حسام خضرا
أمد/ لا شك أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أزالت القناع الذي لم يكن موجوداً منذ البداية، لكننا كفلسطينيين كنا نفضل أن نعيش حياة المكفوفين طوال الوقت لتفادي أي اصطدام بالواقع السيء الذي فرضه علينا جيراننا العرب بضعفهم وهوانهم، كما فرضه علينا من أدخلنا إلى عش الدبابير مكشوفي الأيدي والرؤوس دون أدنى إحساس بالمسؤولية وانفصال تام عن الواقع.
لا أفضل عادة الحديث عن الجرائم الإسرائيلية فإسرائيل في بداية الأمر ونهايته عدو مكشوف أمامنا ولا يتوقع الإنسان من عدوه أن يلقيه بالورود، لكن الحديث يجدر أن يكون عن حلول واقعية للحالة العبثية التي أفقدت الفلسطينيين في قطاع غزة جزءاً كبيراً من آدميتهم وكرامتهم، وما يضيرني كفلسطيني عشت ونشأت في تلك المدينة أن إدراكي القاصر لم يتوصل حتى الآن إلى سبب مقنع يدعو إلى استمرار هذه الحرب وعدم الوصول إلى صفقة ولو مؤقتة لحقن دماء الفلسطينيين، فما أراه واقعاً أمامي أن الصفقة التي يمكن توقيعها اليوم هي ذاتها التي سيتم توقيعها بعد عام إذا استمرت الحرب، ولن يكون لدينا سوى آلاف كثيرة من الشهداء والمبتورين والأيتام والأرامل والمشردين وأضف إلى جانب ذلك كل أنواع النكبات.
إن المعنى اللغوي لكلمة المقاومة هو الصمود في وجه القوة التي يمكن أن يواجهها الإنسان، وليصل الإنسان إلى مرحلة الصمود يجب أن تتوفر لديه أدنى المقومات الأساسية التي تمنحه الاستمرارية دون الميل إلى خلط الأوراق بالقصص الدينية لرسول الله وصحابته الكرام، فمن يطلب من الفلسطينيين أن يتشبهوا بالصحابة عليه أن يكون رسولاً في سلوكه لا أن يترك شعباً كاملاً في مهب الريح مرهوناً بخطابات عنترية لا تعطي أفقاً سياسياً واضحاً لما أصبحت عليه الحالة الفلسطينية.
وإن حدثتني عن حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه فهذا حق غير قابل للنقاش، لكن كيف لجائع وخائف ومريض ومصاب ومبتلى بهدم منزله وفقدان عائلته أن يقوى على الدفاع عن نفسه بعد كل هذا الانكسار، كيف لعزيز في قومه بات يتسول لقمة الخبز لأطفاله أن يقوى على الحراك، وكيف لفتاة خضعت لابتزاز أحد المسؤولين عن توزيع المساعدات أن تقوى على الدفاع عن نفسها ضد محتل غاصب، وكيف لطفل يرتجف من شدة البرد يجلس دون عناق من أمه التي فقدها بالقصف أن يقوى على عيش حياة طبيعية، وكيف للص سرق الأغذية والخيام المجانية وباعها في مزادات العار أن يكون ذا منصب وسيادة وربما يصبح صاحب سلطة ونفوذ في المستقبل، فهذا عهدنا مع قضيتنا أن تفرز لنا أولئك الذين يعانون من أمراض نفسية وعصبية ليكونوا قادة ويرسموا بريشتهم مستقبل أمتنا.
إن كل هذا الغضب الذي بداخلي ما هو إلا في سبيل الإنسان لتجنب المزيد من فقدان الأحبة، فلكل شهيد حلم وزوجة وأطفال وعائلة، ولكل مبتور صولات وجولات لن يراها بعد الآن، وإن كانت هناك ذرة من عقل لدى صناع القرار فإنه من الواجب تجنيب شعب غزة ويلات هذه الحرب التي لم ينجو منها أحد ..