مصطفى محمود
أمد/ في ظل الصراعات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالقارة الأفريقية، يزداد العنف وتنتشر الوحشية كالنار في الهشيم. صرخات مكتومة تطلق من أعماق القارة، صرخات لا تجد آذاناً صاغية، ولا عيوناً تبصر حجم المأساة.
تُعاني أفريقيا من مشكلة عميقة الجذور، مشكلة تُخفيها عتمة الظلم، وتُهمل أصوات ضحاياها. إنها مشكلة العنف، ذلك الوحش الذي يهدد حاضر القارة ومستقبلها.
في زمنٍ يُفترض فيه أن تكون الإنسانية هي العنوان الأبرز، تُطل علينا أفريقيا بواقعٍ مأساوي يدمي القلوب، واقعٌ يُغيب فيه الأمل تحت سُحب العنف والقتل. ففي كينيا، هزّت قضية مقتل 191 طفلاً على يد زعيم طائفة دينية و29 آخرين، الرأي العام العالمي، لتُسلّط الضوء على ظاهرةٍ مُخيفة تُصيب القارة السمراء، ظاهرة العنف المُتزايد ضد الأطفال.
جريمة بشعة هزت أرجاء العالم، وأثارت غضبًا عارمًا.وتشير المعلومات إلى أن زعيم الطائفة كان يُقنع أتباعه بأن الأطفال ملعونون، ويجب التخلص منهم.
ويثير الصمت الدولي تجاه هذه الجريمة الكثير من التساؤلات. فلو حدثت مثل هذه الجريمة في أوروبا أو أمريكا، لكان العالم قد اهتز من هولها، ولَتحركت جميع المنظمات الدولية للضغط على الحكومة الكينية لتقديم الجناة إلى العدالة.
ولكن لأن الضحايا هم أطفال أفارقة فقراء، ولأن الجريمةَ حدثت في بلد مُهمّش، فإن العالم يُفضّل الصمت والتغاضي عن هذهِ المأساة.
بينما تحاول بعض الجهات الاستثمار في هذا الحدث والإطاحة بالحكومة فلابد أن تكون هنالك محاسبة لجميع المتورطين في هذه الجريمة، دون استثناء، لضمان تحقيق العدالة ومنع تكرار مثل هذه الأحداث المأساوية في المستقبل،ولا يمكن السماح لهم باستغلال هذا الحدث المأساوي لتحقيق مصالح خاصة.
وعليه، فإنّ مسؤولية معالجة هذه المشكلة تتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة الكينية والمجتمع الدولي.
كما أننا جميعًا مسؤولون عن كسرِ حاجزِ الصمت والتحدث عن هذه الجريمة، والمطالبة بالعدالة للضحايا وعائلاتهم.
وتتعدد أسباب العنف ضد الأطفال في أفريقيا، بدءًا من الفقر المدقع، مرورًا بالصراعات والحروب، وصولًا إلى العادات والتقاليد المُجحفة التي تُشرّع للعنف وتُعزّز من ثقافة الصمت.
حيث تُعاني أفريقيا من مستويات مرتفعة من العنف، بدءًا من الصراعات القبلية، إلى الإرهاب، والعنف ضد المرأة، والعنف ضد الأطفال. ففي عام 2022، ارتفع عدد القتلى جراء عنف المتشددين الإسلاميين في أفريقيا بنسبة 50%.
ويتخذ العنف أشكالاً مختلفة في أفريقيا، سواء كان سياسياً أو دينياً أو قبلياً. إنها مشكلة معقدة يغذيها الفقر والفساد ونقص التعليم. وغالباً ما يكون الضحايا هم أفراد المجتمع الأكثر ضعفاً، بما في ذلك النساء والأطفال والأقليات. ويعاني الكثير منهم في صمت، دون أن يتحدث أحد باسمهم أو يدافع عن حقوقهم. ومما يزيد الوضع تعقيدًا حقيقة أن العديد من البلدان الأفريقية تفتقر إلى أنظمة فعالة لإنفاذ القانون والأنظمة القضائية.وهذا يعني أن مرتكبي العنف غالباً ما يفلتون من العقاب،وتستمر دائرة العنف، ويظل الضحايا منسيين. ومن الضروري أن نعالج قضية العنف في أفريقيا وأن نتخذ خطوات ملموسة لوضع حد لها. وهذا يتطلب نهجا متعدد الأوجه ويشمل ذلك التعليم، والحد من الفقر، والإصلاح السياسي، وتعزيز المؤسسات القانونية.
ولا يمكن حصرُ أسباب العنف في أفريقيا في سبب واحد، بل هي نتاج تراكمات تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية مُعقدة. فمن جهةٍ، خلّف الاستعمار ندوبًا عميقةً في القارة، حيثُ تَرَكَ حدودًا مُصطنعةً أدّت إلى صراعاتٍ عرقيةٍ وقبليةٍ، ناهيك عن نهب ثروات القارة وتعميقِ الفقرِ والتهميش.
ومن جهة أخرى، يفاقم الفساد والظلم الاجتماعي من مشاعرِ الغضب واليأس لدى السكانِ، مما يُشكل بيئة خصبً لانتشارِ العنف. كما أنّ ضعف مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على فرِض القانونِ يُشجعُ على تفشي الجرائم دون رادع.
ولا يصح أن نقف مكتوفي الأيدي أمام ما يحدث في أفريقيا.فالمسؤولية تقع على عاتقنا جميعًا، أفرادًا ومؤسسات ودولاً، للعمل على وقف العنف ومساعدة القارة السمراء على بناء مستقبلٍ أفضل.