؟!” ؛ وهي منشورة في الرابع من الشهر الثامن لعام ألفين وواحد وعشرين ، وقلت فيها :
” لماذا تعمل الانتخابات التشريعية في سورية للاحتفاظ الدائم لحزب البعث العربي الاشتراكي بالأغلبية المطلقة من المقاعد أي بنسبة مئة وستة وعشرين مقعداً ، يخصّ حزب البعث ؟!، رغم أنّ الجبهة الوطنية التقدمية لها أكثر من ثلثي المقاعد ، وعددها عموماً مئتان وخمسون في قائمتين من العمال والفلاحين ، وإبقاء الثلث الأخير من المقاعد للمستقلّين ، وهذا لم يحدّده قانون الانتخابات المعمول به وفق ذلك التقسيم ، وما المادة الدستورية التي استند إليها حزب البعث في ذلك إذا كانت المادة الثامنة في الدستور المعمول به منذ عام ألفين واثني عشر قد حدّدت التعددية السياسية ؟؛ وما المواد القانونية التي تمّ العمل بموجبها لتحقيق الأغلبية ؟! ، وهل تتحقق أهداف المواطنة وأبعادها القانونية والثقافية والحضارية بموجب ذلك ؟، ولماذا جرت الانتخابات التشريعية لمجلس الشعب إذا كانت الأغلبية محقّقة دونها ؟!. والشعب يتطلّع لقانون انتخابات جديد عبر اللجنة الدستورية ، ولاينافي الدستور الحالي في مادته الثامنة ، ليكون معبّراً خير تعبير عن عملية ديمقراطية انتخابية بعيداً عن إقرار تعيينات انتخابية تمثّل رؤى واحدة محدّدة ، والوطن من وجهة السّيّد الرّئيس لا يحمل فكراً تقسيمياً تخريبياً هدّاماً ، بل يحمل رؤى واحدة هدفها بناء وحدة سورية أرضاً وشعباً ، وليس تمزيقها تبعاً لنوزاع طائفية أو سياسية او عرقية “.
كما لابدّ من التنويه لضرورة السعي من أجل الحياة السياسية التي تجعل من حزب البعث العربي الاشتراكي يحقّق الأغلبية النيابية في الانتخابات التشريعية قبل إجراء الانتخابات عبر الوضع السياسي المعمول به ، والذي يتناقض مع الدستور الحالي الذي تمّ إقراره عام ألفين واثني عشر ، وهذا ما قدّمته لمقام سيادة اللواء محمد الشعار نائب رئيس الجبهة الوطنية التقدمية عبر دراسة لتطوير عمل الجبهة ، ونشرته في الجزء العشرين من البحث .
كما أرى أنّ ما ذكرته سابقاً يمثّل تطلّعات السّيّد الرّئيس في نظرته الاستراتيجية لسورية ، وهو الذي يسعى لتتناغم كلماته مع هموم الشعب العربي السوري وتطلّعاته فيما يسعى إليه من رخاء وازدهار وتطوّر لسورية بمختلف أطيافها وفئاتها ، ليقودها إلى برّ الأمان بعدما تعرّضت لأبشع مؤامرة عبر التاريخ .
وبرأيي :
هناك بعض الجهات التي تدّعي : بأنّ السّيّد الرّئيس الدكتور بشّار الأسد يسعى لوضع استراتيجية للمرحلة القادمة التي تخلو من الأسد _ من وجهة نظرهم وعلى حدّ تعبيرهم _ فإنّ هذا الكلام غير صحيح ، ويجافي الحقيقة وينفيها ، فمن يضع استراتيجيات للمرحلة القادمة ، لا بدّ أنّه يسعى لمرحلة يكون له شأن فيها ، وبالتالي :
إنّ ما تريده تلك الجهات المعادية لسورية أو الجهات التي تسعى لدمار سورية في ادّعائها ، فيمكنني القول جازماً في الرّد عليهم استناداً لخطاب سيادته :
إنّ ما يفعله السّيّد الرّئيس هو أسمى بكثير ممّا تدّعيه تلك الجهات التي تسعى لدمار سورية وتخريبها وإثارة البلبلة والقلاقل فيها ، والسّيّد الرّئيس من وجهة نظري يسعى لتكون سورية في حالة من الازدهار تحت قيادته ورايته وفق الاستراتيجيات التي يدعو فيها للإصلاح بصورة عامة في سورية ضمن مختلف مفاصلها الرّسمية ، ولننتظر قادم الأيّام وما ستحمله لسورية .