د. وسيم وني
أمد/ أُسست وكالة وغوث اللاجئين “الأونروا” عقب نكبة 1948م بموجب القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة من العام 1949م والهدف من إنشائها هو تقديم البرامج الإغاثية والتشغيل لأبناء شعبنا الفلسطيني المنكوب باغتصاب أرضه إلى حين إيجاد حل لهذه النكبة وفق قرار الجمعية العامة الذي يحمل رقم 194 والذي صدر بعد قرار تأسيس وكالة ” الأونروا” مباشرة وبالتحديد بعام 1949م.
وهنا باشرت وكالة ” الأونروا ” عملها بتاريخ 01 51950 معتمدة بشكل مباشر على التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، حيث تركز نشاطها في مجال التعليم والصحة والرعاية الصحية والاهتمام بالبنى التحتية للمخيمات مُشكلة بحد ذاتها كشاهد حي على جرائم الاحتلال والتي تمثلت بالنكبة وما قبل النكبة من مجازر ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق شعبنا لتصبح بعدها هدفاً رئيسياً لكيان الاحتلال بما تحمله من شواهد.
ويعتقد الكيان أنه بتخلصه من وكالة “الأونروا ” سيمحي آثار المجازر والنكبة من ذاكرة العالم وشعبنا الفلسطيني ، فيرى كيان الاحتلال أن وكالة الأونروا تساهم بشكل كبير في إدامة قضية اللاجئين الفلسطينيين، بل وتضخيمها مع زيادة عدد اللاجئين المسجلين بها من 700 ألف شخص في عام 1948 إلى أكثر من خمسة ملايين شخص حاليا ، ويعتبر أن عودة اللاجئين تمثل تهديداً ديمغرافياً لوجوده وللأغلبية اليهودية في الكيان، وبالتالي فهي قضية غير قابلة للحل في أي مفاوضات مستقبلية مع الفلسطينيين ، ولذا تدفع باتجاه دمج اللاجئين في أماكن إقامتهم في الشتات، وخاصة في دول الجوار المجاورة للكيان ومن هنا تركزت تصريحات الوزراء الاسرائيليين المتطرفين خلال الأسابيع الأخيرة على ضرورة تهجير الفلسطينيين واقتلاعهم من أرضهم.
والعالم بأسره تابع ويتابع عن كثب ردود الفعل السريعة للدول المانحة والذي تزامن مع صدور قرار محكمة العدل الدولية بالقبول والإعتراف ” بوقوع إبادة جماعية في غزة” ودعوتها بشكل صريح لضمان تقديم المساعدات الإنسانية لأبناء شعبنا الفلسطيني الذين يرزحون تحت آلة القتل الإسرائيلية في قطاع غزة.
واليوم بعد صدور قرار بقطع التمويل الأساسي عن وكالة “الأونروا” من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومن يدور في فلكهم تطفو على السطح العديد من التساؤلات وإشارات الاستفهام عن هذا التوقيت المشبوه لهذا القرار وتأثيراته السلبية على شعبنا الفلسطيني وقضيتنا داخل فلسطين وفي الشتات وما هي أسبابه الحقيقية في ظل المجازر اليومية التي يقوم بها الكيان ضد أبناء شعبنا في فلسطين.
وهنا تُصر الولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها على أن كيان الاحتلال لم يرتكب مجازر أو يتسبب بكوارث ومجازر ضد الانسانية، والهدف الرئيسي هو إنتشال الكيان الإسرائيلي من الفخ الذي وقع فيه ومحاصرته في قفص الإتهام الدولي وإلقاء التهم والمسؤولية على “الاونروا” بأنها تتحمل جانباً من الوضع السيء لأبناء شعبنا الفلسطيني.
والمستهجن في الأمر أن عدداً من الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت على الفور تجميد تمويلها لوكالة “الأونروا ” متبنية الرواية الإسرائيلية، وأصبحت تروج لها من دون تأكد مهني من صحة هذه الرواية وكأن الأمر كان خطط له مسبقاً في الغرف السوداء كون هذه المواقف سياسية هدفها شطب حق العودة، مع العلم أن الوكالة لديها أكثر من ثلاثين ألف موظف ، ولو افترضنا جدلا أن اثني عشرة شخصا قد اخترقوا نظام العمل في وكالة “الأونروا ” فهل هذا يعني أنها متعاونة مع مقاومة شعبنا ضد الاحتلال وممارساته البربرية ؟ وما مصير شعبنا الفلسطيني جراء وقف التمويل لوكالة الأونروا الشاهد على نكبتنا في فلسطين والشتات.
وأخيراً هل صدر القرار الدولي ا بتدمير وكالة ” الأونروا ” وتفكيكها تمهيداً لتصفية حقّ العودة وإنهاء قضية اللاجئين؟ أم هو الردّ الغربي على أمر محكمة العدل الدولية “بقبول” وقوع إبادة جماعية في غزة، ودعوتها إسرائيل إلى ضمان تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في القطاع؟ هل مخططات الكيان الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية تجاوزت ما يجري على الأرض من إبادة ومجازر لشعبنا الفلسطيني في غزة وعموم فلسطين وتضييق الخناق عليهم في الضفة الغربية، لتُستكمل وسط الدوائر الدولية وسط صمت عربي مريب وغربي متآمر؟
بالطبع ما تقوم به وكالة “الأونروا” من خدمات طبية وإغاثية وغيرها ليس إلا تكلفة تكاد تكون مجانية يدفعها المجتمع الدولي مقابل تقاعسه عن إيجاد حلّ لقضيتنا الفلسطينية ، ومما لاشك فيه وقف هذه الخدمات سيترتب عليه تبعات سلبية ومدمرة لعشرات الآلاف من العائلات المشرّدة والمدمّرة وخاصة في فلسطين وفي الشتات و هكذا قرار يمسّ بأبرز مقوّمات حياتهم لكنّ الأكثر تدميراً وأذيّةً ذاك المسمّى المجتمع الدولي المنافق والذي يكيل بمكيالين ويغض الطرف عن جرائم الاحتلال ، والذي يحمل شعار الإنسانية والعدالة ويتغنى بها بجميع المحافل ويعمل في الخفاء كخادم مطيع لدى الكيان الإسرائيلي ويضع كل إمكانياته في سبيل بقاء هذه الغدة السرطانية في المنطقة ولو كان الثمن باهظاً .