علاء مطر
أمد/ هنا.. في تلك البقعة الصغيرة.. وعلى مدار أكثر من مئة يوم.. يتواصل شلال الدم على عتبات الخذلان..
هنا.. حيث لا مقومات للصمود.. ولا أدنى احتياجات الحياة.. فقط غروب الشمس وشروقها ما يجعلها كغيرها من المدن في العالم..
هنا.. لا أبكم لا يتكلم.. ولا أعمى لا يرى.. ولا أصم لا يسمع.. هنا متناقضات الحياة اجتمعت فالميت حي، والحي ميت..
هنا في غزة.. هي “ثلاثة حروف فقط” جمعت معاجم اللغات من الوجع والألم، هنا الواقع حلم، والحياة كابوس، والبحث عن الحياة خيال..
هنا تجاوزت غزة المئة يوم، تغيرت فيها ملامح الحياة، قتلت شوارعها، دمرت مبانيها، ارتقى قاطنيها، شاخت أطفالها، كهلت رجالها، هنا يخاف الجميع سواد الليل فالسكينة تبدلت جحيم .. هنا الليل تنيره قنابل الإضاءة وتفجيرات الصواريخ، هنا ينتظر الجميع الموت، لا مكان لرفاهية الحزن، وحتى من ترف الحياة الحديث عنه.
هنا.. غزة المرهونة بقرار المراهقة السياسية، حيث حركة حماس من جهة، وحكومة الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، حيث “المثالية الكفاحية” تتجلى في أبهى صورها لكلا الطرفين كلٌ من وجهة نظره.
فالطرف الأول “حماس” والتي تحاول بشتى الطرق أن تخلق انتصارا _لا يهم كلفته_ ولا تريد أن تقدم أي تنازل حتى ولو كان في مصلحة المدنيين المرهونين لجشع واحتكار التجار، الذين هربوا من آلة القتل الوحشية إلى الجوع والبرد والفقر.
والطرف الثاني حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو الذي يريد أن تستمر الحرب حفاظا على نفسه من المسائلة القانونية، وإصرارا على تنفيذ مشروعه السياسي الرئيس والذي كرس حياته من أجله وهو عدم قيام الدولة الفلسطينية وتكريس الانقسام الفلسطيني بين الضفة وغزة.
هنا وأمام كل لحظة يعيشها المواطنين في غزة، يزداد الجرح عمقا، وتصبح الكلمات عاجزة أمام هول ما يحدث، هنا نجد أمامنا خياران اثنان لا ثالث لهما، أن نستمع إلى الشعارات من قطر ولبنان والتي أصبحت رثة خالية من مضمونها، أو أن تبقى في سجلات التاريخ ظاهرة صوتية أضرت بالقضية الفلسطينية، باعت الوهم للشعب، وفرطت بالدم الفلسطيني.