سليم يونس الزريعي
أمد/ في ظل الحديث عن صفقة التبادل بين المقاومة والكيان الصهيوني برعاية الولايات المتحدة ومصر وقطر كأطراف مؤثرة على طرفي الصراع، من الصعب تصور سهولة عدم أخذ مواقف الجانبين الميدانية وعلاقتها بما تحقق على الأرض، والنتائج المتوخاة من هذه الصفقة مقارنة بالأهداف المعلنة من كل طرف منها.
ومن ثم مدى قدرة أي طرف على المناورة بالوقت في ظل حملة الإبادة على أهل غزة، واستمرار الضغط العسكري على حماس وفصائل المقاومة، التي تبدو فيها حالة انكشاف غير مسبوقة للكيان، عبرت عنها حالة الارتباك جراء عدم وفائه بوعوده وبروز تناقضات سياسية جديه قد تفجر الحكومة الصهيونية إذا وافق نتنياهو على صفقة التبادل بعين الاعتبار.
ومن جانب آخر قد يرى البعض أن المقاومة أكثر حرية في التصرف من الكيان كون المحرقة لا تطالها بشكل مباشر، في حين أن الكيان يعاني من فقدان الثقة في المؤسسة السياسية وهناك مؤشرات على تقصير معيب في المؤسسة الأمنية والعسكرية بدأ التحقيق فيها من قبل مراقب الدولة، دون تجاهل الضغط من قبل أقارب الأسرى لدي المقاومة.
وإذا كان صحيحا أن فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة تعاني من ضغط عسكري صهيوني وحصار غير مسبوق، غير أن ذلك لن يمكن المؤسستان الصهيونيتان السياسية والعسكرية من القول لجمهور الكيان، إن أيا من أهداف الحرب على غزة قد تحققت، باستثناء الاستهداف الممنهج لتدمير كل مظاهر الحياة في القطاع ، في ظل تآكل مساحة الوقت أمام الكيان لتحقيق إنجاز عسكري ملموس مع ارتفاع فاتورة خسائره البشرية وارتدادات ذلك على تجمع المستجلبين الصهاينة عسكريا ونفسيا وأمنيا واقتصاديا، والأهم من كل ذلك فقدان الكيان سلاحه السري الذي طالما استخدمه ضد الدول العربية بشكل مباشر أو غير مباشر وهو سلاح الردع ، الذي نعاه الوزير السابق يوسي بيلين أحد مهندسي أوسلو في مقال له في صحيفة إسرائيل اليوم، أكد فيه أن من يعتقد أنه بعد بضع سنوات، في ذات يوم صاف، حين “يسمح لنا” بالعمل ضد هذه المنظمة الإجرامية، سننهض ونسحقها – يوهم نفسه”.
هذا الاستخلاص الصادم من قبل بيلين لمستجلبي الكيان والمطبعين العرب هي حقيقة تتجسد الآن في غزة من خلال العجز عن تقديم أي إنجاز عسكري في الحرب على القطاع بعد أربعة أشهر من المحرقة، مثلما وعدت بذلك المؤسستان الصهيونيتان السياسية والعسكرية عند بدء الحرب على غزة ، وهو من ثم يكشف طبيعة الارتباك والتناقض الذي يعيشه الكيان بعد هذا الانكشاف الذي يمكن توصيفه على أنه كسر لأحد أعمدة استراتيجية الكيان الصهيوني العسكرية بامتداداتها الفكرية والسياسية ، ليكون السؤال ماذا سيقول نتنياهو عن أهدافه من الحرب باستعادة الأسرى وتدمير بنية حماس العسكرية والقضاء عليها وإنهاء حكمها للقطاع ؟ فيما هو مضطر لعقد صفقة مع حماس هذا من جانب، ومن جاب آخر إنه لا يملك أي ورقة يضغط بها على حماس فيما صرح المتحدث العسكري للجهاد الإسلامي أنهم مستعدون إلى مواصلة الحرب إلى ما لا نهاية، وسواء كانت هذه اللانهاية من باب الحرب النفسية أم لا ، فإن هذا القول حول المدى المفتوح للصراع لا يستطيع الكيان أن يقوله، فيما هو يعاني من اقتصاد شبه مشلول جراء التعبئة، وضغط إخلاء مستوطنات الشمال وغلاف غزة. في وقت يهدد اليمين الديني المتطرف بإسقاط الحكومة إذا ما وافق نتنياهو على الصفقة، مع أن حماس ليست في وارد الموافقة على الصفقة دون تحقيق ثمن تقدمه للشعب بعد كل هذا الدمار في غزة.
هذا في حال كانت إرادة الطرفين حرة في تقرير ذلك، دون أخذ العامل الخارجي في الاعتبار وهو هنا عامل مقرر بهذا القدر أو ذاك ، وربما يمكن فهم ذلك من خلال موقف المتطرف بن غفير الذي أكد للولايات المتحدة بأن الكيان ليس أحد جمهوريات الموز التي تتحكم فيه وكالة المخابرات الأمريكية تنصيبا وخلعا، فيما لاتستطيع حماس والمقاومة أن تتجاهل موقف مصر وقطر، لاسيما من قبل حماس كون الدوحة أحد الممولين الرئيسيين للحركة، عند تحديد موقفها من الصفقة في ظل الضغط الأمريكي الذي يحتاج فيه الرئيس بايدن لانتصار سياسي في عامه الانتخابي.
وفي تقديري فإن العامل الخارجي سيحاول الضغط على الطرفين، اللذين ربما تعكس مواقفها مكابرة غير موضوعية للواقع الميداني، من أجل تقديم تنازلات متبادلة، وربما تصب زيارة وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة الأسبوع المقبل في هذا الاتجاه، لكن السؤال هل يستطيع الكيان الصهيوني أن يقدم تنازلات ترضي الفصائل؟ في حين يخطط اليمن الصهيوني المتدين إلى إعادة الاستيطان في غزة، بما يعنيه ذلك من عودة احتلال القطاع بشكل نهائي، وهذا كفيل ليس بتفجير الصفقة والحكومة الصهيونية، ولكنه وصفة لاستدعاء تدخل أطراف أخرى في الصراع .. وتوسعه.. بما لا تريده إدارة بايدن في عام الانتخابات الرئاسية.
وهل تستطيع الدول الراعية نزع الألغام التي تهدد الصفقة بالضغط على الطرفين من أجل إبرامها، وإنقاذ أهل غزة من استمرار المحرقة..؟ أم أن منطق المكابرة والاستقواء الصهيوني، سيفجر الصفقة بمناورة تحمل الفصائل الفلسطينية تبعة الفشل من أجل مزيد من الوقت لمواصلة الحرب؟
وأخيرا يبقي سؤال إلى أين ستتجه الأمور مفتوحا على كل الاحتمالات.. وهو أولا سيكون رهن تقدير كلا من الطرفين لحسابات الربح والخسارة من هذه الصفقة ارتباطا بتلك الحرب والنتائج المحققة منها لكل طرف حتى الآن.. ليقدمه كإنجاز عسكري وسياسي، ضمن ثنائية ..هو خاسر..أنا رابح . وثانيا في استعداد الأطراف الراعية وتحديدا الولايات المتحدة في إلزام الأطراف المعنية بالصفقة بالتوصل إلى اتفاق ، كون استمرار هذه الحرب لن يقف عند حد تهديد أمن المنطقة وإنما سيمس أمن العالم. وذلك هو السؤال؟