مؤيد عفانة
أمد/ تعتبر الهيئات المحلية في فلسطين، الأكثر تماسّاً مع احتياجات المواطن من الخدمات الحيويّة المختلفة، كون المشرّع الفلسطيني منحها، تبعاً لقانون الهيئات المحلية رقم (1) لسنة 1997، (26) وظيفة، إضافة إلى وظيفة مفتوحة وهي القيام بأي عمل آخر يقتضي القيام به بمقتضى أحكام قانون الهيئات المحلية، أو أي تشريع، أو قانون آخر.
وبالتالي فإن ” حَوْكَمَة” الهيئات المحلية، ضرورة للهيئة المحلية والمواطن على حدٍ سواء، و”الحَوْكَمَة” عبارة عن مجموعة القواعد والأسس والسياسات التي تضبط عمل المؤسسة، وتحقق الرقابة الفعالة عليها، وتنظّم العلاقة بينها وبين أصحاب المصالح المختلفة، وتسعى إلى تحقيق النزاهة ومكافحة الفساد، وهي نظـام يتـم بموجبـه إخضـاع نشـاط المؤسسـة إلى مجموعـة مـن القوانيـن والنظـم والقـرارات التـي تهـدف إلى تحقيــق الجــودة والتميـّـز فــي الأداء، عــن طريــق اختيــار الأساليب المناســبة، والفعالــة، لتحقيــق خطــط وأهــداف المؤسســة، وضبــط العلاقات بيــن الأطراف الأساسية التــي تؤثــر فــي الأداء، وتشمل “الحَوْكَمَة” مجموعة من المبادئ أهمها: الالتزام بالتشريعات، النزاهة، الشفافية، المساءلة، الكفاءة والفاعلية، المشاركة، مكافحة الفساد، ومنع تضارب المصالح.
ومن خلال اطلاعي على البرامج الانتخابية للكتل والقوائم المتنافسة على انتخابات الهيئات المحلية المختلفة، وتحديداً في انتخابات 2021-2022، فإن الأغلبية الساحقة من تلك البرامج تتضمن بشكل صريح “الالتزام بالحَوْكَمَة”، وأضحى المصطلح رائجاً حتى للعوام من فرط استخدامه، ولكن بعد انقشاع غبار الانتخابات، وخفض حرارة حُمى التنافس، وبعد وصول الفائزين لكرسي المجلس، تبخرت فجأة “الحَوْكَمَة” في العديد من الهيئات المحلية، وحتى لا أقع في فخ التعميم، فإنّ هناك هيئات محلية التزمت “بالحَوْكَمَة” شعاراً وتطبيقاً، ولكن يوجد كمّ من مجالس الهيئات المحلية استخدمت “الحَوْكَمَة” ” كحصان طروادة “للتحايل” على الناخبين، ولم تلتزم بها، وبمبادئها إلا كشعارٍ أجوف، خالٍ من المضمون.
وعملياً لا يمكن إنفاذ “الحَوْكَمَة” دون الالتزام بالتشريعات النافذة، ولا يمكن تطبيق “الحَوْكَمَة” دون مساءلة مجتمعية، ومن غير المقبول أن يضيق صدر الفائزين عبر صناديق الاقتراع، بنصائح أو تساؤلات المواطنين، فمن حق الناخب مساءَلة من منحه صوته الانتخابي بناء على برامجه، خاصّة وأن جُلّ القوائم الانتخابية تغنّت بـ (الحَوْكَمَة)، وأعلنت عن التزامها بقيم الشفافية والنزاهة والمساءلة بشقيها الرسمي والمجتمعي، إن كان ذلك من خلال برامجها الانتخابية التي ما زالت شاهدة على التزاماتها، أو من خلال جولاتها ولقاءاتها الجماهيرية والإعلامية، لذا توجد ضرورة أن تَفِيَ تلك القوائم بالتزاماتها ومسؤولياتها الأخلاقية والمهنية، فالقضية أخلاقية وقيميّة، قبل أن تكون إدارية، ويوجد حق للمواطن أن يُسائل تلك الهيئات المحلية، ضمن حقوق المواطنة الصالحة، والمساءَلة تعني التزام القائمين على السلطة بالخضوع للمساءلة، وتحمّل المسؤولية عن أفعالهم، انفاذاً لمبادئ (الحَوْكَمَة). والرافعة المجتمعية لتعزيز “حَوْكَمَة” الهيئات المحلية، وتحسين خدماتها، هو تطبيق مفهوم “المساءلة المجتمعية”، وهي تُعَدّ الإطار الحاكم للعَقْد الاجتماعي ما بين الهيئة المحلية والمواطنين، وتوفّر مساحة تسمح للمجتمع المدني والمواطنين والأكاديميين والإعلام بالمشاركة في عملية صنع القرار، وتعزز دورهم في إدارة الشأن العام والخدمات العامة. مما يسهم في إخضاع كل من يتولى سلطة ومسؤولية، للمساءلة عن أفعالهم وقراراتهم، سيّما المتعلقة بإدارة الموارد العامة، وادارة المال العام، وكيفية جبايته، وكيفية انفاقه، حيث تعمل منظومة المساءلة المجتمعية المنبثقة عن “الحَوْكَمَة”، على تحسين نُظم إدارة الحكم في الهيئات المحلية، وتحسين كفاءة الخدمات العامة وجودتها، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومتابعة الانحرافات، والحدّ من فرص الفساد، وضمان مشاركة القاعدة العريضة من المواطنين في وضع السياسات ومتابعتها، وبالتالي إلغاء حالات الإقصاء والتهميش القائمة على النوع الاجتماعي بمعناه الشمولي، واحتكار المعرفة والخبرة لدى 15 عضو أو أقل، بدلاً عن كامل بلدة، أو مدينة، يصل عددها إلى عشرات الآلاف، أو مئات الآلاف، فبلغة أخرى، وضمنياً، يعتبر المجتمع المحلي هو الجمعية العمومية للمجلس المحلي، وهو من منحه الشرعية.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال إنفاذ “الحَوْكَمَة”، دون نتائج واضحة لإنفاذها، بالضرورة يجب أن يشعر بها المواطن، تتمثل في تحسين الخدمات، ورفع مستوى جودتها، والرشاقة التنظيمية، وتوظيف الهندرة، وسماع صوت المواطن، والاستجابة لمتطلباته، كونه الرافد المالي الأساسي للهيئات المحلية، من خلال الرسوم والضرائب المختلفة، وإتاحة الفرصة له للرقابة، والتدقيق المجتمعي على أعمال الهيئة المحلية، والعمل من أجل التنمية المستدامة للأجيال القادمة، بعيداً عن هدر الموارد واستنزافها، أو توريط الهيئات المحلية بديون ثقيلة، ستئن تحت وطأتها المجالس القادمة.
وختاماً، يجب على المجالس المنتخبة في الهيئات المحلية إنفاذ الحَوْكَمَة، تطبيقاً وليس شعاراً، فالسنوات الأربع انقضى شطرها، وستنتهي آجلاً أم عاجلاً، وسيعمل الناخب على مساءلة ومعاقبة كل من خذله، أو من لم يلتزم ببرنامجه الانتخابي، خاصّة وأن ثورة المعلوماتية، وفرت بيانات دائمة للمواطن للمساءلة، وسيكتب التاريخ قصص النجاح، كما سيكتب قصص الفشل، وَلَا عَزَاءً لِلْخَاسِرِينَ.