د.رمزي عوده
أمد/ بالرغم من أن القرار الأوّلي لمحكمة العدل الدولية الذي صدر يوم الجمعة الماضي بخصوص دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل حول إتهام الأخيرة بالابادة الجماعية، لم يشتمل على وقف إطلاق النار، الا أن القرار بحد ذاته يمثّل منعطفاً تاريخياً مهماً لصالح القضية الفلسطينية. فهذه المحكمة التي جاء إنشاؤها عام 1945 للتعامل مع قضايا الهوليكوست ومعاداة السامية، أصدرت قرارها التاريخي الذي يعتبر أن ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة يمثل خطراً حقيقياً على الشعب الفلسطيني كمجموعة عرقية، والذي قد يرتقي الى مستوى الابادة الجماعية. وهذا ما دفع نتنياهو الى اعتبار القرار “وصمة عار” في تاريخ المحكمة، بل إن بن غفير نفسه اتهم المحكمة بمعاداة السامية!
في الواقع، عندما تستمع الى القرار الذي تلته رئيسة محكمة العدل الدولية، جوان إي دونوغو، فإنك تدرك أن المحكمة تبنت نصوص الدعوى التي تضمنتها دعوى دولة جنوب أفريقيا ضد اسرائيل، فقد استطردت دونوغو في الحديث عن الوضع الانساني الكارثي في قطاع غزة، واستندت الى تقارير دولية مثل تقرير منظمة الصحة العالمية وتقارير الأمم المتحدة الاخرى، كما إعتمدت على تصريحات الساسة الاسرائيليين الذين وصفوا الفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية، وأنه يجب تهجيرهم أو التخلص منهم حتى لو من خلال ضربهم بقنبلة نووية. وفي جميع الحالات، فإن القرار الذي طالب إسرائيل بإتخاذ تدابير طارئة من أجل توفير الحماية للفلسطينيين والحد من أعمال القتل والتدمير في قطاع غزة، ووقف خطاب التحريض والكراهية من قبل الاسرائيليين، يعتبر مقدمة هامة لمساءلة إسرائيل عن جرائم الابادة الجماعية في القطاع. ليس هذا فقط، فالقرار يمكن أن يشكل الداعمة القانونية الدولية لمواجهة ظاهرة ” معاداة “الفلسطنة” والتي تتسع باستمرار في العالم الغربي بسبب إنتشار الرواية الصهيونية وارتباط المصالح الغربية بوجود إسرائيل. وفي الحقيقة، فإن ظاهرة معاداة “الفلسطنة” ليست ظاهرة جديدة، ولكنها بدأت بالتوسع في ظل تغول الحركة الصهيونية العالمية، بحيث أصبح من السهل إتهام جميع المناصرين للقضية الفلسطينية أو حتي اولائك الذين ينتقدون اسرائليل ويتهمونها بالاحتلال والأبرتهايد باللاسامية.
ما أريد قوله في هذا المقال، هو أن قرار محكمة العدل الدولية يشكل قاعدة قانونية دولية يمكن الاعتماد عليها لاحقا بمقاضاة وملاحقة جميع الأشخاص والدول التي تقوم بمعادة الفلسطنة، ويمكن أن تشتمل مؤشرات هذا المفهوم القانوني بتجريم الأفعال التالية:
إنكار وجود الفلسطينيين كشعب له حق تقرير المصير وحق الحماية من الابادة الجماعية.
إنكار تعرض الشعب الفلسطيني لجريمة الإبادة الجماعية.
إنكار خطاب الكراهية ضد الشعب الفلسطيني.
إنكار سياسات الاحتلال والأبرتهايد التي تمارسها سلطات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
أية افعال تحقّر أو تمتهن الشعب الفلسطيني وتنال من تمثيلهم السياسي وحقوقهم في كافة المجالات.
من هنا، أدعو في هذا المقام الحقوقيين والقانونيين الى تطوير المفهوم القانوني لمعادة الفلسطنة استناداً الى إيضاحات وقرارات محكمة العدل الدولية، واعتماد هذا المفهوم في المنظومة القضائية الفلسطينية ومن ثم الانتقال بهذا المفهوم الى النطاق العربي والدولي. وفي النتيجة، سيكون لهذا المفهوم القانوني الأثر البارز في حماية حقوق الشعب الفلسطيني وتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني.