أمد/ انها رفح الحلقة الاخيرة.. دائما تسير المعارك التاريخية الفاصلة الى نقطة حاسمة، هكذا كان في ديان بيان فو وستالينجراد واضراب الجزائر الكبير.. وفي التاريخ البعيد كذلك القادسية واليرموك وحطين وزلاقة.. يصعب التكهن بنتيجة الاحتدام وتتعادل الصعوبات فيجيء الاختراق بمزيد الصبر والاصرار فينهار احد الطرفين ليسجل الاخر انتصارا مدويا..
ماذا تريد العصابات الصهيونية:
عند مناقشة الموقف في الجانب المعادي ينبغي عدم اغفال ما يسري في التجمعات الصهيونية من حجم القلق والشك في القدرة على الاستمرار في الوجود وما استقر في وجدان الجيش الصهيوني عن عدم قدرته على تجنب اخطار حقيقية في منطقة ترفض قبولهم، وكذلك فقدان الجيش الصهيوني ما تمتع به طويلا من دعاية انه الجيش الذي لايقهر ففقد بذلك امتيازات ضرورية للعصابات الصهيونية كي تفرد نفوذها في المنطقة العربية من خلال جر الانظمة الى تحالفات امنية لحماية وجود الانظمة وفي هذه العملية يتم تخريب المجتمعات العربية وتمزيقها وتحويل اقتصادياتها الى حقل غنائم للمشاريع الصهيونية..
ينبغي ادرك حجم النكبة التي اصابت عزيمة الكيان الصهيوني وضربت بعمق في مفاصله.. وينبغي أن لا يصرفنا الالم الذي يحل بنا جراء القصف والتدمير والتخريب عن ادراك ما عليه حال العدو الذي فقد كل لياقته وقدرته على ادارة المعركة لدرجة انه يمعن في فرض العزلة على نفسه وقد خلع عنه جلد الضحية واضطر لاظهار جوهر الصهيوينة انها حركة عنصرية تمارس التطهير العنصري وارتكاب كل ماهو محرم دوليا وانسانيا..
من هنا نستطيع تفسير الموقف المضطرب لقادة العصابات الصهيونية انهم من جهة يريدون ايقاف النزيف المستمر لهيبتهم وقوتهم وايقاف الانهيار الذي يدفع مئات الالاف منهم الى الهجرة وتحويل نصف مليون الى مراكز الايواء ومن جهة اخرى هم يخشون من اليوم التالي ان توقف عدوانهم فلقد تعود المقاومة بخبراتها وتطورها الى الوصول الى حالة تهديد كامل لما تبقى في قوتهم..
سيظل يوم 7 اكتوبر حاملا بقوة سيفه على رأس الكيان الصهيوني وكما كان 6 اكتوبر رغم ان ايامه لم تزد عن 12 دافعا قويا لاستسلام الكيان الصهيوني بالتنازل عن سيناء كاملة للجانب المصري.. وسيكون يوم 7 اكتوبر المستمر عبر خمسة اشهر قاسية كافيا لاعادة السردية الى اصولها واسكان الهزيمة بكل معانيها في قلب الكيان الصهيوني واضطراره الى اعادة افكاره وعدم تغييب احتمال الرحيل القريب عن فلسطين..
مهما كانت نتائج الحرب الممتدة على ارض قطاع غزة فان قادة العدو الصهيوني لن يتمكنوا من ترميم صورة الجيش المهزوم ولا صورة الكيان العنصري مجرم الحرب.. ولن يستطيع أحد في الكيان الصهيوني تغافل لحظة عن خطر يتجدد وبتطور مشهود وكبير سياتي من قبل الشعب الفلسطيني وان اي قراءة لتطور نمط المواجهات بين الشعب الفلسطيني والعصابات الصهيونية يكشف بوضوح ان الزمن لصالح الفلسطينيين الذين وصلت طريقة كفاحهم الى درجة مدهشة لم يتوقعها احد استمرت 5 اشهر رغم الفارق الكبير في السلاح والعدد.
من هنا بالضبط يجب فهم ماذا تريد قيادة العصابات الصهيونية في هذه الاثناء حيث يتم الحديث عن صفقة تهدئة.. حيث ان الامر واضح بان الخروج من المشهد بصفقة مهما كان شكلها انما هو هزيمة صهيونية حقيقية في الميدان امام المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني.. هزيمة تضاف الى عشرات الهزائم على جبهات اخرى اقتصادية وثقافية ومعنوية واعلامية واجتماعية.. هزائم تحققت بغض النظر عن نتيجة الصدام الميداني والذي تقوم المقاومة بمنهجية تجعل من نخبة الجيش الصهيوني مجال مضحكة امام الخبراء والمتابعين.
تحاول قيادة العصابات الصهيونية الخروج من المشهد بانتصار اعلامي تحاول من خلاله التغطية على جملة الكوارث التي لحقت بها، ومن هنا كان ترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة بشكل كامل هو المكافيء الوحيد لدى قادة الكيان الصهيوني لما لحق بهم جراء 7 اكتوبر.
صحيح انه لايهم قادة العصابات الصهيونية ما يصدر عن مواقف وقرارات دولية وصحيح انها اصبحت في غير وارد الالتفات باي اهتمام للمناشدات الدولية، ولكن هذا الى حين فان تصاعد الموقف الدولي يصل الان ذروته وان اختلافات حقيقية اصبحت واضحة بين صناع القرار في الغرب وامريكا منه والمواقف الصهيونية بل لعل بعض المواقف الغربية تقدم خطوات اكثر لردع المجرمين الصهاينة.. وهنا لن تستطيع القيادة الصهيونية المبعثرة والحاقدة ان تتخذ قرارا متوازنا يحفظ لها بقية القدرة على الخروج باقل الخسائر..
وصل القرار الصهيوني السياسي والعسكري على حدود مدينة رفح بكم السكان الكبير المحتشد فيها.. وتصاعدت التصريحات الصهيونية لضرورة اجتياح رفح وتدمير اخر معاقل المقاومة الفلسطينية.. ولا يمكن تصور ان قادة الجيش الصهيوني غافلين عن عدم صدقية هذه التقديرات لان المقاومة لم تنته في شمال غزة ولا في غزة ولا وفي المعسكرات الوسطى ولا في خانيونس ، ويوميا تلحق المقاومة بالضباط والجنود والاليات الصهيونية خسائر فادحة.. وهذا يكشف ان قيادة العصابات الصهيونية يبحثون عن انتصار اعلامي بانهم دخلوا اخر مدينة في قطاع غزة وهم يعرفون ان مصير قواتهم في اجتياح رفح لن يكون احسن من مصيرهم في خانيونس وغزة والمعسكرات الوسطى.. ومن هنا يجتمع الحقد والجريمة مع الغباء والرعونة لتكون النتيجة اثقل بكثير على المؤسسات الصهيونية مجتمعة” ويمدهم في طغيانهم يعمهون”.
الموقف العربي والدولي:
رفح المحاصرة من شرقها وشمالها وغربها بقوات العدو ومن جنوبها بجدار محكم على حدودها مع مصر ورفح بما يحتشد فيها بأكثر من نصف قطاع غزة لها تجارب عديدة في معارك مواجهة مع العدو اوقعت في نفسه مرارات لا تمحى.. ولقد سبق للرئيس ياسر عرفات ان اطلق عليها في انتفاضة الاقصى لقب “رفحقراد”..
يدرك قادة العصابات الصهيونية انهم سيواجهون انواع من المقاومة الجنونية وان كتائب المقاومة الاربعة لديها من الاقتدار والاعداد ما لن يجعل المواجهات الا واحدة من اخطر المواجهات التي قد تقرر مصير الحرب بشكل نهائي..
هذا يعرفه الشعب الفلسطيني والصهاينة.. وكذلك فان هناك مفارقة عجيبة ان المواجهات في رفح على الطريقة الصهيونية المعمول بها في شمال غزة وغزة والمعسكرات الوسطى سيكون لها نتيجة صارخة اكثر من كل اللواتي سبقت حيث سيكون عدد الشهداء والجرحى والدمار فوق اي تخيل.. وهنا سيدخل العدو في مربع جديد انه سيل الدم الذي سيجرفه حتما.. ولهذا هو يحاول اقتراح سبل اجلاء للسكان في غزة كلها عقيمة وليست واقعية.
ان هذا التهديد زود جرعات اليقظة في العالم لطبيعة الحركة الصهيونية واستثار الجميع في العالم حتى الدول العربية المطبعة معه او التي في طريق التطبيع الى الاستنكار والرفض وحشد الموقف ضد اي عمل عسكري لاجتياح رفح.. بل ان الامر بلغ سابقة غير معهودة في العصر الحالي ببروز اختلافات قوية بين البيت الابيض والعصابات الصهيونية بلغ درجة التحذير العلني لاي عمل عسكري يستهدف رفح.. وعلى الصعيد الاوربي ادلى مسؤولو الاتحاد الاوربي ورؤساء وزراء كثير من الدول الاوربية بتصريحات واضحة وقوية تتصدى للتصريحات الصهيونية.
الموقف الدولي والعربي الرسمي جميعه يعلن برفض اي عملية عسكرية في رفح، وهنا يكون التحدي الكبير الذي يعني اننا نسير الى اللحظة الحاسمة التي ستحدد مصير المواجهات الدائرة.
بعيدا عن التصريحات والتهديدات:
ليس مستبعدا على قيادة العصابات الصهيونية فعل اي منكر، وكل شيء وارد ويجب اخذ الحيطة تجاهه ولاتهتم باي عدد ضحايا فلقد بلغ شهداء قطاع غزة وجرحاها حتى اللحظة مايقترب من 100 ألف بالاضافة الى تدمير واسع للاحياء السكنية.. ولكنها تدرك أن هذا الضغط على رفح قد ولد لها مشكلات لن تستطيع تجاوزها في المستقبل القريب وهي تدرك ان مغامرة اجتياح رفح تعني الورقة الاخيرة لها للخروج تماما من دائرة المسيرة الدولية.. ولذا ليس مستبعدا انها تلعب بهذه الورقة من اجل تخفيض شروط المقاومة في المفاوضات الى ابعد مدى..
وهنا سيكتشف الصهاينة انهم يعبثون بالوقت ويعبثون بمصيرهم فلقد وطن الفلسطينيون انفسهم على الصمود ولن يتنازلوا في المفاوضات مالم يتنازلوا عنه في المواجهات.. وصحيح ان ابناءهم اعزاء على قلوبهم وانهم مجتمع حميمي متماسك ولكنهم من اجل فلسطين يسترخصون التضحيات وليكتب الله ماشاء فهذه ايام الذروة في المواجهة حيث نقترب من الفرج الالهي والله غالب على امره