حسن احمد عبدالله
أمد/ احلام العصافير تلك التي تسوق لانفصال تكساس عن الولايات المتحدة الاميركية، او تلك التي تتحدث عن حرب اهلية جديدة فيها، فيما يغيب عن بال اغلب المنظرين في “حالة تكساس” انها جزء من المعركة الانتخابية الرئاسية التي بدأت ساخنة اكثر من اللازم.
ان هذه الحال تحتاج الى فهم اعمق للسياق التاريخي لقضية المطالبة بالانفصال، فهي ليست المرة الاولى التي يطالب بعض سكان الولاية بالاستقلال، فيما كانت كل مرة تفشل حملة الاستفتاء على الانفصال، ولهذا فشلت كل المحاولات، فيما هناك اقتراح لاستفتاء جديد في مارس المقبل، لكن كما هو واضح انه لم يكتب له النصيب لجملة اعتبارات، اهمها عدم وجود قوة ضغط كافية.
اما في ما يتعلق بالحرب الاهلية، فإن الظروف ليست مهيأة لهذا الامر، رغم وجود ميليشيات مدنية في معظم الولايات، ففي العام 1995، وبعد تفجير اوكلاهوما نشرت مجلة “نيوزويك” ملفا ورد فيه ان 532 ميليشيا ناشطة في الولايات كافة، وتتفاوت منابعها بين الايديولوجية والفكرية، ومنها الوطنية والعنصرية والدينية، وكلها لها الحق بالتسلح وفقا للتعديل الثاني للدستور، كما ان حرية حيازة الاسلحة الفردية منصوص عليها ايضا في الدستور، بالتالي، ومع ارتفاع معدل العنف الفردي، يخيل للبعض ان ذلك قد يؤدي الى حرب اهلية.
صحيح ان هناك جماعات اميركية تعمل على تسويق العنف من اجل مصالح خاصة، كما هناك القوى ترغب بتحقيق مشروعها حتى لو كان عبر الحرب، لكن كل هذا مرتبط بما يمكن ان يحققه مشروع الحرب، فاذا كانت حرب القرن التاسع عشر قد ادت الى تغيير بعض ملامح المجتمع الاميركي، الا انها لا تزال جذورها الى اليوم موجودة، وليس من السهل التخلص منها، خصوصا في ما يتعلق بالعنصرية، والتمييز الطبقي الذي يطغى على المجتمع، وهذه عوامل يمكن ان تساعد على التفكك، لكنها لا ترتقي الى مستوى الحرب الاهلية، الا اذا توفرت العناصر الضرورية لاي حرب داخلية، وهذا الى اليوم غير موجودة في المجتمع الاميركي.
لكل هذا لماذا استنفرت “حالة تكساس” النخب الاميركية، وقدمت صورة للخارج ان الولايات المتحدة متجهة الى الحرب الاهلية؟
هذا السؤال يمكن معرفة اجابته التقديرية من خلال معرفة مراكز القوى التي تتحكم بمفاصل السياسة الاميركية داخليا، فاذا كانت الحرب الاهلية بين عامي 1861 و1865 بنت شراكة بين ادارة لنكولن وشركات السلاح والنقل، وعززت بعد ذلك قوتها في الادارات المتعاقبة، فأن الحرب العالمية الاولى عززت ايضا الرديف الاخر، او جناح القوة الجديد، وهو شركات النفط، وترسخت تلك القوة في الحرب العالمية الثانية، والاتجاه نحو احتكار النفط الولايات المتحدة خصوصا، والعالم العربي ايضا، وهو ما مثل تمدد المصالح الخارجية التي لها حسابات اخرى، لا مجال لبحثها الان.
لقد عملت تلك القوى- الشركات على احتكار القرار السياسي الداخلي من خلال استغلال قوة المال في الدعاية، فوظفته في المطبوعات والصحف بداية، ثم الاذاعة تاليا، واخيرا التلفاز، وهي عملت على افساد المجتمع عبر استطلاعات رأي الموجهة ومحددة، فيما تشبه عمليات الاستفتاء في العالم الثالث، واستفادت تاليا من وسائل التواصل الاجتماعي، التي حذر منها هنري كسينجر في كتابه “النظام العالمي” من ان “العصر الحالي هو عصر الانترنت”، ما يعني دخول عنصر جديد على توزيع عناصر القوة في الولايات المتحدة، وبالتالي فإن الصراع اصبح اليوم بين ثلاث قوى، وهذه لا بد ان تؤثر في مزاج المواطن الاميركي.
لهذا فان “حالة تكساس” ربما تكون ازمة اعادة تكوين القوى المهيمنة على القرار الاميركي، لانها ادخلت عناصر جديدة على الصراع الرئاسي من باب المهاجرين غير الشرعيين، ومن المحتمل ان تزيد من فضح فساد الدولة الاميركية التي تخلت عن افكار المؤسسين، لكنها لا تدفع الى حرب اهلية، او انفصال، انما تضعف الهيبة الاميركية التي تحاول اليوم استعادة ذلك، داخليا من خلال فرض صورة الادارة الحالية على انها مقاتلة، وبتصديها لرغبة اهالي تكساس في عدم استقبالهم للمهاجرين غير الشرعيين، او من خلال الهجمات على اليمن والعراق وسورية، تماما كما فعلت في افغانستان عام 2001، لكنها فشلت بعد نحو عقدين.
“حالة تكساس” هي مفترق طرق تماما مثل انكشاف ضعف القوة الاميركية في 11 سبتمبر عام 2001، ثم انكشاف ضعفها داخليا في اعصار كاترينا عام 2005، وبعدها خروجها من افغانستان عسكريا بصورة مذلة، واليوم في “حالة تكساس” ينكشف اكثر كيف تتحكم قوى مالية واقتصادية بوحدة الدولة،ولو كان ذلك من الهجرة غير الشرعية التي تخدم اهداف صناع المال، لو حتى على حساب حقوق الانسان،ما يجعلها من دولة فاسدة على غرار العالم الثالث.