سليم يونس الزريعي
أمد/ مدخل
تكتسي جولة وزير الخارجية الأمريكي التي بدأت الأحد 4 شباط/فبراير أهمية كبيرة كونها تستهدف فتح المسارات المعقدة أمام صفقة التبادل التي وُضعت خطوطها العامة في باريس مؤخراـ بمشاركة أمريكية ومصرية وقطرية، كونها مصلحة أمريكية بامتياز في شرق أوسط مفتوح على كل الاحتمالات، في وقت تسعي فيه واشنطن إلى استقرار المنطقة، سيما وهي في عام انتخابي يطرح شكوكا حول فرص إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي بايدن لفترة رئاسية ثانية أمام منافس يمتلك حظوظا واسعة في الفوز.
ويبدو أن أمريكا على ضوء ذلك لا تتصرف هذه المرة كراع لصفقة تبادل بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، وإنما كشريك ومركز قوة ضغط على جميع الأطراف، فيما هي تدرك أن عدم الاستقرار ليس في مصلحة الولايات المتحدة على المدى الراهن والاستراتيجي في ظل التحولات الجيوسياسية العميقة التي تجري في العالم وفي المنطقة؛ وهي بالتأكيد على حساب نفوذ واشنطن.
وضمن هذه المقاربة يمكن التقدير أن جولة وزير الخارجية للمنطقة هذه المرة تختلف عن سابقاتها؛ لأنها تأتي فيما شروط إيجاد حل للحرب على غزة باتت ممكنة نظريا، بانتظار أن يحدد كل طرف موقفه منهاـ ليجري بعد ذلك دراسة هذه الإمكانية بحثا عن قواسم مشتركة إن وجدت في ظل البون الشاسع بين رؤيتي الكيان الصهيوني من جهة؛ والفصائل الفلسطينية من جهة أخرى للحل، فيما واشنطن تملك نظريا القدرة على الضغط الفعال سياسيا وبوسائل أخري من شأنها إذا فعلتها بنزاهة أن تفتح آفاقا للحل، إذا امتلك الطرفان إرادة غير مقيدة لذلك.
وهذا من شأنه أن يطرح سؤالا مفتاحيا هو: ماذا تريد واشنطن على ضوء ذلك؟ وهي التي تملك قدرة ومكنة الضغط من أجل الوصول لرؤية تترجم إلى واقع يتجاوز مسألة الحرب على غزةـ، نحو علاج جذر المسألة المتعلق بالاحتلال وانسداد الأفق السياسي، ومن ثم وعي أن ما جرى في 7 أكتوبر هو نتيجة، وغير معزول عن السبب أي الاحتلال، وأنه ما من استقرار في المنطقة دون حل سياسي للقضية الفلسطينية.
واشنطن بين الرغبة والقدرة
وبين استطاعة الضغط وتوفر قرار الإرادة يتراوح الموقف الأمريكي الذي يُنظر إليه على أنه دور مقرر في الوصول لحل ضمن الممكن، الذي ربما لا يحقق ما يعتبره الطرفان الحد الأدنى من سقفي شروطهما للحل، التي هي أبعد ما يكون عن إنتاج تسوية مقبولة تحظى بقبول عام يسمح بالتوجه نحو حل سياسي لجذر أحداث 7 تشرين أول/ أكتوبر، الذي يعتبر أن تطور واستمرار الصراع هو بمثابة تهديد لأمن الولايات المتحدة.
هذه المقاربة الأمريكية بين دور الشريك والراعي التي عبر عنها مستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان بقوله”: “نريد جميعا نهاية للحرب لكن يجب أن تكون هذه النهاية جدية ومستدامة”. وشرط ذلك ” عودة جميع الرهائن، وضمان عدم قدرة حماس على تشكيل تهديد إسرائيل”.
إن الرغبة في عودة الرهائن، تعكس وجهة نظر أمريكا والكيان الصهيوني أي الشريك في العدوان، وهي غير ممكنة لأن المسألة لا تتعلق برغبة واشنطن والكيان الصهيوني، وإنما بقدرتهما على فرض ذلك على المقاومة الفلسطينية، وهذا حتى الآن يبدو بعيدا عن التحقق عسكريا رغم فداحة الحالة الإنسانية في غزة، ارتباطا بعجز الكيان الصهيوني عن تحقيق هذه الأهداف عسكريا، ومن ثم فإنه من غير المتصور أو الممكن انتزاع مكاسب من المقاومة عبر الضغط السياسي من طرف يعتبر في الحد الأدنى ليس صديقا أو حتى محايدا، عجزوا عن تحقيقها في الميدان.
إن إدراك هذه الحقيقة تجعل واشنطن معنية بالتفكير خارج الصندوق هذه المرة؛ ربما وبشكل مغاير لكل سلوكها السابق في التعامل مع القضية الفلسطينية، وهي مسألة تتعلق بأن تصل واشنطن لإدراك أن الحل يتجاوز وقف أطلاق النار وعودة المختطفين وحل المسألة الإنسانية في غزة على أهمية ذلك؛ نحو البحث عن إجابة لسؤال السبب، ليس فيما يجري في غزة ، ولكن أيضا في هذه العدوانية والتغول الذي يستهدف القدس والضفة الغربية، مما جعل الإدارة الأمريكية تفرض عقوبات على بعض المستوطنين حتى وإن كانت شكلية، لكنها تبدو خطوة صغيرة على طريق تسمية المسبب، وهو الاحتلال والاستيطان وغياب الأفق السياسي.
أهداف جولة بليكن..
إن جولة وزير الخارجية الأمريكي الخامسة بالمنطقة.. ربما تعكس إرادة أمريكية في الوصول إلى حل يتعلق بالحرب على غزة، وفي استكشاف رؤية سياسية مع الأطراف المعنية وفي الإقليم لتجاوز مسبباتها على المدى البعيد والاستراتيجي، وهذا يعني أن الوزير الأمريكي يحمل رؤية للوصول إلى هذا الاستقرار المنشود عبر هذا الممر الإجباري، وهو ريما يكون مسلحا برزمة من المطالب، سواء كانت في شكل وعود أو نصائح أو ضغوط، على طريق بناء استقرار يتجاوز الصراع في فلسطين إلى الفضاء العربي والجوار الإقليمي.
ولأن نقطة البدء تتمظهر في صفقة التبادل بين الكيان الصهيوني وحماس، فمن الطبيعي أن يواصل بلينكن خلال هذه الجولة جهوده للعمل على “إطلاق سراح الأسرى”، والاتفاق على “هدنة إنسانية تسمح بوصول المساعدات بشكل مستدام للمدنيين في غزة”.
وسيواصل بلينكن حسب الخارجية الأمريكية “المناقشات مع الشركاء حول كيفية إنشاء منطقة سلمية أكثر تكاملاً”، بما يضمن “أمناً دائماً للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء”. عبر حل قابل للاستمرار لهذا الصراع”. والعمل على بناء طريق إلى الدولة الفلسطينية”.