بكر أبو بكر
أمد/ في ظل الجدل الدائر والمطلوب حول أسباب ومآلات ونتائج العدوان على فلسطين من رئتها الجنوبية قطاع غزة و”المقتلة” والنكبة 2 المستمرة، يتخذ بعض الجدل أدب الحوار والاختلاف والنقد منهجًا، ويتخد الآخر منحى التسخيف أو التهكم وصولًا الى التخوين مقابل تقديس الذات أوالحزب أو المسلك!
أقول: أن حق المراجعة والنقد للرأي أي كان أو الموقف والمساءلة للجميع فكرة صحيحة جدًا. فلا يجوز قتل الفكرة حتى لو كان قائلها شيطان، أو لأننا نكرهه (السياسي لا يجعل مشاعره تتفوق على عقله) أو لانتفق معه في كثير من مواقفه أو أفعاله.
إن قتل العقل هو بتقديس الأشخاص ليصبحوا عصيّين على النقد. وهذا دأب التنظيمات الأيديولوجية سواء الدينية أو القومية وهنا تكمن الخطورة.
إن حقيقة النظر في الفشل والهزيمة أو النصر أو النجاح، أو النقد أو المساءلة أو المراجعة…الخ، يجب أن تكون على طاولة الجميع بعد انتهاء العدوان الفاشي عامة بإذن الله، وهي مقبولة بشروط النقد ولغاية التصويب للبوصلة أو التعديل للمسار.
أما سقوط أو نجاح فكرة تعريف النصر؟! فإنها تحتاج فعلًا لإعادة نظر عميقة جدًا في ظل دمار الأرض الساحق وقتل وجرح ما يقارب 100 ألف (أليسوا بشرًا أم لا يحتسبوا ضمن معادلة الربح والخسارة)!؟
إن هزيمة الصهيوني في مواجهة العربي الفلسطيني واضحة ومؤكدة مهما طال الزمن بإذن الله.
ومؤكدة سواء العربي الفلسطيني في الميدان حيث المقاومة الشعبية، أو في حقل الاعلام والدبلوماسية والعلاقات الخارجية والجماهيرية، والثبات الفلسطيني الشامخ على الأرض.
ومن حيث قال الخالد ياسرعرفات: “إن المقاومة، والثورة ليست بندقية فحسب، ولكنها أيضاً نبض شاعر، وريشة فنان، وصوت مغني، وقلم كاتب، ومبضع جراح، وإبرة فتاة تخيط قميص الفدائيين، وهي منجل فلاح وصرخة عامل، وصمود ورباط شعب الجبارين”.
أما النجاح الصهيوني الكبير وانتصاره المشهود فيتجلى بالعجرفة والشراسة، وبحجم الانتقام والحقد والإيغال بالقتل وجرائم الحرب والعنصرية والإبادة الجماعية غير المسبوقة، أي في “مقتلة غزة”، وهو بذلك يرسل رسائل كثيرة لإعادة التفكير من حيث وضع الأولوية للانسان وليس تجاهله بصيغة الصامد أوالثابت وكفى! وهو فعليًا تحت السحق غير المسبوق ما يشير للتقصير الفلسطيني الكبير بأخذ هذه القضية الأساسية بعين الاعتبار.
عندما يكون الانسان الفلسطيني في مقدمة الاهتمام وحين يتم وضع هذا المعطى الرئيس في خانة نقد الذات والمراجعة، لك أن تنظر لما يقوله محمد الحوراني عضو المجلس الثوري لحركة فتح كمثال: “يجب أن لا نركز فقط على موضوع المواجهات في قطاع غزة، وإن كانت المواجهات توقع الخسائر في الجيش الإسرائيلي، إلا أن الذي يخسره الفلسطينيين المدنيين من الأطفال والنساء هو أكثر بكثير وهذا يجب أن يكون مدعاة للتوقف والتفكير”.
بينما على سبيل المثال أنظر كيف يتكلم إسماعيل هنية عن فكرته بمسارات العمل فإنه يبدأ بالذات، من خلال ما أسماها الجبهة العالمية لدعم المقاومة، أي الجبهة العالمية لدعم “حماس”، ثم يختم خامسًا ب”مسار بلسمةِ جراحِ أهلنا في قطاع غزة، هؤلاء الأبطال والأحرار الذين قدموا أغلى ما يملكون فداءً لفلسطين والمقاومة “.
التقصير: مما لا شك فيه أن “السلطة” مقصرة، بل وحركة التحرير الوطني الفلسطيني-“فتح” مقصرة وكتبت بهذا التقصير ناقدًا أكثر من 3 مقالات في ظل العدوان وتجدها بمواقع عدة ومنها في موقعي https://bakerabubaker.net/. ولكن بالمقابل لا يحق لأحد أن يفترض حصانته الربانية أو الثورية عن النقد! أو يجعل من ذاته أو ذات حزبه أو أي فكرة بما فيها “المقاومة” أو “الثورة” أو “الديمقراطية” أو غيرها وثنًا يُعبد، وبالتالي يحصّنه من المراجعة و”الاعتراف” بالخطأ والتقصير ومراجعة النفس ما هو المدخل الحقيقي للتطوير والتغيير.
إن النقد والحوار والمراجعة بل وإمكانية التراجع عن الخطأ كما ذكرت في أحد مقالاتي السابقة حصن الانسان العاقل. فإن أسقط عقله ركِبته التيارات الأيديولوجية الإقصائية وحوّلته الى دمية تحت طائلة استخدام الدين أو الثورة، أو غيره من أفكار.
ودعني أزودكم من التجربة بهذه الخلاصات تحت عنوان: متى يكون التراجع أو النقد والمراجعة حكمة
1. حالة العدول عن الخطأ
2. اذا كانت النتائج عكس المتوقع
3. اذا ظهر أن الخطة ناقصة، أوتحتاج اعادة نظر
4. اذا أخل أو لم يلتزم أحدهم (طرف ما) بالخطة
5. اذا كان رد الفعل داهمًا ساحقًا أوغير متوقع بتاتا
6. اذا ترتب على الخطة دمار للخطة غير متوقع
7. اذا كانت تضحيتك ستكون في مصلحة الحياة للكثيرين
8. اذا تخليت عن الكِبر، وشعرت بوخز الضمير والمسؤولية
9. اذا أردت ألا تلاحقك لعنة أعمالك
10. حين تنصر لاستقلاليتك الوطنية فقط من أجل فلسطين، ومن أجل لم شمل اخوانك معك في مواجهة المحاور التي مصالحها هي ذات الأولوية فقط
11. حين تقتنع أن التراجع خطوة هامة بدلًا من الإمعان بضرب رأسك بالحائط
12. حين تعيد النظر من زاوية نظر الآخرين الذين رأيهم نفيس
13. حين تعيد النظر تخفيفًا لما سببته من كارثة أو معاناة للناس مجال الخطة
14. عندما تفهم أن الصراع تقدم وتراجع وكرّار وفُرار ولا يكَسب بالضربة القاضية
15. إذا أردت تقييم فعلك (أو خطتك) بطريقة علمية، وليست تشنجية تهييجية انفعالية أو عاطفية.
16. حين تُترك في المقدمة “وحيدًا”، ويخذلك الحليف والصديق.
ملاحظة: كتبت هذا المقال في الرد على تعليق جميل وملتزم من أحد الاخوة الذي يحترم عقله وفكره، وجعل من أدب الاختلاف منهجه، بارك الله به وسدّد خطاه، وأخّرت النشر بعد أن تهدأ عملية التهييج والتجييش والتحشيد الإعلامية التضليلية الهدف، بين إعلام كاذب وآخر منافق، راجيًا أن تكون كذلك الآن.
وختامًا ليكن بمعلوم الجميع أن فلسطين وحدها وقضيتها العادلة وشعبها البطل هم المقدسون فقط، أما الزعماء المقصرون أجمعين بلا تمييز فإلى الجحيم، إن لم يعترفوا بأخطائهم ويركعوا ليطلبوا مغفرة شعبهم، وسينصفهم التاريخ إن وقع بحقهم أي خطأ، أو سيرمون في مزبلته.