بكر أبو بكر
أمد/ إن الدبلوماسي اليهودي الأمريكي “دينيس روس” صهيوني واضح المعالم لاسيما وهو مؤخرًا (17/8/2023م) قد طرح عبر موقع معهد واشنطن خطة اليوم التالي لغزة التي لم تأبه لفكرة الدولة الفلسطينية (مع زميليه الصهيونيين أيضًا روبرت ساتلوف، وديفيد ماكوفسكي)، وإنما سعت فقط لتثبيت الفصل والانقسام الدائم بين الطرفين بكل من الضفة وغزة، وضمن سياقات تتأسس فقط على تدمير الكيانية الفلسطينية الى الأبد.
أما في المقابل فإن الكاتب اليهودي الإسرائيلي “ألون بن مائير” فهو وإن كان مثل روس قد أدان ماحدث في 7 أكتوبر إلا أنه يشدد لغرض تحقيق السلام والخلاص الإسرائيلي على ضرورة “حل الدولتين” حيث يجادل أربعة أصناف من الناس –وأظنّه يخاطب المكون اليهودي الإسرائيلي أساسًا- بالموضوع ويرد عليه.
مما يطرحه روس بوضوح في لقاء له مع مجلة المجلة قوله أننا :”نريد أن نرى نهاية للحرب والمعاناة وإطلاق سراح الرهائن. ولكن إذا جاءت النتيجة النهائية، وتركت “حماس” مسيطرة، وفي وضع يمكنها من إعادة تسليح نفسها، وسوف تفعل، فأعتقد أن “إسرائيل” تكون قد فرضت حجرا على نفسها.” دون أدنى ذرة إحساس بالمقتلة التاريخية البشعة ضد الفلسطينيين بغزة التي افترضها منسوبة للمجهول بالقول “المعاناة” مقابل الرهائن الإسرائيليين!
يسهبُ “روس” المراوغ والمضلل بالمقابلة المكرّسة من قبله ضد فلسطين المستقلة، وضد فكرة الثورة على الاحتلال والظلم إذ يبتغي كما يظهر القيام بتدمير أي إطار أو فكر يضر ولو قيد أنملة ب”إسرائيل” وفق رأيه، فإنه يعلن انتصاره للدولة الإسرائيلية المنفتحة على العرب (التطبيع) من وراء ظهر فلسطين التي يتعامى عن رؤيتها، وكما كان واضحًا في عرضه لليوم التالي بعد غزة.
“دينس روس” المقيم الآن في “إسرائيل” وليس أمريكا يقول “أخشى أن “حماس” تتبنى وجهة نظر بعيدة المدى تقول: حسنا، يمكننا أن نتعامل مع كل جمهورنا كما لو كانوا شهداء. ربما لا يريدون أن يكونوا شهداء، لكننا سنعاملهم كشهداء.” ويضيف: “أنه “إذا سُمح لهم في المشاركة في الحكم، إذن يعني ذلك إدماج هذه الآيديولوجيا، في إطار السياسة الفلسطينية الداخلية.” في عملية تكريس للتفرقة الفلسطينية من جهة، والفصل، وتشويه متعمد لفكرة التحرير وثورة المظلوم ضد الظالم المحتل، وهي الفكرة التي قامت من أجلها ليس “حماس” وإنما الثورة الفلسطينية الحديثة منذ انطلاقتها عام 1965 وصولًا للمقاومة الشعبية. ودون أدنى إشارة لفكر للتطرف اليميني المؤدلج داخل “إسرائيل” والذي يدعو علنا للإبادة والتهجير.
و”روس” ذاته بدلًا من أن يطرح الحل المنصف والعادل للشعب الفلسطيني سواء بدولته، أوغير ذلك لا يستطيع أن يتفوه الا بالدعوة لتحسين العلاقات العامة فقط بين الإسرائيليين والفلسطينيين! حيث يقول: “هناك حاجة إلى إنشاء بيئة ومنتدى يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين أن يتحدثوا فيه مع بعضهم بعضا، في السر وفي العلن على حد سواء.”!
على المقلب الآخر نجد اليهودي المتمسك بدولة “إسرائيل” والحريص عليها بشدة أي “ألون بن مائير” يتنقل لغرض الخلاص الإسرائيلي بالرد على فئات أربعة رآها رافضة لحل الدولتين، من الشارع الإسرائيلي اليهودي فيقول مما يقوله: لقد حان الوقت الآن لإنهاء الصراع لأن المزيد من الوقت سيجعله أكثر استعصاءً على الحل وسيكلف ثمناً باهظاً من الدماء والموارد الثمينة، ومع استمرار الصراع سيظلون يواجهون بعضهم البعض في الحرب أو في السلام لأن تعايشهم بشكل أو بآخر لا مفر منه.
مضيفًا بما يتعلق ب”حماس” :”إن الحرب بين “إسرائيل” وحماس ما هي إلا دليل على سوء تقدير “حماس” المأساوي، حيث أن وحشيتهم في التعامل مع الإسرائيليين الأبرياء سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى انتزاع أحشاء الحركة إلى نقطة اللاعودة.”
وفي معرض ردّه على المعترضين على حل الدولتين أيضًا من أنها سخرية يقول على عكس لاإنسانية “روس”: “أنا لا أجد الموت المستمر للآلاف من الإسرائيليين والفلسطينيين أمراً مضحكاً، ولا أرى القتل العشوائي للرجال والنساء والأطفال الإسرائيليين على يد الإرهابيين الفلسطينيين أمراً مسلياً.”
ثم يضيف أنه “وخلافاً لأي وقت آخر في الماضي، عاد حلّ الدولتين الآن إلى مقدمة ومركز أي خطاب إسرائيلي وفلسطيني مستقبلي، ويُنظر إليه على أنه الخيار الوحيد القابل للتطبيق.
ومع ذلك، سوف يتطلب الأمر وجود قادة جدد وشجعان وذوي رؤية على كلا الجانبين لاغتنام هذه الفرصة للأجيال. سوف يستغرق الأمر بطبيعة الحال بعض الوقت قبل أن يتحرك الجانبان، ولكن وقت الحساب قد حان.”
في مقابل تنظير المعلم “دينيس روس” وأركان الحكومة الامريكية الحالية مع “إسرائيل” ظالمة وظالمة وأكثر ظلمًا، فإن المرشح المستقل للرئاسة الامريكية اليهودي التقدمي “برني ساندرز” المؤيد “لإسرائيل”، يطرح إقامة وطن فلسطيني ويؤيد إقامة دولة فلسطينية، حيث أنه تبنى تلك الفكرة منذ العام 1990 م، أي في زمان كانت لا تزال إقامة دولة للفلسطينيين أطروحة مثيرة للجدل، وربما غير مقبولة في الأوساط السياسية الأمريكية، ومازال متمسكًا بها الى الآن، وما أحدث اليوم كثير من التغيير باتجاهها بسببه وغيره.
من الواضح أن الحوار الدائر حاليًا خاصة أمريكيًا وإسرائيليًا حول ما بعد الحرب المجنونة والفاشية الدموية ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، قد يتخذ منحى اعتدال لدى البعض لدى الطرف الإسرائيلي ومثله الفلسطيني، وقد يؤجج الصراع بطريقة غير مسبوقة لدى البعض الآخر إذا لم يكن من حبل نجاة يُلقى بالأخص للشعب الفلسطيني المسحوق والمنتهكة حقوقه منذ اكثر من 100 عام على الأقل.
مهما كان حجم الدعم الامريكي التنظيري والسياسي ل”إسرائيل” بأي حلة كانت، ممثلًا بدنيس روس وأمثاله من المؤيدين الامريكان والمضللين للرأي العام، ناهيك عن أصوات الثأر والصلف اليميني الصهيوني والديني، فإننا نجد عند الإسرائيليين الآخرين دعاة التسوية أو السلام الكثير من الكلام المختلف من مثل ألون بن مائير وغيرشون باسكن، وعميره هس وناحوم برنياع، وبمسافة أوسع جدعون ليفي وإيلان بابيه وشلومو زاند، وعوفر كسيف…الخ.
من الضروي القول أن الخلاص الإسرائيلي لن يتم بالتضليل، أو التشدد، ولن يتم بالإسراف بالقتل أو التهجير (الترانسفير). إن الخلاص الإسرائيلي مرهون بفلسطين أولًا، وهو لن يتم أيضًا إلا بنبذ أو التخلص من فكر وأيديولوجية الفاشيين اليمينيين الإسرائيلين (عقدوا في 28/1/2024 مؤتمرًا دعوا فيه علنًا للتهجير وإعادة استعمار غزة، وشمال الضفة رغم قرار محكمة العدل ضد التحريض الإسرائيلي!، بمشاركة 12 وزيرا و15 عضو كنيست)، ومع عصابات المستعمرين، عوضًا عن التخلص من الأيديولوجية الصهيونية بالرداء العنصري المغلف لدى الكثير.
من الواضح أنه لا قيمة تذكر لحوار المنظرين أو المفكرين أن لم يكن له إذن صاغية من قبل السياسيين بالحكم، لذا فإنه بغير تحييد اليمين الإسرائيلي الفاشي، بكافة أشكاله قد نعود الى البدايات –كما ظهر في العدوان على قطاع غزة-مع سياسة التهجير والتدمير، والامعان بالقتل والتنكيل، والصلف التي ينتهجها نتنياهو ويمينه الفاشي، الذي تجاوز كل الحدود بالإبادة الجماعية الإسرائيلية غير المسبوقة ما يفقد الفكرة الصهيونية والدولة “الديمقراطية” بريقها لدى الغرب، ويعيد الصراع الى المربع الأول.