أمد/ واشنطن: سلط تقرير لشبكة “سي إن إن” الأميركية، الضوء على مقاطع فيديو انتشرت خلال الأسابيع الأخيرة، لمدنيين عزل في قطاع غزة وهم يرفعون رايات بيضاء، قبل أن يتم إطلاق النار عليهم، موضحة أن أحد تلك الحوادث وقع في منطقة المواصي، التي وصفها الجيش الإسرائيلي بـ”الآمنة”، وطالب المدنيين بالنزوح إليها.
وحللت الشبكة الأميركية بعض تلك الفيديوهات، التي كان أبرزها قتل 3 من المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس على يد جيش بلادهم عن طريق الخطأ، بجانب مقطع فيديو لسيدة أطلق عليها النار وهي تمسك بيد حفيدها.
وأوضحت “سي إن إن” أن آخر تلك الحوادث جرت في منطقة المواصي جنوبي قطاع غزة. وأشارت إلى أن رجلا فلسطينيا بلغ من العمر 51 عاما، يدعى رمزي أبو سحلول، كان يحاول العودة إلى منزله حيث تحتجز القوات الإسرائيلية شقيقه، فتحرك رفقة 4 آخرين من أسرته، رافعين رايات بيضاء بأيديهم، قبل أن يتم إطلاق النار عليهم من اتجاه كانت تقف فيه دبابات إسرائيلية قريبة، مما أسفر عن مقتله.
كما استعرضت “سي إن إن” مقطع آخر لصحفي فلسطيني في غزة، رامي أبو جاموس، في 10 نوفمبر الماضي، والذي قال إن الجيش “أمر عائلته بإخلاء منزلهم وحمل رايات بيضاء”.
لكن خلال تحركهم في الشارع، يمكن في مقطع الفيديو سماع أصوات طلقات الرصاص، وعلى الجانب الآخر رجل يبكي بجوار جثة ابنه القتيل، وفق الشبكة الأميركية.
في الفيديو، ظهرت جثتان لشخصين آخرين، كانا يحملان أيضًا رايات بيضاء.
وأشارت “سي إن إن” إلى أنه “لا يمكنها التأكيد على أن القتلى الفلسطينيين سقطوا برصاص الجيش الإسرائيلي”، لكنها أرسلت الإحداثيات لمواقع التقاط تلك المقاطع، وطلبت التعليق من الجيش الإسرائيلي مرارا، وحاولت كذلك مقابلة مسؤولين في الجيش، حتى حصلت على تصريح، الجمعة، بأن “الحادث قيد التحقيق”. وهنا أشار الجيش إلى واقعة المواصي، دون التطرق إلى الحوادث الأخرى التي ذكرتها الشبكة.
وتواصلت “سي إن إن” مع سارة خريس، التي لا يمكنها التخلص من تفاصيل آخر يوم قضته مع والدتها هالة، حيث أُطلق عليها النار خلال مغادرتهم لحي الرمال في مدينة غزة، مع تقدم الدبابات الإسرائيلية نحوه.
وقالت سارة (18 عاما): “استيقظنا يوم 12 نوفمبر، وهو يوم لن أنساه أبدا طوال حياتي. أتذكر كل التفاصيل بالثانية والدقيقة والساعة”.
كان هناك أكثر من 20 شخصا من الأقارب والجيران داخل منزلهم، وكانت هالة (57 عاما) تركز دائما على الاهتمام بالجميع “عدا نفسها”، وفق ما ذكرت ابنتها، حيث أعدت الإفطار سريعا وحزمت الحقائب، قبل أن تسمع أصوات الجيران يصرخون في الخارج بأنه تم الإعلان عن طريق للنزوح.
وأوضحت الابنة خلال لقاء معها في تركيا، أنهم خرجوا سريعا من المنزل، وانضموا لمجموعة من الأشخاص يحملون رايات بيضاء، وهي الدليل العالمي على الاستسلام.
وكانت هالة تمسك بيد حفيدها تيّم (4 سنوات) الذي رفع راية بيضاء، وتبحث عن طريق وسط الركام. وانتشر مقطع فيديو لإطلاق النار عليها.
وقالت سارة وأفراد من أسرتها، إن الجيش الإسرائيلي “أطلق النار على الأم، على الرغم من أنه تم التوافق معه على توفير الممر الآمن للنزوح”.
ولم يعلق الجيش الإسرائيلي على اتهامات الأسرة، لكن كشف تحقيق “سي إن إن” أن صور الأقمار الصناعية وصور للقوات الإسرائيلية لنفس الفترة الزمنية، كانت تشير إلى تمركز القوات في المنطقة، وبالتحديد في مناطق بينها مدرسة تبعد 200 متر فقط عن الشارع الذي قتلت فيه هالة.
ونقلت “سي إن إن” عن عائلة خريس، أنهم في ذلك اليوم تلقوا معلومات تفيد بأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر نسقت طريقا للخروج إلى الجنوب، لكن خلال فرارهم تغيرت الرسالة بأن عليهم التحرك شرقا وليس جنوبا. ولم تسمع هالة تلك التعليمات.
من جانبها، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان، نقلته الشبكة الأميركية، إنها “لم توافق قط على المساعدة في عملية الإجلاء المذكورة”، مشيرة إلى أنه بموجب القانون الدولي الإنساني “مسؤولية ضمان المرور الآمن للمدنيين تقع على عاتق الأطراف المتحاربة”.
ومع خروج الأسرة وتمركز القوات الإسرائيلية في محيط الضاحية التي كانوا فيها، قال بعض أفراد المجموعة إن أحد الجنود الإسرائيليين أشار لهم بالخروج نحو اتجاه آخر، وقال شقيق سارة ويدعى محمد (22 عاما)، إنه بدأ ينادي على والدته للعودة حينما تقدمت باتجاه مصيرها.
“مخالف للتعليمات”..
علق رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي يوم السبت، على حادثة مقتل الرهائن الإسرائيليين الثلاثة عن طريق الخطأ، مؤكدا أن ما حصل كان “مخالفا للتعليمات”.
وركض نحوها بعد إصابتها بالرصاص، وطلب من الآخرين مساعدتهم في نقلها بعد جرحها الغائر في الصدر. وأضاف أن جميع من في الشارع كانوا يشعرون بالرعب من فكرة التقدم لحملها، بسبب الدبابات الإسرائيلية التي رآها بعينيه حينها، بحسب “سي إن إن”.
بعد ذلك، هرع والده وأحد جيرانه وانضموا إليه بعدما وصل هو إليها أولا، ونقلوها إلى منزلهم في محاولة لإنقاذها، لكن دون جدوى.
دفنت الأسرة هالة خارج المنزل في شارع ضيق رملي، آملين في العودة مجددا ليتمكنوا من دفنها بشكل لائق بعد نهاية الحرب، وطالبوا بإجراء تحقيق في مقتلها.
وأوضحت سارة لشبكة “سي إن إن”، أنها تعيش “في حالة إنكار”، قائلة: “ما زلت أنتظر رسالة منها لتطمئن علينا، وتقول كيف حالكن يا فتيات؟ ماذا فعلتِ اليوم يا سارة؟”.