سليم يونس الزريعي
أمد/ يبدو أنه لا تكفي في زمن التأثيرات الفكرية والسياسية والمالية الخارجية على الجغرافيا الوطنية للقوى الفلسطينية، أن تكون كشخص اعتباري فلسطيني صادقا، وأن تتحلى بقدر عال من النزاهة الفكرية والأخلاقية التي أكدتها تجربتك السابقة الممتدة، والحضور الراهن على الصعيد الكفاحي والسياسي والفكري والعملي؛ في سياق النزاهة المجربة والشعور العالي بالمسؤولية بأمومة المشروع الوطني بعيدا عن الحسابات التنظيمية الضيقة، في مواجهة حالات البيع والشراء، للبعض التي تؤسس لثقافة التسليع ضمن مقايضات رخيصة تسمح بغض الطرف، ليس عن كي الوعي الفلسطيني من البعض العربي وغير العربي، وإنما في قيامك بدورك في هذه المواجهة، وإلا كنت جزءا من دعايتهم وضجيجهم الداخلي الذي يغطي علي تلك الحقائق المرة جراء هذه الصهينة، على أكثر من صعيد.
ولما كان الثابت الفكري يقول إن “المقاومة ليست فعلا عسكريا فقط، وإنما هي كل فعل مادي أو معنوي إيجابي.. يدعم صمود الضفة وغزة، وشعبها المقاوم بدمه ولحمه الحي على طريق التحرير والعودة، يقوم به أي فلسطيني أو عربي، أو أي شخص من دول العالم المختلفة ينتصر للحق الفلسطيني وهو ما سجله الكثير الكثير من أتباع الديانة اليهودية في معظم الدول، عندما انتصروا لأطفال غزة التي كانوا ضحايا محرقة الكيان الصهيوني .
وفي تقديري لا توجد ساعة للحقيقة توازي ما تعيشه غزة والضفة الآن، وكونها كذلك، فإن شرط النزاهة بمعناها الفكري والأخلاقي يوجب على المثقفين العرب والفلسطينيين في المقدمة؛ كونهم في الميدان، أن يمارسوا فيها الفرز بين العدو والصديق بين الإعلام المعادي والإعلام غير الصديق، بين الصهاينة العرب، والعرب العرب، وبين المسلم الصهيوني والمسلم المسلم. وأنه حان الوقت للتوصيف الفكري السياسي والأخلاقي، لكل هؤلاء، وهو أن كل من يتبنى الرواية الصهيونية ويعمل بها فهو عدوــ وفي الحد الأدنى عدم التعامل معه كأضعف الإيمان.
وإنه لمن المعيب أن يتضامن مواطنو أوروبا والولايات المتحدة وأمريكيا اللاتينية من اليهود مع غزة ويواجهون القمع من قبل أدوات القمع الرسمية، ليس بصفتهم يهودا غير صهاينة، ولكن بصفتهم الإنسانية التي هي القاسم المشترك الأسمى بين البشر، فيما يبدو خجولا إن لم يكن معدوما لدي بعض العرب.
إن محرقة غزة ظهّرت بشكل واضح حتى بالمعنى الفكري والثقافي والسياسي من هو الصهيوني مهما كانت إثنينه أو دينه، وقد قالها جو بايدن “ليس شرطا أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا”، ودور المثقف العربي والفلسطيني هو رفع الغطاء الفكري والثقافي عنهم، كما أن الشرط الأخلاقي يستوجب مقاطعة كل وسائل الإعلام العربية التي مارست وتمارس كي وعي المواطن العربي عبر استضافة الصهاينة.عندما شكلت قناة الجزيرة القطرية أول اختراق للوعي العربي منتصف العقد الأخير من القرن الماضي بسياستها التحريرية التي تصف الشهيد بأن قتيل، وباستضافة ما يسمى بالخبراء الصهاينة في برامجها الحوارية والتحليلية بدعوى حربة الرأي والتعبير ومعرفة رأي الآخر ، وهو الرأي المعروف تماما للشعب العربي وأحرار العالم، كونه يحتل فلسطين وأجزاء من لبنان وهضبة الجولان السورية.
وإنه ليبدو مفارقا إن لم يكن يصب في خدمة المحرقة، عندما تستمر بعض وسائل الإعلام الناطقة بالعربية والمملوكة لدول عربية ومستثمرين عرب في التعامل مع المحرقة وكأنها تجري في كوكب آخر، وليس ضد الشعب الفلسطيني من قبل الكيان الصهيوني، عبر استمرار استضافة المتحدثين الصهاينة، في برامج الفضائيات العربية تلك. التي مثلت سياستها في المحصلة رغم أي ادعاء بعكس ذلك، جزءا من كي الوعي العربي لصالح المشروع الصهيوني، وهنا تصبح المقارنة واجبة بين ما قامت به جنوب أفريقيا الدولة غير المسلمة أو العربية التي قررت الدفاع عن أهل غزة، بالادعاء على الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية من أجل وقف محرقتها ضدأهل غزة.
وأخيرا يمكن القول إن محرقة غزة تقول لمثقفي الأمة، إن الحلال بيّن والحرام بيّن، وأن أضعف الإيمان، هو أن يُحدد من هو العدو حتى لو كان يلبس عقالا، ومن هو الصديق، حتى لو كان يهوديا. فالمثقفين هم عقل هذه الأمة وضميرها. فهم حراس الوعي والذاكرةـ والجبهة الثقافية، التي هي الأهم في مواجهة هذا المشروع الصهيوني الكولنيالي الغربي في فلسطين والمنطقة العربية.