نبيل معروف
أمد/ من المؤكد ان تداعيات السابع من أكتوبر محليا وإقليميا ودوليا، فرضت فرصة تاريخية وقد تكون نادرة لحل القضية الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الوطنية بما فيها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على ترابه الوطني وذلك تطبيقا لقرارات الشرعية الدولية ذات الاختصاص.
وقد أصبح الموقف الدولي من وضع نهاية للصراع وإقامة الدولة الفلسطينية ضرورة وأكثر جدية ويحظى بإجماع دولي، ومع ذلك فان ما يُطرح يختلف عما نريد. فهناك فارق كبير بين الصيغ التي يطرحها الغرب بخصوص إقامة الدولة الفلسطينية (فتح مسار لإقامة دولة فلسطينية ـ نمط من أنماط الدولة ـ الاعتراف الثنائي بالدولة الفلسطينيةـ عدم استعمال الفيتو الاميركي في مجلس الامن وغيرها) وبين الاعتراف بالدولة الفلسطينية المتواصلة الأراضي متزامنا مع التوافق الدولي على تصور وصيغ قضايا الحل النهائي وهي الحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين، واجبار إسرائيل على الالتزام بذلك. وهذا ما يدفعنا الى الاعتقاد بان ما يطرحه الغرب سيكون حلا تجميليا سينتج أوسلو اخر يبقي الصراع مفتوحا بحيث يفسح المجال لمزيد من القتل والعنف في المنطقة..
من المفترض انه بمقدور الرئيس عباس ان يكون الطرف (ا لشخصية) الأقوى بين القوى العاملة والفاعلة والمتدخلة في مربع التعامل مع الحرب الإسرائيلية على غزة وما يجب ان يحدث في اليوم التالي لهذه الحرب. وذلك لثلاثة أسباب رئيسية.
الأول: انه يملك فعليا جميع أوراق الضغط التي نتجت عن تداعيات السابع من أكتوبر وبإمكانه استعمالها واستغلالها لتحسين شروط الانتقال الى مرحلة ما بعد غزة وتأسيس الدولة الفلسطينية.
والثاني: انه يمثل الشرعية الفلسطينية
والثالث: ان استراتيجيته السياسية السلمية اكتسبت مصداقية عالية رغم الكثير من العراقيل التي وضعتها الحكومات الإسرائيلية في طريقه.
وكذلك فمن المفترض ان تكون المملكة العربية السعودية اقوى الأطراف إقليميا ودوليا لان تطبيع علاقاتها بإسرائيل يعتبر أولوية قصوى عند الرئيس الأميركي (الذي يود البقاء في البيت الأبيض) وكذلك هو هام وهام جدا عند القيادات السياسية الاسرائيلية باعتباره يفتح باب التطبيع الكامل بين إسرائيل والعالمين العربي والإسلامي.
لذلك، ولتفادي إضاعة هذه الفرصة النادرة والتي قد لا تتكرر والتي اوجدتها احداث السابع من أكتوبر وما تلاها من حرب همجية على الشعب الفلسطيني في غزة، وحتى لا نقع في الفخ الغربي، الذي سيقترح حلولا تجميلية، يتطلب الامر صمودا راسخا في الموقفين الفلسطيني والسعودي، (لان المصالحة التاريخية لا يمكن ان تتم الا بتنفيذ إقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة وبحدودها المعترف بها دوليا والتي تمارس سيادتها على كامل ترابها الوطني حسب قرارات الشرعية الدولية)، ودعما واضحا لا لبس فيه من الدول العربية والإسلامية.
والصمود السعودي الفلسطيني يجب ان يستند على اتفاق الحد الأدنى للمطالب والتعهد بعدم تجاوزه تحت أي ظرف، وكذلك يجب ان يترافق مع تفاهم بين الطرفين على وديعة واقعية ومستخلصة من الاقتراحات التي تم تداولها بين الأطراف الأميركية والإسرائيلية والفلسطينية خلال المفاوضات التي حدثت منذ أوسلو الي اليوم والخاصة بقضايا المستوطنات، الحدود، القدس واللاجئين. والى الاستعداد الفلسطيني لحل كل الفصائل المسلحة بعد قيام الدولة فعليا وبحدود معترف بها دوليا، تماما كما فعلت جنوب افريقيا بعد النجاح في الغاء نظام الفصل العنصري في البلاد.
وقد يكون من المفيد الاقتراح بان تقوم مجموعة من الدول الوازنة( على سبيل المثال: اسبانيا، فرنسا، تركيا، جنوب افريقيا، البرازيل، السعودية، مصر والأردن) والتي تمثل مختلف القارات بالاستفادة من تداعيات السابع من أكتوبر وخاصة التأييد الكبير الذي حظيت به القضية الفلسطينية على صعيد الراي العام الدولي الشعبي والرسمي، للضغط على الولايات المتحدة الأميركية لإيقاف المجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، والسعي للحصول على موافقتها على صدور قرار من مجلس الامن الدولي يعترف بالدولة الفلسطينية ويضمن امن اسرائيل على ان تشمل الفقرات العاملة للقرار:
١ـ ان أراضي الدولة الفلسطينية هي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ٦٧، وتتولى مسؤوليتها السلطة الفلسطينية (الحالية).
٢ـ دعوة رئيس دولة فلسطين الى تشكيل حكومة من التكنوقراط الفلسطينيين لمدة سنتين كمرحلة انتقالية، على ان يصار في نهايتها الى اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تحت اشراف دولي لضمان حريتها ونزاهتها.
٣- يكلف الرباعية الدولية إضافة الى الصين بالإشراف على مفاوضات بين دولتي فلسطين وإسرائيل، والمساعدة للوصول الى توافق على قضايا الحل النهائي (الحدود، المستوطنات، القدس واللاجئين)، يضمن تواصل أراضي الدولة الفلسطينية، واستحداث الممر الامن بين الضفة الغربية وقطاع غزة، خلال فترة زمنية لا يتعدى سقفها السنة.
وفي حال عدم تمكن طرفي المفاوضات من الوصول الى اتفاق تتجه الدول الراعية للمفاوضات الى مجلس الامن لاستصدار قرار بفرض الحل على الطرفين (وكما طالب جوزيب بوريل وزير خارجية الاتحاد الاوروبي) ،يستند على الاقتراحات التي تم تداولها بين الأطراف الأميركية والإسرائيلية والفلسطينية خلال المفاوضات التي حدثت منذ أوسلو الي اليوم والخاصة بقضايا المستوطنات، الحدود، القدس واللاجئين، وبما يتطابق مع الشرعية الدولية.
٤ـ يقرر المجلس انشاء قوات دولية للفصل بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني ولمنع المستوطنين من مهاجمة القرى الفلسطينية، ريثما تنتهي المفاوضات بين الجانبين بالاتفاق على الوضع النهائي للحدود والمستوطنات.
5ـ عقد مؤتمر دولي لوضع الخطوات اللازمة لإنجاح قيام الدولة الفلسطينية وتمكينها من ضبط الامن في كافة أراضيها، من خلال العمل على حصر وجود السلاح بيد القوى الأمنية الرسمية فقط.
6ـ يقرر المؤتمر الدولي خطة إعادة اعمار غزة وتمويلها، إضافة الى وضع خطة للمساعدة في بناء المؤسسات الفلسطينية، وكذلك وضع خطة تهدف الى تطوير الوضع الاقتصادي وفي كافة المجالات الصناعية والزراعية وغيرها.
قرار بمثل هذه البنود الواضحة من مجلس الامن الدولي وبموافقة أعضائه الخمسة الدائمين والعشرة غير الدائمين، ينهي الصراع في منطقة الشرق الأوسط لتمكينه الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية فوق ترابه الوطني، ويحقق السلام والاستقرار لكافة شعوب المنطقة، ويفتح الباب لاندماج دولة إسرائيل مع محيطها الجغرافي.