صالح عوض
أمد/ ان يتم استدعاء الرئيس بايدن لمحكمة في الولايات المتحدة تنظر في دعمه لجرائم الحرب في غزة وينشط أكثر من 50 محاميا جنوب إفريقي في ملاحقته قانونيا ليس أمرا متوقعا، كما لم يكن موقف محكمة العدل الدولية التي تصدر أوامر للكيان الصهيوني لصده عن جرائم الحرب التي يرتكبها بمثابة مجموعة قرارات قضائية فقط إنما كان إشارة لتحولات كونية في الموقف تجاه القوى الشريرة المتحكمة في العالم، ولا يمكن اعتبار تأييد الاتحاد الأوربي لقرارات المحكمة أمرا عاديا.. كما أن جرأة اليمنيين المحاصرين على منع السفن المتجهة للكيان الصهيوني من عبور بحر العرب وباب المندب حتى يرفع الحصار عن غزة ثم إقدامهم على قصف السفن الأمريكية والبريطانية لا يمكن وضعه في سياقات الواقع العربي الهزيل الجبان.. بل هو نقلة كبيرة في النهوض.
حسم الفلسطينيون خيارهم:
أجل كانت الضربة الفلسطينية الإستباقية المتمثلة بطوفان الأقصى بمثابة الصدمة أمام صناع التطبيع في المنطقة كما أنها عملت على تعديل اتجاه القوى الإقليمية وشدت اليها العقول والمشاعر كما الخطط والبرامج وكذلك حصل على المستوى الدولي بأن تغيرت مسلمات وسياسات ووصل تأثير الطوفان إلى أعلى مستويات اتخاذ القرار الغربي والدولي وأصبح العالم كله تحت تأثير الصدمة كأنه يخرج من الظلمات إلى النور لأول مرة منذ عدة قرون..
“جرائمهم لن تكون اداة الضغط علينا”.. هذا عنوان الوعي الجمعي الذي تولد في حمى الدمار والقتل وقد أصبح يحرك قيادة المقاومة الفلسطينية وغالبية الشعب الفلسطيني وهذا يعني عودة اليقين بأن المتسبب الوحيد في التضحيات الجسيمة انما هو العدوان المستمر من قبل العدو الذي لا يمكن ان يسلم لنا بحقنا يدعمخ في ذلك قوى الشر العالمية وانه يسير في مخطط مستمر لإبادتنا واغتصاب كل فلسطين سواء قاومنا او ساومنا.. فلم يمنعهم اصرار السلطة على العملية السياسية من اقتحامات متتالية في الضفة وانتهاك حرمات الاقصى والسيطرة على الاراضي وتهويد القدس وبهذا الوعي سقطت مبررات ومناخات التسوية والحلول الجزئية واصبح منطق التسوية السياسية بدون مقاومة عملية عقيمة لها من الضرر على القضية الأثر الكبير.
اننا نتألم بعمق بما نحن فيه من كارثة مست كل عناصر الحياة فينا بعد تراكم النكبات المتتالية التي تسببت في تشتيت شعبنا في كل جهات الارض واغتصاب معظم ارضنا بالاستيطان المجنون.. والان على مدار اشهر قاسية يفرض العدو على الشعب الفلسطيني نكبة كبيرة بمعدلات من الاستشهاد والجراح وتهديم البيوت والتجويع كما لم يحدث في أي مكان في العالم، ولكن هذا لم يدفع الفلسطينيين الى أن يصبحوا اداة تهريج واشاعة لمنطق العدو وكأن المقاومة هي من تسبب في هذه المأساة.
حسم الفلسطينيون خيارهم ضد المرجفين المشوشين الذين يكررون منطق الاعلام الصهيوني.. واستعادوا ذاكرتهم بوعي وتركيز وعلا صوتهم من تحت الانقاض: لن نتنازل عن حقنا وصمودنا ورباطنا ولن نفرط بالمقاومة.. واستعاد الفلسطينيون ذكرياتهم عما ارتكب الصهاينة من الجرائم عبر عشرات السنين ما يضعهم في رأس قائمة المجرمين عبر التاريخ البشري.و انتهى الوعي الفلسطيني الى القطع بأن لا ذنب للضحية عندما تحاول صد الظلم.. فمن قتل دون عرضه وماله ووطنه فهو شهيد.. فكيف بمن يقتل دفاعا عن كل التاريخ والامة والرسالة والشرف والعرض والارض.
جرائهم تدينهم هم ولا تدين المقاومة لان جرائمهم سابقة على المقاومة ولان المقاومة حق مشروع وضروري… وهاهو كل العالم يدينهم ويلاحقهم وهكذا يصبح نشازا ان تخرج بيننا اصوات تعود باللائمة على مقاومة الشعب.
لقد هدموا بيوتنا مرات متوالية ليس فقط قبل النكبة 1948.. انهم دمروا مخيماتنا في رفح وجباليا والمعسكرات الوسطى سنة1971..انهم ارتكبوا المجازر فينا عشرات المجازر ولم يكن هناك من سبب الا طبيعتهم العدوانية ومخططهم المنهجي. ان ما ترتكبه الة البطش الصهيونية في قطاع غزة يكشف حقيقة هذا الكيان ليس كيان طبيعي ولا استعمار تقليدي انه كيان اجرامي عنصري مزود الجريمة والقتل والغطرسة وهاهو كما تفيد تطورات الأوضاع يتم تصنيفه أنه خارج عن القانون والاعراف..
عزلة عالمية على الكيان الصهيوني:
اليوم يواجه الكيان برفض عارم واستنكار حتى من قبل اولئك الذين كانوا مخدوعين به بل وحتى من قبل قطاع كبير من اليهود في العالم..
ولن يستطيع ان ينكر اي من حكام هذا الكيان ونخبته السياسية والثقافية والامنية والمجتمعية ان هذه اسوأ ايام مرت على الكيان الصهيوني وانها كما صرح لابيد ايام حزينة بل هي الاكثر حزنا من اي وقت مضى
اكثر من 115 أيام وقادة اسرائيل لم يحققوا ايا من اهدافهم.. وظل اكثر من مليون فلسطيني في غزة وشمالها رغم الجوع والموت والقصف المستمر وفقدان كل سبل الحياة.. في حين تم تهريب سكان الغلاف وسكان الشمال.. وهجرة مليون صهيوني خارج فلسطين.. ان الكيان يتصدع وتنكسر روحه ويعيش اضطرابه وقلقه الوجودي فيما يسارع نتنياهو به الى النهايات الحتمية..
هاهم قادته يقفون في الضد من كل صوت حر في العالم: الامم المتحدة و محكمة العدل الدولية و دول عدم الانحياز وضد اي منظمة إنسانية، وهكذا يصبح هذا الكيان المنبوذ المطارد الإرهابي و ليس له الا سلاحه والة الجريمة التي تزيد الخناق عليه ويصبح قادته مطالبين للعدالة والقضاء في دول العالم.. وهاهو تيار الرفض لجرائم الصهاينة يتوسع.. أما عن الخسائر المادية فحدث ولا حرج فلقد سقط مشروع التصنيع والتطور التكنلوجي كما انهارت قطاعات واسعة من الاقتصاد الصهيوني فوق تصور أي محلل اقتصادي..ليس امامهم الا القراءة الواقعية التي تقول ان المشروع قد انتهى وسقط
العرب بدايات الصحوة:
الرسميون العرب المطبع منهم وغير المطبع بعد كلهم اشتركوا في التخلي عن الفلسطينيين في غزة ولم يمارسوا شيئا من عناوين القوة للضغط السياسي او الاقتصادي لايقاف المجزرة المستمرة منذ مايقارب اربع اشهر قاسية.. ولعل كل نظام عربي يقف خلف مبررات مصلحية يجمعهم ان الرعب من الامريكان او الطمع في رضاهم هو المعيار الاهم..
إن صورة العرب ليست مأساوية تماما، بل إن هناك ارهاصات لنهوض عربي قوي، لذلك لابد أن نشير بوضوح وتركيز الى ما قام به ولايزال اليمنيون واللبنانيون والعراقيون.. ان شعورا بالفخر والاعجاب ينتاب شباب العرب مشرقا ومغربا بما يقوم به ابطال اليمن رغم عدم تكافؤ القوة ورغم انهم يواجهون قرار امريكا وبعض حلفائها..وكذلك يمكن الاشارة الى المقاومة اللبنانية والعراقية وهنا لابد من توضيح مهم ذلك بان بعض هذه الحركات انخرط في السنوات الأخيرة في معارك جانبية استنزفته ودفعت به في مشاحنات فكرية ونفسية كادت تصرفه بعيدا عن قضايا الامة الواضحة.. فجاء طوفان الاقصى فرصة حقيقية لتصويب الاتجاه والتقاط اللحظة التاريخية في ضرورة الاشتباك مع عدو الأمة الواضح تماما.. وهكذا تتبوأ هذه العناوين الموقع الصحيح وتتولى قيادة التصدي للعدو..
كما أن طوفان الأقصى عرى بلا مواربة قوة العدو الصهيوني التي تم تقديمها لبعض النظام العربي بأنه كفيلة أن تمثل حافظا له وناصرا في مواجهة أي عدو اقليمي لاسيما ايران.. فلقد استطاع طوفان الاقصى تهشيم سمعة هذه القوة والحاق هزائم عميقة بها..
كما ان اضرارا عميقة اصابت عملية التطبيع كما قال بايدن وان هذه العملية لن قدر لها بالاستئناف ستكون بشروط جديدة لن يشعر في النظام العربي بمثل ذلك الهوان والارتماء على اعتاب القادة الصهاينة، وهذا يعني احتمال تفلت بعض المطبعين من التزامات سابقة..اما الأنظمة التي لم تطبع فلعلها الآن أكثر تحصنا ضد التطبيع وان كانت غير فاعلة في نصرة فلسطين ربما ظنا منها انها ستحقق مصالحا سياسية مع الامريكان..
سيكون لملحمة غزة بعد انبعاث طوفانها أثر بالغ في وعي الشعوب العربية كما في يقين الجيوش العربية والنخب السياسية والثقافية العربية حيث أصبح واضحا ان النظام العربي يحتاج الى اعادة صياغة على أسس أخرى مختلفة، كما أن الوعي ثبت ركائزه في الوجدان العربي بأن المعركة تهم الجميع ومرتبطة بكل التحديات المفروضة على الأمة.
أمريكا في تناقض قاتل:
عندما يرفض زعماء المسلمين والعرب في ميشيقان الالتقاء بوفد مرسل من قبل الرئيس الامريكي وعندما تشكل محكمة لقاضاته بسبب دعمه لجرائم الحرب في غزة وعندما لا يخلو لقاء له مع النخب الامريكية من هتاف ضده بتحميله مسئولية مايحصل في غزة.. وعندما يحتشد المحامون الدوليون من اكثر من بلد لاسيما جنوب افريقيا لمقاضاة الرئيس الامريكي.. عندما يحصل ذلك في ظل عزلة واسعة تعيشها السياسة الامريكية الرسمية بسبب موقفها الداعم لحرب اسرائيل على غزة يكون الرأي العام في اهم دولة واقواها في العالم قد تحرر من سحر الاعلام الامبريالي المعادي لفلسطين وأصبح الناس يتحسسون طريق الانسانية وتصبح فلسطين في الوعي الامريكي في قطاعات واسعة لاسيما الشباب هي المطلب الوحيد على ارض فلسطين من النهر الى البحر.
لقد اجتهدت حكومة بايدن منذ بدأ العدوان الصهيوني على غزة لاقناع الدول العربية وكذلك الاحزاب العربية بأن المشكلة فقط مع حماس”الارهابية”.. وكذلك لاقناع الجميع بألتصدي لتوسيع المواجهات..
مشكلة البيت الابيض انه قد تعرض لعملية فضح واسعة اولا ان المشكلة ليست مع حماس إنما هي ضد أهل غزة لكي يرحلوا من كل فلسطين فهدمت بيوتهم فوق رؤوسهم ودمرت مساجدهم وكنائسهم ومدارسهم ومستشفياتهم.. وأغلقت عليهم أبواب المعابر .. وقتل اطفالهم ونساؤهم في مذبحة لم تحصل من ذي قبل وكل ذلك بسلاح امريكي.
ثانيا ان المواجهات تتوسع بقصف صهيوني متواصل ضد سورية ولبنان.. وهجمات مسلحة ضد اليمن والعراق..
وهكذا نكتشف فشل مؤامرة البيت الأبيض بالاستفراد بأهل غزة في ظل شيطنتهم وتحييد العرب .. وتسقط دعاية الصهاينة والإعلام الامريكي..
كلمة أخيرة وضرورية:
شعب غزة لن يرحل والعرب لن يكونوا شهود زور.. أهل غزة مرابطون والعرب مساندون وسيطورون مواقفهم.. والعالم يحاصر الكيان الصهيوني.. واستمرار العدوان سيوسع المواجهات إلى مواطن أخرى.. والله غالب على أمره..