بكر أبو بكر
أمد/ لطالما استخدم الكيان الإسرائيلي ومحازبوه مصطلح “معاداة السامية” الألماني الاختراع من قبل وليام مار (1879م) كسيف مصلت على رقبة من ينقد السياسات الفاشية والعدوانية للحكومة الاحتلالية والجيش الصهيوني. ومن حيث اعتبار “معاداة السامية” تعنى معاداة اليهود بالتعريف المقصود للمصطلح الذي يفترض حصرية “السامية” باليهود، فإن الاستخدام الحالي تعدى حصرية “القومية” بقصرها على “اليهود”!
لقد سعت الحكومات الإسرائيلية والحركة الصهيونية لتكريس اعتبار كل من ينتقد الحركة الصهيونية، وهي حركة أيديولوجية استعمارية احتلت فلسطين، أو من ينتقد سياسات دولة “إسرائيل” فهو لاسامي! وذلك في ثلاثية مضللة تقول إن المضاد ل”إسرائيل” أو للصهيونية هو ضد السامية-ضد اليهود!؟
إن تهمة اللاسامية كما الحال مع تهمة منكر المحرقة/الهولوكوست الألماني ضد يهود ألمانيا، لها من القداسة التي تفوق الكتب الدينية الكثير. بالتالي فإن من يتهم بأيهما تطاله عقوبات شتى لدى عديد دول العالم الغربي ما يثير الرفض عند غالب نشطاء الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان بل والمؤرخين والمفكرين العقلانيين، حتى من عديد اليهود من يهود جنسيات العالم، والناجين من المحرقة.
إن رفع السيف فوق الرقاب حين نقد بشاعات الأبارتهايد والعدوان الصهيوني (في مثال المقتلة المهولة في غزة الفلسطينية اليوم) يأخذ منحى الترويع والتخويف والحجْر على التفكير مع ما يؤدي الى استثارة القديم بالمقدس بالمضلل المقونن عند الغرب وما يجرّ الى مقاطعة وربما غرامات مالية وسجن.
الى ما سبق فإن المصطلح أي “معاداة السامية” أصلًا تشوبه وما يتصل به كثير من الشكوك والسياقات والتضليلات والارتباطات باليهود و”إسرائيل” والصهيونية، وعليه يمكن أن نجمل التضليلات والرد عليها بالتالي:
أولاً: الرجل الأسطوري “سام” وبدعة السامية:
1-يذكر المؤرخ أحمد الدبش عن مصطلح “السامية”، أنه: من رحم “التوراة” ولد في التاريخ الحديث مصطلح/مخترع اسمه “السامية” الذي هيمن ولا يزال يهيمن على أفكار أجيال من الدارسين والباحثين حتى العرب والمسلمين.
2-ويضيف أن أول من استعمل هذا الاصطلاح مطبوعاً، هو الباحث “أوجست لودفيج شلوتسر” بالقرن 18، وقد تولى الباحث “أيشهورن” بعد ذلك هذا الاصطلاح والدفاع عنه وإن ادعاه لنفسه.
3- على الصعيد التاريخي فإن فرضية أن المدعو “سام” هو أبن نوح (عليه السلام) وما يرتبط بإخوته الآخرين من تقسيم للشعوب هو فاشل علميا وتاريخيًا، فأصحاب الديانة اليهودية من كافة شعوب الأرض هم ديانة يهودية لا شك، ولا قيمة علمية لانتساب القدماء من “بني إسرائيل” للشعب “السامي”، الذي على فرضية صحة المصطلح فمن ضمنه بالتأكيد العرب إذ أنهم ساميون! وبالأحرى عرب جزريون (أنظر الأستاذ أحمد الدبش).
4-كل الأقوام والقبائل التي قطنت الجزيرة العربية بما فيها الشام والعراق هم أقوام “جزريون” أو جزيريون نسبة للجزيرة العربية لأن فكرة الارتباط لهذه الأقوام او القبائل بشخصية سام الخرافية واخوته من نوح لم تثبت علميتها أبدًا وإنما هي أي سام وساميين مجرد اختراع توراتي لا صلة له بالواقع أو العلم أو التاريخ وما ينشأ عنه من مصطلح اللغات السامية التي هي بالحقيقة الجزرية أو العربية (أنظر الأستاذ طه باقر).
ثانيًا: اختراع “اللاسامية” ضد اليهود
1-نشأ المصطلح “معاداة السامية” في ألمانيا على أثر تشكل جماعة منظمة تهاجم اليهود، واعتمده الألماني “وليام مار”، وهو مما لا صلة له بالقضية الفلسطينية ولا العالم العربي وكان مقتصرًا على حالة العداء الألماني ضد اليهود الألمان (وفي أوربا) التي أدت لاحقًا للمحرقة النازية الألمانية، والتي لا صلة لها بفلسطين ولا عالمنا العربي والإسلامي.
2-لم تعرف الأمة العربية أو الإسلامية فكرة معاداة اليهود بالشكل المطلق بالغرب الذي عادى اليهود من مواطنيه لأسباب دينية، ثم تحولت لاقتصادية كما يقول “هرتسل” ذاته وغيره، فعدا عن أنه اختراع أوربي أصلًا، فلا يصح إسقاطه على مساحات خارج النطاق الذي نشأ به.
3- تقول “بيا فيغ”، من جماعة يهود مانشستر من أجل العدالة للفلسطينيين، لبرنامج جيريمي فين على بي بي سي راديو 2 –كمثال-إن “معاداة السامية تستخدم لإخماد وقمع مخاوفي ومخاوف الآخرين حول ما يجري للفلسطينيين.”
4-بات الموقف المعادي للحلم أوالوهم الصهيوني أو الممارسات الاجرامية العدوانية والفاشية والأبارتهايدية/الفصل العنصري للحكومة الإسرائيلية ضد العرب، ينعت باللاسامية، حتى تحولت سيفاً مسلطاً فوق رقاب الكتّاب والاعلاميين والحكومات وإخضاعها لما تريده الصهيونية. (ولنا حلقة أخرى قادمة)