أحمد عبدالوهاب
أمد/ صعب أن يقع الإنسان فريسة لصراعات، لم يكن طرفًا فيها، وإنما فُرضت عليه، وكان نتاجها دمار كامل لكافة مناحي الحياة، وهو الأمر الذي ينطبق فعليًا على سكان قطاع غزة، الذي وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها، مُحاصرين بآلات عسكرية، حولت القطاع إلى ساحة حرب دامية، دمرت الأخضر واليابس، ولم ترحم صغير ولا كبيرة.
سيظل 7 أكتوبر 2023، محفورًا في تاريخ «الغزيين»، لم يستطيعوا نسيانه أبد الدهر، فمنذ ذلك التاريخ يعاني سكان غزة من الويل والدمار، للشهر الرابع على التوالي، استشهد منهم أكثر 27 ألف مواطن فلسطيني، بخلاف آلاف الجرحى، ليس ذلك فحسب، بل دُمرت البنية التحتية للقطاع، وتهدمت المنازل والمستشفيات والمدارس على رأس من فيها، على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يرحم الضعفاء من النساء والأطفال والشيوخ، ووجه قذائفه وغاراته بلا شفقة ولا رحمة، بحجة استهداف عناصر «حماس».
الدمار الذي وقع في غزة، طال كافة مصادر الغذاء، من أسواق أو مخابز، وتحول القطاع إلى ما يشبه «مدينة الأشباح»، جراء مشاهد الدمار التي لحقت به، ولم يجد سكان القطاع سوى بعض ما تبقى من المدارس للاحتماء فيها، بينما لجأ البعض الآخر من النازحين للمخيمات، ينتظرون دورهم في الشهادة، فالموت في غزة، أصبح مُصاحب لكل القابعين في القطاع، من الممكن أن يأتي في أي لحظة، مع كل طلقة رصاص، أو قذيفة مدفع.
ما يحدث في قطاع غزة، أمرًا كارثيًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، خصوصًا مع تعنت جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يكتف بقتل الأبرياء بالأسلحة، بل يمارس أبشع الجرائم ضد الإنسانية، بمنح دخول الإمدادات والمساعدات، سواء كانت أغذية أو أدوية ومستلزمات طبية، بعد ما نفذت كافة المستلزمات، التي يحتاجها الأطباء والمسعفين، لعلاج الجرحى، وبعد مفاوضات مكثفة وجهود كبيرة، من جانب مصر وقطر، والعديد من الدول التي ترفض بشدة ما يقوم به جيش الاحتلال من جرائم بحق الفلسطينيين، وتطالب بوقف فوري لإطلاق النار، تتم إدخال بعض الشاحنات التي تحمل مساعدات، بعد إجراء تفتيش مكثف لها.
جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي، لم تتوقف عند هذا الحد، بل تحاول حكومة نتنياهو، فرض حصار شامل على قطاع غزة، وفجوئنا ببيان إسرائيلي، يتم وكالة «الأونروا»، الجهة المخصصة لاغاثة اللاجئين الفلسطينيين، والمتضريين من العدوان على غزة، بتوجيه اتهامات لبعض العاملين فيها، بضلوعهم في هجمات 7 أكتوبر، ودعت دولة الاحتلال حلفائها، بوقف تمويل الوكالة التابعة للأمم المتحدة، وبالفعل اتخذت الولايات المتحدة، وقرابة 12 دولة أخرى بوقف التمويل المخصص للأونروا، وهو الأمر الذي يزيد من معاناة الفلسطينيين.
وعلى الرغم من إجراء «الأونروا»، تحقيقات موسعة، فيما زعمت به إسرائيل، وتعهدت باتخاذ إجراء صارمة، ومحاسبة موظفيها، حال ثبوت الاتهام، إلا أن أمريكا وبعض الدول الغربية، أصروا على وقف تمويل الوكالة الأممية، وهو الأمر الذي يؤكد وجود نوايا خبيثة، لتضييق الخناق على أهل غزة، بحجة وقف أي مصادر تدعم حماس.
وإذا عدنا لتاريخ «الأونروا»، فنجد أنها الوكالة التابعة للأمم المتحدة المخصصة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى، وتأسست نتيجة النزاع العربي الإسرائيلي عام 1948 لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، وإيجاد فرص العمل لهم، وبدأت عملها بدأت فعليا عام 1950، ويتم تجديد مهامها بشكل دوري، وتقدم المساعدة والرعاية لحوالي خمسة ملايين لاجئ فلسطيني منتشرين في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة.
وتحصل الوكالة على الدعم المادي، عبر التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وتشمل خدمات الوكالة التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية، وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والقروض الصغيرة، والاستجابة لحالات الطوارئ في أوقات النزاع المسلح، لذلك ما فعلته الولايات المتحدة يؤثر سلبًا على الخدمات الحيوية التي تقدمها الوكالة في مجالات الصحة والتعليم والإغاثة، خاصة أنها تشكو منذ سنوات من عجز في الموازنة، الأمر الذي اضطرها إلى تقليص بعض خدماتها المقدمة للاجئين في غزة، ومناطق عملياتها الخمس.
وتشير تقديرات الوكالة الأممية ومنظمات حقوقية محلية ودولية، إلى أن مليوني فلسطيني اضطروا إلى النزوح عن منازلهم، إثر تهديدات إسرائيلية، ولجأ غالبيتهم إلى مدارس تابعة للأونروا التي تتحمل العبء الأكبر في تقديم المساعدات الإغاثية لهم ولباقي السكان والنازحين في المنازل والخيام، وقوبل قرار «الأونروا» بفسخ عقود 12 من موظفيها، برفض فلسطيني من جهات رسمية وأهلية، وأكدت السلطة الفلسطينية أن الوكالة بحاجة إلى الدعم وليس إلى وقف المساعدات، واتهمت إسرائيل بشن حملة تحريض لتصفية الوكالة، ولا تربط إسرائيل بأونروا علاقة جيدة، وسعت على مدار سنوات طويلة إلى تصفية وجودها بعرقلة عملها والتحريض ضدها.
وفي عام 2018، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى وضع اللاجئين الفلسطينيين تحت مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة وإنهاء وجود أونروا؛ إذ اعتبرها تعمل لصالح الفلسطينيين وتخلّد قضية اللاجئين، وخلال الحرب الحالية، أثارت «أونروا» غضب تل أبيب بسبب بيانات لها وتصريحات لمسؤولين فيها، تتهم الاحتلال بقصف أهداف مدنية بما فيها مدارسها ومراكز الإسعاف، وفي تصريح استفزازي يؤكد نوايا إسرائيل الخبيثة تجاه «الأونروا»، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، إن بلاده ستسعى إلى منع الأونروا من العمل في غزة بعد الحرب.
وتشارك أمريكا وحفائها، بعد قرار وقف تمويل الوكالة الأممية، في جريمة العقاب الجماعي، وحرب التجويع، وهو الأمر الذي يضع الولايات المتحدة، في خانة الانحياز والدعم الأعمى لمخططات الاحتلال السرية والمعلنة، لإنهاء دور أونروا وعملها، ويمس هذا القرار، بقدرة الأونروا على القيام بدورها في إغاثة سكان غزة الذين يعيشون في خضم أهوال الجوع والعطش والأمراض ومحدودية المساعدات، ويعتمدون بدرجة أساسية على مساعداتها في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل وحرب الإبادة الجماعية.
قرار وقف المساعدات عن الأونروا، ما هو إلا وسيلة يضغط بها الاحتلال الإسرائيلي، والحليف الرئيسي والراعي الرسمي لجرائمه «الولايات المتحدة»، للضغط على «حماس»، دون النظر إلى حجم المسألة والمعاناة، التي يتجرعها ما تبقى من سكان قطاع غزة، فأمريكا تضرب بعرض الحائط، كافة المواثيق والأعراف الدولية، بصمتها أمام الانتهاكات التي يتعرض لها «الغزيين»، ودعمها وفرض سيطرتها، على منطقة الشرق الأوسط، بل تستخدم نفوذها تجاه المصدر الرئيسي للإغاثة من الهلاك والدمار، وتحاول عرقلة الإنسانية بمخطط الاحتلال، لوقف عمل «الأونروا»، وهو الأمر الذي يتطلب تدخل عاجل وفوري من جانب كافة الأطراف، للتصدي لما تخطط له إسرائيل، فلابد من توفير الدعم الكامل للأونروا، للقيام بدورها الإنساني في غزة.