أحمد عبدالوهاب
أمد/ يومًا بعد يوم، تتدهور الأوضاع على كافة الأصعدة في قطاع غزة، الذي يشهد أكبر كارثة إنسانية في تاريخ البشرية، على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، فهم بشر لا يعرفون للرحمة والإنسانية طريقًا، يقتلون النساء والأطفال والشباب والشيوخ، دون تفرقة ولا تمييز، تهدم آلياتهم العسكرية المنازل والمساجد والكنائس والمستشفيات، بلا عقل ولا تفكير في مصير شعب، لم يقترف ذنبًا، سوى أنه يدفع ثمن صراع سياسي، وطمع في أرضه ووطنه، من جانب العدو الأزلي للعرب «إسرائيل».
تمارس حكومة الاحتلال، التي يقودها «نتنياهو»، أبشع الجرائم ضد الإنسانية، فلا أحد يستطيع تحمل المشاهد المروعة، التي تذاع عبر وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، من سفك للدماء، وهدم للمنازل، وانتشار للجثث في كل مكان، على أرض النضال في قطاع غزة، ولا نعلم كيف يستطيع شعب غزة الأبي الصمود أمام الانتهاكات اليومية التي يتعرض لها.
ما يحدث في غزة، حرب ضد الإنسانية، وانتهاك لكافة الحقوق الحريات، والغريب في الأمر، عدم قدرة المجتمع الدولي، على منع جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي، فالجميع وقف عاجزًا أمام سطوة العدو اللدود، الذي يرتكب جرائمه بدعم ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية، التي تصدت لكافة محاولات وقف العدوان، باستخدام «الفيتو»، وهو الحق المكفول للاعتراض على قرارات تنتهك مصالح الدول وحياة الشعوب، ولكن أمريكا قامت بعكس ذلك، واستغلته لصالح جيش الاحتلال، ليتمكن من مواصلة جرائمه تجاه الأبرياء في فلسطين على وجه العموم، وقطاع غزة على وجه الخصوص.
تفامت الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، مع حلول فصل الشتاء وهطول الأمطار، التي أغرقت المُخيمات، التي يحتمي فيها المُشردون من «الغزاوية»، فنحن نعيش داخل منازلنا، ونرتدي ملابس ثقيلة ونلتف بالبطاطبن، ونتناول مشروبات ساخنة للتدفئة، ومع ذلك نعاني من البرودة، فما حال من يعيش على المشاع بلا مأوى، ويفتقد أبسط وسائل المعيشة، وتحاصره المياه، والأجواء الباردة تنهش أجساد الأبرياء.. الأوضاع في غزة، لا يتحملها بشر، ولا نعرف كيف يستطيع القابعين حاليًا في أرض النضال تحمل، الظروف المأساوية الصعبة، التي يمر بها قطاع غزة.
وإذا نظرنا إلى الإحصاءات الأخيرة عن حجم الدمار في غزة، سنجد أن أكثر من 24 ألف شهيد وأكثر من 60 ألف مصاب، 70% منهم تقريبًا من النساء والأطفال. ونحو 7 آلاف آخرين في عداد المفقودين، ومن المحتمل أن يكون معظمهم قد لقوا حتفهم،
وهم ضحاياه العدوان الغاشم على غزة، منذ أحداث 7 أكتوبر،
ودفعت الأوضاع المأساوية، قرابة 1.9 مليون شخص إلى النزوح داخليًا، أي ما يقرب من 85% من السكان، دون وقوع، ويلجأ حوالي 1.4 مليون شخص منهم إلى مرافق الأونروا، ويقيم معظم الباقين مع الأصدقاء أو العائلة أو الغرباء، أو ينامون في العراء. ويعيش الآن حوالي مليون شخص -نصف سكان غزة- في منطقة رفح الحدودية الجنوبية وما حولها، بعد أن كانوا حوالي 280 ألف شخص قبل اندلاع الحرب.
ولم يُسمح إلا لنحو 1100 شخص بمغادرة غزة عبر معبر رفح إلى مصر، طبقا لتقديرات مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، وتقدر أرقام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن حوالي 65 ألف وحدة سكنية قد دمرت، أو لم تعد صالحة للسكنى. وتضرر 290 ألف منزل آخر، مما يعني أن نحو نصف مليون شخص لم يعد لديهم منزل يأوون إليه، وحوالي 65 ألف وحدة سكنية دمرت، أو لم تعد صالحة للسكنى، كما تضرر 290 ألف منزل آخر، وفي حين أن 500 ألف شخص ليس لديهم منزل، فإن العديد من الأشخاص سيظلون مشردين بسبب حجم الدمار الذي لحق بالمرافق العامة الحيوية في غزة، وتقول منظمة الصحة العالمية إن 23 من أصل 36 مستشفى أصبحت غير صالحة للعمل كليًا.
وتعرض نظام التعليم في غزة أيضًا لأضرار بالغة؛ فقد دمرت 104 مدارس أو تعرضت لأضرار جسيمة، وأُصيب حوالي 70% من المباني المدرسية بأضرار، بينما تُستغل المباني القائمة إلى حد كبير لإيواء النازحين داخليًا، وبسبب النقص في المياه الصالحة للاستهلاك الآدمي، أضحت الظروف مهيأة لانتشار الأمراض، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 100 ألف حالة إسهال، نصفها بين الأطفال دون سن الخامسة، ويصعب توزيع المساعدات الإنسانية، بسبب القصف الإسرائيلي، الذي أودى بحياة 142 من العاملين في الأونروا، وتضررت بسببه 128 من مباني المنظمة.
حالة اليأس والشعور بقرب الموت في كل لحظة، دفع كثير من الفلسطينين لمغادرة غزة، ودفع رشاوى لسماسرة تصل إلى 10 آلاف دولار، لمساعدتهم على الخروج من القطاع عبر مصر، ولم يتمكن سوى عدد قليل جدا من الفلسطينيين من مغادرة غزة عبر معبر رفح الحدودي، لكن أولئك الذين يحاولون إدراج أسمائهم على قائمة الأشخاص المسموح لهم بالخروج يوميًا يقولون إنه يُطلب منهم دفع «رسوم تنسيق»، من قبل شبكة من السماسرة.
وبالنظر إلى الأرقام سالفة الذكر، فإن قطاع غزة، أصبح مكانًا لا يصلح للحياة، ويفتقد لأدنى مستويات المعيشة، وهو ما أجمع «الغزاويون» عليه، ويعكس ذلك رغبة حكومة الاحتلال في تدمير كافة مناحي الحياة داخل القطاع، ومحاولة تهجير أصحاب الأرض، وطمس هويتهم، وتأكد ذلك من خلال التصريحات التي أدلى بها أحد المسؤولين في حكومة الاحتلال، الذي اقترح إنشاء «جزيرة» خارج غزة، ونقل الفلسطينيين إليها.
وحتى الآن، فشلت كافة المحاولات لوقف إطلاق النار، ولم تفلح أيضًا الدعوى رفعتها دولة جنوب أفريقيا، التي تستحق الشكر والتقدير على موقفها، أمام محكمة العدل الدولية، في وقف جرائم جيش الاحتلال، ومع استمرار الحرب، تتفاقم الأوضاع، ويزداد الأمر صعوبة وتعقيد، ومازال الأبرياء من شعب غزة، يدفع ثمن الطمع الإسرائيلي في أرض فلسطين، بحجة القضاء على «حماس»، فمن غير المعقول، أن يقف العالم عاجزًا عن مساندة قضية وشعب في الحصول على حقوقه المشروعة، دون تحرك أو اتخاذ موقف حاسم تجاه دولة الاحتلال.