أمد/ لندن: بعد نشر حلقة أولى وثانية عن علاقة حافظ الأسد مع شقيقه الأصغر في البدايات واتساع نفوذ رفعت في الجيش وحزب “البعث” الحاكم وتفاصيل الصراع مع “الإخوان” وتهديد رفعت بـ”مليون قتيل”… و”أول إشارة” للتوريث من الأسد، تنشر “المجلة” اليوم تفاصيل مرض الرئيس الأسد… “اللحظة المنتظرة” لرفعت:
عندما مرض حافظ الأسد، في نوفمبر/تشرين الثاني 1983، بدا الأمر كأن لحظة رفعت المنتظرة قد حانت، وبدأ بالعمل بصفته “وريثا شرعيا”، فرأى أنه الخليفة الوحيد، وبدأ في حشد تأييد جنرالاته، ما أثار استياء شديدا لدى الرئيس.
ونشرت “المجلة” السعودية وثائق جديدة، ويروي خدام: “في أواسط نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1983 جاءني العميد عدنان مخلوف وأبلغني بأن الرئيس الأسد يريد أن يراني وهو في مستشفى الشامي. سألته: هل أصابه حادث فأجابني: لا لقد أصيب بنوبة قلبية. في الواقع فوجئت وانتابتني موجة من القلق وتصورت وأنا في الطريق إلى المستشفى ما يمكن أن يحدث في حالة وفاته”.
ويتابع: “بعد وصولي إلى المستشفى توجهت إلى غرفة العناية المركزة فوجدته شاحب اللون وقد استقبلني مبتسما، وقال: لا يعرف الإنسان ما يمكن أن يصيبه. وتحدثنا دقائق عن مرضه. ثم قال: غدا سيأتي الشيخ أمين الجميل ولا أستطيع كما ترى استقباله وأنت تعرف أن الحديث معه يأخذ ساعات. فأجبته: لا تقلق سأتصل به هاتفيا وأبلغه أني قادم إلى بيروت لمناقشة بعض الأمور وودعته وتمنيت له الشفاء العاجل”.
ذهب خدام إلى غرفة الانتظار في المستشفى وتحدث بالهاتف مع رئيس الأركان العماد حكمت الشهابي وطلب إليه الحضور فورا إلى المستشفى، و”كان هدفي من ذلك اتخاذ الترتيبات الملائمة حتى لا تقع مفاجآت. وبالفعل جاء العماد حكمت وتحدثنا في الموضوع، وفي هذه الأثناء وصل العقيد رفعت الأسد ودخل لرؤية شقيقه، وبعد دقائق عاد إلينا وكنت أتحدث آنذاك مع سفيرنا في لندن وطلبت منه الاتصال بالأخصائي الكبير في أمراض القلب الدكتور مجدي يعقوب، للمجيء إلى دمشق لأمر مهم. وبعد أن أنهيت مكالمتي قال العقيد رفعت: لماذا تطلب أطباء من الخارج أليس في سوريا أطباء قلب؟ كلما مرض شخص نستدعي له أطباء من الخارج. فأجبته: هذا الشخص هو رئيس البلاد وليس كأي شخص واسمه حافظ الأسد وليس حافظ خدام”.
بعد وقت قصير غادر الثلاثة المستشفى وعاد خدام إلى مكتبه واستدعى السفير السوفياتي إلى مكتبه، و”أبلغته ما أصاب الرئيس حافظ الأسد وطلبت منه إبلاغ القيادة السوفياتية كما طلبت منه مجيء أطباء سوفيات لمعالجة الرئيس. أبدى السفير قلقه، وقال: سأبلغ القيادة في موسكو فورا، وبالفعل وبعد أقل من ساعة جاءني السفير إلى المنزل ليبلغني أن القيادة السوفياتية تتمنى للرئيس حافظ الشفاء العاجل وأن وزير الصحة السوفياتي وهو من كبار الأخصائيين في أمراض القلب سيصل غدا إلى دمشق مع فريق طبي كامل”.
كما اتصل خدام بالدكتور أبو الخير الأتاسي المقيم في كليفلاند بالولايات المتحدة الأميركية، وهو من الأطباء الأخصائيين الجيدين في أمراض القلب، وطلب منه الحضور إلى سوريا بأقصى سرعة ممكنة. كما اتصل بالعقيد محمد ناصيف وهو صديق للدكتور أبو الخير للتأكيد عليه بسرعة الحضور. ويروي خدام: “بالفعل جاء الأطباء السوفيات، كما حضر بعد يومين الدكتور أبو الخير الأتاسي وتعاونوا مع الأطباء السوريين في إعادة فحص الرئيس بالوسائل التي كانت متوفرة آنذاك وتوصلوا إلى إصابته بجلطة في القلب وأن قسما من عضلة القلب قد أصيب بالعطب وفرضوا نظاما قاسيا على الرئيس بالاستراحة فترة في المستشفى ثم نقاهة في منزل منعزل عن الناس”.
في ذلك الوقت ازداد نشاط العقيد رفعت في استقطاب ضباط الجيش الذين كان يدعوهم إلى مكتبه وبعضهم كان يبادر لزيارته باعتباره شقيق الرئيس، و”قد بايعه معظمهم لخلافة شقيقه الرئيس، وشذ عن المبايعة كل من العمداء علي دوبا وإبراهيم صافي وعدنان مخلوف. كما أن بعض أعضاء القيادة القطرية قد توافدوا إليه مؤيدين له”، حسب خدام الذي أضاف: “شعرنا بالقلق وكنا نناقش الموضوع أنا والأستاذ عز الدين ناصر والعماد حكمت الشهابي والعميد علي دوبا. وكان توجهنا جميعا العمل على وقف مسار رفعت والاتصال بالضباط والتأكيد على أن الرئيس بخير وأن لا خطر على حياته. وفي الوقت نفسه فقد عملت شعبة المخابرات العسكرية على تهريب أسلحة مضادة للدروع من القطعات العسكرية الموجودة خارج دمشق إلى دمشق لتزويد عناصر الحرس الجمهوري وشعبة المخابرات العسكرية بها واستخدامها إذا تحرك رفعت، وقد كانت قواته آنذاك مطوقة دمشق وممسكة بكل طرقها الرئيسة. كما قامت قيادة الجيش باستنفار عدد من الفرق ونقلتها إلى ضواحي دمشق مطوقة سرايا الدفاع، كما استنفرت سلاح الطيران في قاعدة الضمير الجوية”.
ويروي شاهد أن دوبا طلب من غازي كنعان نقل آلاف الجنود متخفين في سيارات إسعاف من لبنان إلى قرب هيئة الأركان في دمشق، التي طوقتها قوات رفعت. كما ذهب دوبا بنفسه إلى ضابط محسوب على رفعت في مبنى الأركان و”ضربه بشحاطته لأنه لم ينفذ أوامره التزاما بالولاء لرفعت”. وكان بين الضباط من “وحدة المداهمة” آصف شوكت، الذي سطع نجمه وتزوج ابنه الأسد، بشرى، وتأرجح نفوذه إلى حين توفي في “تفجير خلية الأزمة” منتصف 2012.
بعد أكثر من أسبوع وخروج الأسد من غرفة العناية، طلب أعضاء القيادة التالية أسماؤهم: عبد الرؤوف الكسم رئيس مجلس الوزراء، وعبد الله الأحمر الأمين العام المساعد، وعبد الحليم خدام وزير الخارجية، والعماد مصطفى طلاس وزير الدفاع، وزهير مشارقة الأمين القطري المساعد، و”عند وصولنا أبلغنا قرارا اتخذه بتسمية هؤلاء الأشخاص لإدارة شؤون البلاد طيلة انقطاعه عن العمل، وسمى الكسم رئيسا لها على اعتبار أن الدستور ينص على أن رئيس الوزراء يمارس مهام الرئيس في حال انقطاعه عن العمل”.
مساء ذلك اليوم قامت كتيبة من “سرايا الدفاع” بالتجول في ساحة الأمويين وسط دمشق، وكانت بكامل عتادها العسكري وأطلقت نيرانا كثيفة في الهواء مما أثار الكثير من التساؤلات والقلق، و”اجتمعت والعماد الشهابي وكان تخوفنا كبيرا من أن يقدم العقيد رفعت على خطوة جنونية، فاتفقنا على الاتصال به (رفعت) وزيارته في منزله لتهدئته. وبالفعل اتصلنا به وزرناه في منزله الواقع على اوتستراد المزّة”.
ويقول خدام: “استقبلنا بحرارة ومودة وجرى الحديث عن الأوضاع في المنطقة وأخطارها على سوريا وضرورة تماسك النظام ولا يجب إعطاء فرصة للآخرين لا سيما وأن الرئيس الأسد لا يزال في مرحلة صعبة. هنا تحدث بانفعال عن تجاهل الرئيس حافظ له وتعيين أشخاص في اللجنة هم زلم لديه. فأجبته: خيار الرئيس. لم يأخذ بالاعتبار الأشخاص بل المواقع: مشارقة عينه باعتباره أمينا قطريا مساعدا للحزب، طلاس باعتباره وزيرا للدفاع، ومن المفترض إذا أراد أن يعتمد الفاعلية كان عين العماد حكمت الشهابي فهو رئيس الأركان الذي يمارس المهام العسكرية بينما العماد مصطفى مشغول بأمور أخرى لا علاقة لها بالجيش.
أراد الرئيس أن يقول إنه اختار مسؤولين قانونا عن قطاعاتهم. الكسم وفق نص الدستور هو المكلف بممارسة مهام رئيس الجمهورية وتلك المسألة لا علاقة لها بدور الأشخاص وإنما بمواقعهم. بقي (رفعت) متوترا لأنه كان يعتبر نفسه خليفة للرئيس وأنه الأقوى في النظام”.
وفي اللقاء، تحدث العماد الشهابي مطولا عن المرحلة و”خطورة الانقسام في الوقت الذي ينتظر الأعداء مثل هذه الحالة للانقضاض على النظام”، فيما قال خدام: “أنت تريد أن تساهم في القرار يمكن أن نناقش كل الأمور في القيادة القطرية وعندما نصل إلى قرار يقتضي الإعلان ننشره باسم اللجنة”. اعتبر هذا الاقتراح مخرجا لائقا فوافق عليه.
رغم تجاوز الرئيس الأسد مرحلة الخطر، فقد استمر رفعت بنشاطه في محاولة لاستقطاب الحزبيين والمنظمات النقابية. وفي الوقت نفسه كانت صوره تغطي الجدران في دمشق ومحافظات أخرى.
توترات في لبنان
ويشير خدام إلى أنه في تلك المرحلة كانت الأوضاع في لبنان متوترة، وتوترت الأمور مع القوات الأميركية والفرنسية، وقامت القوات الأميركية بقصف قوات سورية في لبنان “فاجتمعت والعماد حكمت والعميد دوبا وناقشنا الموضوع ووصلنا إلى استنتاج بأن عدم الرد سيوسع رقعة العدوان وسيضعف معنويات قواتنا، فقررنا الرد وأعطى العماد حكمت تعليماته لقواتنا باستخدام ما لديهم من أسلحة دفاع جوي ضد الطائرات التي تحلق فوق قواتنا، وبالفعل تم إسقاط طائرة أميركية وأسر الطيار الأميركي وبعد أيام جاءني السفير الأميركي يبلغني بأن الرئيس ريغان يريد إرسال مندوب عنه إلى سوريا ولبنان وهو السيد دونالد رامسفيلد، ونظرا لمرض الرئيس حافظ فإنه سيجتمع بي وبالعقيد رفعت.
أجبته على الفور وبانفعال: في سوريا دولة ومؤسسات. وزير الخارجية هو الذي يمثل سوريا، وفي حال إصراركم على لقاء العقيد رفعت فإننا نرفض استقبال السيد رامسفيلد ولن نعطيه تأشيرة دخول إلى الأراضي السورية وإذا حصلتم اللقاء معي ثم بعد وصول السيد رامسفيلد إلى سوريا اجتمعتم بالعقيد رفعت الأسد فإننا سنضعك أنت والسيد رامسفيلد بسيارة ونلقي بكما في لبنان”.
يعلق خدام: “اصفر وجه السفير وامتعض وقال سأبلغ حكومتي”. وفي اليوم الثاني طلب مقابلة خدام وأبلغه أن قرار واشنطن أن “يجتمع بك فقط فرحبت عندئذ بزيارة رامسفيلد”.
*حلقة رابعة غداً: رفعت يأمر قواته بدخول دمشق… وخدام يقول له: “تفضل… اعمل انقلابا”