عدنان الصباح
أمد/ أولا لست ادعي الخبرة القانونية والحقوقية التي تؤهلني لقراءة قانونية لهذا القرار الخاص بالتدابير الوقائية للحرب على غزة ولذا فانا لا اقرأ الجانب القانوني والحقوقي والنصوص وعلاقتها بالمواد وانما أحاول هنا قراءة العدل في نص القرار وقراءة العدل في القانون والمحكمة واحقاق هذا العدل ان وجد على قاعدة ان العدل واقع قبل النص وان النصوص التي لا تجد طريقها الى الواقع لا دعوى ولا معنى لها على الاطلاق.
ان المشرع وصاحب اتفاقية الإبادة الجماعية حين وضعها وطلب التوقيع عليها من الأطراف المعنية جميعا أسقط من حسابه عمدا بالتأكيد حقيقة ان أي محكمة دون الية تنفيذ او ضابطة تنفيذية مفوضة وقادرة على تنفيذ المحكمة فهي لن تستطيع ان تنقل قرارها الى ارض الواقع حتى ان المشرع لم يضع اليان لاخراج القرار الى حيز التنفيذ ولم يشر الى الجهة المطلوب منها التنفيذ وحتى لم يضع عقوبات على أي جهة لا تلتزم بتنفيذ قرار المحكمة وترك كل الأمور معلقة بما يضمن للجاني أيا كان الإفلات من العقاب.
عادة ما تكون النصوص ملهمة وخصوصا حين تتعلق بالحقوق واهمها الحق في الحياة بالتساوي لكل بني البشر لكن هذا الالهام يتحول بالتأكيد الى احباط ويأس وانعدام أمل حين ترى البشرية ان النصوص هذه وجدت فقط ديكور لا أكثر ولا اقل وان الشريعة الحقيقية على الأرض هي شريعة الغاب ومن يراقب أداء المحكمة يرى ان السياسة هي التي تدير امورها ليس بشأن غزة فقط بل وفي كل مكان.
المحكمة رفضت طلبا لإيران بالزام الولايات المتحدة بالإفراج عن أموالها المحجوزة وقضت بعدم الاختصاص علما بان هذه الأموال هي ملك مطلق لدولة عضو في الأمم المتحدة كاملة العضوية وبالتالي لا يجوز لدولة أخرى ان تقوم بأعمال القرصنة وتصادر أموال تعود لدولة مستقلة بناء على ادعاءات الدولة الحاجزة للمال نفسها ودون محكمة دولية او جهة دولية مختصة بالنزاعات بين الدول وأصدرت قرارا يستجيب لطلب هولندا وكندا ضد سوريا في عام 2018 استجابت المحكمة لطلب إيراني يتهم الولايات المتحدة بخرق اتفاقية الصداقة مع ايران الموقعة عام 1955 وقد أصدرت المحكمة قرارا هزيلا بأنه “لا ينبغي أن تؤثر العقوبات الأمريكية على الوضع الإنساني في إيران ولا على الطيران المدني” ومع ذلك أعلنت الولايات المتحدة انها لم تلتزم به كما انها أصدرت قرارا سابقا ضد إسرائيل بشان جدار الفصل العنصري وطالبت بإزالته وإجراءات أخرى ولكن احد لم يكترث والمرة الوحيدة التي أصدرت فيه هذه المحمة قرارا وضحا وسريعا كان ضد روسيا الاتحادية بشان أوكرانيا وطالبت فيه بوقف روسيا للأعمال القتالية فورا دون قيد او شرط ولم تساوي بين طرفي النزاع هناك.
في موضوع طلب جنوب افريقيا فان المحكمة قبلت الطلب لكنها اشارت الى ان هذا لا يعني اقرارا بوجود بادة جماعية أولا ثم ساوت بين أطراف النزاع أي انها لم تعتبر الامر اعتداء من طرف على اخر وأسمته نزاعا بطرفين متساويين وليس حرب من قوة غاشمة ضد منطقة صغيرة ومكان محاصر بشعبه ويتلقى العقاب طوال عقدين من الزمن وأكثر بأشكال مختلفة.
رغم ان الطلب موجه من جنوب افريقيا ضد اسرائيل ولم يدعي أحد على طرف اخر الا ان المحكمة تطوعت للقول بان القرار ملزم للجميع في إشارة الى حركة حماس علما بان هذا القرار ملزم للموقعين عليه فقط.
البند الأول من القرار التنفيذي جاء بالنص ” ترى المحكمة أنه من الضروري التأكيد على أن جميع أطراف النزاع في قطاع غزة ملزمة بالقانون الإنساني الدولي. ويساورها قلق بالغ بشأن مصير الرهائن الذين اختطفوا خلال الهجوم الذي وقع في إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 واحتجزتهم حماس والجماعات المسلحة الأخرى منذ ذلك الحين، وتدعو إلى إطلاق سراحهم الفوري وغير المشروط. “
المحكمة لم تأت على ذكر التنفيذ الفوري بلا شروط الا فيما يخص حماس وفصائل المقاومة وفيما عدا ذلك استخدمت كل الكلمات الفضفاضة وحاملة الأوجه في التفسير وسهولة الإفلات منها في كل ما يخص الطلبات التي وجهت الى إسرائيل بما في ذلك منحها مهلة شهر كامل لتقديم ردها على ما طلب منها من إجراءات تدابير تقع ” تحت سلطتها ” وهاتين الكلمتين كفيلتان بكتابة كتب حول تفسيرهما اثناء الحرب وفي ظروف غزة.
ان الحقيقة الوحيدة على ارض الواقع كانت مواصلة انشغال العالم بالحديث عن الموت والقتل والتدمير بكل الوسائل المعقولة وغير المعقولة لمجموعة وطنية إنسانية بينما يواصل القاتل جريمته وينشغل البشر بحكاية هل يموت ام لا يموت والى ان يقرر العالم فيما إذا كان الموت هذا قانونيا ام غير قانوني فان ما يجري من مقتلة على ارض الواقع مجرد اجراء بحاجة للدراسة والبحث والفحص وحتى لا تنكسر النصوص فان علينا القبول بانكسار أرواح ملايين البشر ليس في غزة وحدها ولكن في كل جهات الأرض.
والسؤال هل وجد البعض ضالتهم واراحوا ضميرهم تجاه الموت في غزة واذا كان الامر كذلك فماذا عن هذه المقتلة التي لم تتوقف بتوقف تأنيب الضمير لدى البعض أيا كانت نواياهم الطيبة فان غزة لا زالت تذبح وتجوع وتعرى وتمرض وتئن ولا احد يستمع وقد يكونون ينتظرون حقا تقرير القاتل بعد شهر من قرار المحكمة لعلهم يكتشفون ان المقتلة كانت فيلما سينمائيا لا علاقة له بواقع الكون الذي يفترض انهم يشاركون اهل غزة فيه.