منجد صالح
أمد/ قفزت مدينة رفح الفلسطينية في اقصى جنوب قطاع غزة إلى واجهة الأحداث والصحف والمجلات وشاشات التلفاز، واصبحت الشغل الشاغل للمحللين العسكريين والسياسيين والصحفيين وربما لرجل الشارع والدواوين وحلقات وتحلقات السواليف والدردشة ،
“ما اشبه اليوم بالبارحة”، بالامس عام 1982 كانت بيروت خيمة الثورة الاخيرة، انتقلت بعدها “مضارب القبيلة” إلى ارض الوطن بدلا من الشتات،
وعادت الطيور المهاجرة إلى اعشاشها الاولى، إلى اغصان اشجارها الاصلية، تبحث عن وطن مسلوب مغتصب، تبحث عن ماضٍ وحاضرٍ ومستقبل بين ثنايا نباتات القصب، تبحث عن الراية تتلقّفها قبضات الغضب.
هناك قوّة جهنّمية مهيمنة تُريد من الفلسطيني أن يكون لاجئا في الشتات، وان يكون لاجئا في الوطن، هائم على وجهه لا تُغرّد بلابله على فنن، لكن الشعب الفلسطيني شعب حيّ قوي الشكيمة ذو حقٍ، عصي على الكسر والفتن والمحن، يُبدع في ايّ ارض تطأها اقدامه.
فقد ساعد بفخر واعتزاز في بناء دول الخليج العربي ونهضتها وتطورها التعليمي والحضاري، وانتج جاليات مبدعة ناجحة في التشيلي والبيرو وهندوراس والسلفادور والبرازيل، وفي الوطن، بعد بعض العودة، حاول ويحاول الشعب الفلسطيني بناء نفسه ودولته وكيانه مثله مثل شعوب هذه المعمورة.
لكن يد الشرّ والقوى الخفية والمستترة والواضحة في هذا الشرق وهذا العالم تضع سدّا امام تطلّعات شعبنا ورغبته في السير بركب الحضارة العالمية الانسانيّة، قال محمود درويش في رائعته “مديح الظل العالي” حول حصار بيروت عام 1982 “لا راية بيضاء في بيروت”،
ونخاله ونتخيّله يقول الآن “لا راية بيضاء في غزّة، لا راية بيضاء في رفح، لا راية بيضاء في جنين”، بيروت كانت خيمتنا الاخيرة يا درويش فهل ستكون رفح متراسنا الاخير؟؟!!،
تتهيّأ آلاف الغربان السود الحديدية الممهورة بنجمة داوود السداسية للانقضاض على مدينة رفح من الجو، متزامنة مع زحف ارتال الميركافا والعربات المصفحة والجرافات الضخمة للتسرب من وفي مسامات المدينة الصغيرة، “المدبوزة” عن بكرة ابيها بالنازحين والمواطنين والمدنيين،
يقدّر وجود حوالي مليون ونصف مليون انسان فلسطيني في هذا العراء المُريب، سيكونون تحت “رحمة”، بل وطأة الصواريخ والقذائف والرصاص،
أين المفرّ؟؟؟!!!
هي خطة محبوكة محكمة لقتل الفلسطينيين وتهجيرهم ، تطبيقا لصفقة القرن، التي ما زالت ماثلة باشكال متعددة، لكنها لم تُزل في يوم من الايام عن الطاولة،
امريكا متواطئة في مخطط الابادة ضد الشعب الفلسطيني، بل اكثر من ذلك، امريكا هي التي تقود هذا المخطط من أجل “عيون اسرائيل”، بالرغم من تصريحاتها المُداهنة والمنافقة والكذابة وضحكها على ذقون العرب حلفائها واصدقائها واصدقاء ابنتها اسرائيل،
هل نقول يا وحدنا، لنا الله،
دول عربية محيطة وقريبة وبعيدة تملك جيوشا جرّارة وجنرالات تتزاحم الاوسمة والنياشين على صدورهم واكتافهم وبالكاد يتحدّثون عن ادخال شحنة مساعدات طبيّة لمستشفيات غزة، التي تنوء وتئن بالجرحى والمصابين،
بايدن والغرب الاوروبي المنافق يتحدّثون عن خفض عدد المدنيين الفلسطينيين القتلى نتيجة العدوان الاسرائيلي لاكثر من مئة يوم،
منذ متى يتم الحديث عن خفض عدد المدنيين القتلى في القوانين والاعراف الانسانية وقوانين الحروب، ان اعتبرنا ما يجري في غزة حربا،
الكلام يجب ان يكون عن الامتناع التام والحظر الكامل عن ايقاع اصابات في صفوف المدنيين، وليس تقليل عددهم!!،
كافة الدلائل والتقديرات والتقييمات والتوقعات والاستنتاجات والاشارات تقول وتُشير إلى ان رفح الفلسطينية مقبلة عل مجزرتين كبيرتين نتيجة اقتحام جيش الاحتلال لها،
مجزرة من القتل والاصابات التي لا يمكن التكهّن بضخامتها حاليا وذلك نظرا للكتلة البشرية الهائلة في مربع صغير،
والمجزرة الثانية هي مجزرة التهجير القسري تحت دوي القنابل وازيز الرصاص،
هل ينفع وقتها ان يتحدّث العرب عن كم علبة دواء وكم كيس طحين يمكن تدبيرها وارسالها لمن يتبقّى في رفح او لمن تقطّعت به السبل في صحراء سيناء؟؟!!
بيروت كانت خيمتنا الاخيرة عام 1982 فهل ستكون رفح متراسنا الاخير عام 2024؟؟!!
الله وحده سبحانه وتعالى يعلم،
وان اكثر الناس لا يعلمون.