عمر حلمي الغول
أمد/ من اخطر الظواهر الاجتماعية والأمنية في أي مجتمع الفلتان الأمني، وأخذ القانون باليد، والفوضى وغياب القانون بغض النظر عن طبيعة المجتمع والنظام السياسي، او حتى في ظل الكفاح التحرري والنضال من أجل الاستقلال السياسي، إن لم يضبط السلاح، وتنظم حياة المواطنين وفق معايير دستورية او وفق قانون الثورة فإن المجتمع ماض الى التفتت والتشرذم وتسيد قانون الغاب.
ومن يعود للخلف قليلا لزمن الثورة وظاهرتها العلنية في عواصم الشتات العربية يستطيع ان يتذكر جيدا “قانون غابة البنادق”، الذي نظم حياة فصائل العمل الوطني مع المجتمع الفلسطيني وتعقيدات المجتمعات العربية، حيث كانت قيادة الثورة ومنظمة التحرير تعمل وفق ركائز وقوانين الثورة وحماية المجتمع والاهداف الوطنية، ولم تسمح نهائيا بالفلتان وأخذ القانون باليد، وكانت هناك محاكم ثورية تحاكم أي انسان خارج على القانون، او تتعاون بشكل مباشر او غير مباشر مع محاكم الدول الشقيقة في الحالات المتشابكة.
ونحن نواجه حرب الإبادة الجماعية في عموم الوطن الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة منذ 129 يوما مضت، وقبلها حاولت بعض المجموعات، التي تدعي مواجهة الاحتلال وقطعان المستعمرين والدفاع عن الثورة ومصالح الشعب التمرد على القانون العام، واستباحة حقوق ومصالح الوطن والمواطن، متجاهلة تلك الضوابط، وسعت للتطاول على أجهزة الامن الفلسطينية، وقامت بعملية تحريض وتخوين وتكفير واستنزاف أمن ووحدة الشعب والنظام السياسي الفلسطيني غير أبهة بالأهداف الوطنية، كما حدث على سبيل المثال لا الحصر في قبر يوسف في مدينة نابلس اول امس السبت 10 فبراير الحالي بالاعتداء على منتسبي جهاز الشرطة، وسعت لفرض منطقها المخل بالمعايير الوطنية، والهادف لنشر الفوضى. كما قامت عصابة من القدس في ذات التاريخ واليوم باغتيال احد المواطنين في مدينة البيرة بالقرب من بكدار في وضح النهار، وغيرها من الخطايا في محافظات الشمال والوسط والجنوب على حد سواء.
أضف الى ان هناك عمليات قتل واعتداء على المواطنين وابتزازهم في محافظات غزة، وسرقة المساعدات الإنسانية والمتاجرة بها، وارتكاب موبقات غير مشروعة ومرفوضة متناقضة مع القيم الوطنية نفذتها شرطة حركة حماس ومنتسبيها، وفرض سياسة تكميم الافواه، والتعدي على كل مواطن ينتقد الأخطاء والنواقص ومظاهر الفساد المعلنة.
مجمل هذه وتلك من الظواهر المخلة بمصالح الشعب في زمن الحرب الصهيو أميركية تصب من حيث يدري او لا يدري القائمون بها في مصلحة الأعداء، وضد حقوق المواطنين الفلسطينيين. الأمر الذي يستدعي من الجميع في المحافظات كافة إعلاء مكانة القانون والقيم والمصالح الوطنية على أي اعتبار آخر، ومطلوب لجم كل النزعات الفردية، وأخذ القانون باليد، والابتعاد كليا عن مظاهر الفلتان ووقف التحريض والتخوين والتكفير، والعمل على رص الصفوف لتعزيز عوامل الوحدة والصمود والدفاع الحقيقي عن الشعب وأهدافه الوطنية، ونبذ الفرقة ومنطق الثارات والسياسات الجهوية والعشائرية والفساد الإداري والمالي والأمني والأخلاقي، والالتزام بالقانون العام، وحماية النظام السياسي الفلسطيني من التآكل، لان هذا هو هدف حكومة الحرب الإسرائيلية ومن يقف خلفها.
وفي المقابل على أجهزة أمن الدولة الفلسطينية تعزيز دورها ومكانتها في أوساط الشارع في محافظات الشمال والوسط والجنوب على حد سواء، ومواجهة مرتكبي الجرائم بغض النظر عن خلفياتهم القبلية والعشائرية والجهوية والسياسية بحزم ودون تلكؤ او تردد، وملاحقتهم وفق القانون والمعايير الوطنية لصون السلم الأهلي. ورفع حالة التأهب والاستنفار لترسيخ قواعد النظام والقانون، وتأمين سلامة المواطن من الظواهر الخطيرة المهددة للمجتمع الفلسطيني.
وفي محافظات الجنوب الغزية، على من يمارس الإساءة للمواطنين المنكوبين بحرب الإبادة الجماعية، والنازحين من الشمال للجنوب الذين فقدوا مصادر الرزق والعيش الكريم، والباحثون عن لقمة خبز او مواد غذائية أو خيمة تأوي عائلاتهم، التوقف فورا عن تلك الاساءات والخطايا، وتوزيع المساعدات وفق المعايير المقبولة بما يؤمن صمود المواطنين لتعزيز بقاءهم وثباتهم على ارض الوطن، وقطع الطريق على عمليات التهجير القسري، وللتخفيف من آلامهم وأحزانهم وفقدهم للعشرات من أبنائهم وذويهم، والتصدي المشترك مع أبناء الشعب عموما لتلك الاخطار.
الشعب العربي الفلسطيني احوج ما يكون الآن الى الوحدة والتماسك وصيانة السلم الأهلي في المحافظات كافة، وهذا احد اهم عوامل القوة والمناعة الفلسطينية. فهل يدرك الكل الوطني هذه الضرورة؟ آمل ذلك.