رامز مصطفى
أمد/ الشرق الأوسط الأمريكي وحرب الإبادة على قطاع غزة
منذ الساعات الأولى لملحمة طوفان الأقصى في السابع من تشرين أكتوبر الماضي، وإدارة الرئيس الأمريكي بايدن التي أصيبت بالصدمة والهلع كما كيانها الغاصب والمصطنع على أرض فلسطين، من هول المفاجئة الغير محسوبة أو المسبوقة أنّ المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تتجرأ على شن عملية عسكرية واسعة ولأول مرة باتجاه عمق الكيان في أراضينا الفلسطينية المحتلة عام 1948. الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية برئيسها ووزيري خارجيتها ودفاعها إلى الهرولة مسرعين الخطى نحو الكيان لإنقاذه وحمايته من الانهيار الحتمي له لولا هذا الدعم اللامحدود عسكرياً وأمنياً وسياسياً من تلك الإدارة الغاشمة التي اكتشفت أنّ كيانها نمر من ورق من دونها إلى زوال.
هذا الحضور الغير مسبوق بهذا الحجم والقدرات والإمكانيات العسكرية ولأول مرة منذ الأعوام أل 75 التي مضت على قيام هذا الكيان الصهيوني الغاصب. فالرئيس بايدن وركنيه وزيري الخارجية والدفاع لم يكتفيا بالحضور مواساة وطبطبةً على كتف وكيلهم في الحرب رئيس حكومة العدو نتنياهو، بل حضر اجتماع ما يسمى ب “الكابينت” الذي تقرر فيه شن عدوان واسع على قطاع غزة لا زالت فصوله من جرائم وحرب الإبادة التي لم ينجو منها حتى الآن لا بشر ولا شجر ولا حجر.
مع استمرار الحرب الأمريكية والصهيونية المجرمة على قطاع غزة، وتمريك عدادها المائة وعشرين يوماً، بدأت تتضح ما تعمل عليه إدارة الرئيس بايدن من رؤية تريد فرضها وتمريرها، ليس بما يخص إنهاء العدوان على القطاع، بل رؤية تتعلق بإعادة ترتيب أوراقها الشرق أوسطية بعد أن أدركت أنّ أحد تداعيات ملحمة طوفان الأقصى في السابع من تشرين أكتوبر الماضي، هو توجيه الضربة القاصمة لمشروع الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، باعتباره منطقة كانت وستبقى ملعباً خالصاً لها ضماناً لتأمين وحماية مصالحها، وقطعاً في الطريق على أية قوى إقليمية أو دولية ناهضة ونموذجها إيران والصين وروسيا.
الرؤية الأمريكية في هذا السياق وكما تتحدث عنه وسائل إعلام ومراقبين ومهتمين بالاستناد إلى مصادر مطلعة ومقربة من دوائر البيت الأبيض والخارجية الأمريكية. وهذه الرؤية أو خارطة الطريق تتلخص. أولاً، صفقة تحرير مخطوفين مقابل وقف نار وتحرير سجناء فلسطينيين. وثانياً، موافقة المملكة السعودية على تسوية علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان، من خلال إطار اتفاق سلام أو تطبيع. وثالثاً، موافقة الكيان على إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة كبديل لحكم حركة حماس. رابعاً، موافقة أمريكية على حلف دفاعي مع السعودية، يتضمن موافقة أمريكية أيضاً على مشروع لتخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية على الأراضي السعودية. مضافاً لذلك صفقة أسلحة كبرى بما فيها طائرات F35.
هذه الرؤية التي تسعى ورائها الإدارة الأمريكية، من شأنها إذا لاقت طريقها إلى النور والتنفيذ أن تحقق للإدارة الأمريكية إعادة بعث الروح لمشروعها الشرق الأوسط الذي يترنح منذ ملحمة طوفان الأقصى. وهو سيشكل تهديداً مباشرة لإيران لأن تشكيل حلف دفاع أمريكي- سعودي من شأنه وحسب الاعتقاد الأمريكي سيقوض النفوذ الإيراني في المنطقة. وهذا لن يقف عند حدود إيران بل يتعداه إلى الحد من النفوذ الصيني عبر تحقيق خطة مد السكة الحديدية الذي تمّ إقراره في قمة العشرين الأخيرة في الهند. هذه الخطة أو مبادرة محور البنى التحتية انطلاقاً من الهند وصولاً لميناء حيفا في فلسطين المحتلة، في مواجهة طريق الحرير الصيني.
السؤال المشروع ما هي فرص تحقيق هذه الرؤية وتطبيقها. بتقديري أنّ الإدارة الأمريكية تضغط في هذا الاتجاه، وما صرح به وزير الخارجية السعودي مؤخراً، عن أنّ المملكة مهتمة بتحقيق التطبيع مع الكيان، ولكن شريطة موافقة الكيان على الالتزام بمسار ينتهي بدولة فلسطينية، أو بتعهد الكيان القبول ب “حل الدولتين”. مع تحقيق حلف دفاعي أمريكي سعودي. وبتقديري أنّ الولايات المتحدة ليس لديها من خيارات سوى الموافقة على المطالب السعودية لأن عقارب زمن الانتخابات الأمريكية لا تسمح لإدارة الحزب الديمقراطي بمزيدٍ من المناورات السياسية تمريراً للوقت، وهناك حزب ترامب الجمهوري يقف لبايدن وحزبه خلف الباب.
وأيضاً في المقلب الآخر، هل محور المقاومة سيقف متفرجاً على ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية من محاولة جدية في إعادة إحياء مشروعها للشرق الأوسط الذي يقع في أولى أهدافه إعادة حصار محور المقاومة، وإيران في رأس سلم أولويات هذا الاستهداف من خلفية تحميلها مسؤولية ما تشهده المنطقة منذ السابع من أكتوبر تشرين الماضي من أحداث لا زالت أبوابها مشرعة في تدحرجها إلى حرب إقليمية، رغم ما يتم الحديث عنه من جهود بهدف وقف الحرب على قطاع غزة وفق ورقة تمّ تسليمها إلى المقاومة الفلسطينية لدراستها والرد عليها، حيث تمّ تسليمه للجانب القطري والمصري. لأننا نعتبر ذلك بداية لمسار طويل. أولاّ، محكوم بموافقة الكيان على الورقة وفق ما جاء في رد المقاومة. وثانياً، الشياطين الأمريكية الصهيونية تكمن بالتفاصيل.