عائد زقوت
أمد/ في الأثناء التي تعلن فيها إسرائيل عن اعتزامها توسيع نطاق عملها العسكري وصولًا لمدينة رفح التي تحوي على أكبر تجمّع لكتلة بشريّة في أصقاع الأرض حيث يوجد فيها حوالي نصف سكان قطاع غزة بمساحتها التي لا تتجاوز الستين كيلو متر مربع ، وكذلك بحكم الجغرافيا السياسية حيث تقع على الحدود مع مصر.
هذان الأمران أعطيا أهمية بالغة للتوغّل الاسرائيلي لرفح بما تحملُه هذه الخطوة من تداعيات خطيرة على العلاقات المصرية الاسرائيلية المرتبطة بعمليّة السلام بينهما التي رسمت خطوط التماس الحدودية بين البلدين وتحديدًا محور صلاح الدين فيلادلفيا باعتبار أنّ إسرائيل هي الدولة القائمة بالاحتلال للجهة الفلسطينية من الحدود وفق القانون الدولي ، وحددت طبيعة التواجد الأمني في المنطقة المصنفة (د) بحيث حددت الاتفاقية أعداد القوات المسموح بها، وطبيعة العتاد العسكري بحيث لا يشمل معدات ثقيلة، ثم أتبع ذلك اتفاقية المعابر بعد الانسحاب الاسرائيلي الأحادي من غزة عام 2005 الذي وضع ترتيبات أخرى غير مرتبطة باتفاقية كامب ديفيد وملحقاتها الأمنية، والتي أتاحت زيادة في أعداد الشرطة المصرية وقوات حرس الحدود لضمان الأمن والاستقرار في منطقة الحدود، وتنظيم مرور الفلسطينيين عبر المنفذ الحدودي بمشاركة الشرطة الأوروبية، هذه الترتيبات لا تسمح لإسرائيل بعمليات عسكرية واسعة النطاق في محور صلاح الدين استنادًا على الاتفاقيات بين الجانبين ، ومن جهة أخرى التخوّف المصري لما قد يترتّب على العمليات العسكرية من تنفيذ خطة التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء المعلنة على لسان أكثر من مسؤول اسرائيلي رسمي، وأثرها على الأمن القومي المصري، وتقويض القضية الفلسطينية.
على الرغم من التخوّفات المصرية والنصائح الأميركية لإسرائيل من مغبّة العملية العسكرية، إلا أن التصاعد السريع في وتيرة العمليات العسكرية في كافة أنحاء قطاع غزة وخصوصًا عملية تحرير الأسيرين في رفح تُنذر بأن الحرب وصلت إلى مرحلة اللّا عودة، وأصبح دخول رفح لا ريب فيه، وتنتظر وضع مخرجًا للتخوفات المصرية بمنع اندفاع الفلسطينيين قسرًا تحت حِمَام الموت إلى سيناء وتقويض القضية الفلسطينية وتصفيتها.
يحاول التحالف الإسرو أميركي تجميل القتل والتشريد بإظهار الحرص على تجنب قتل المدنيين، والانشغال في البحث عن وسائل لطمأنة مصر والمجتمع الدولي بإتاحة الفرصة للفلسطينيين النازحين في رفح بالخروج عبر ممرات آمنة إلى مراكز الإيواء المُزمع إقامتها على ساحل قطاع غزة تبدأ من مواصي رفح حتى المنطقة الفاصلة بين شمال غزة وجنوبه تحديدًا منطقة الشيخ عجلين؛ بالإضافة إلى غلق المعبر التجاري مع الحدود المصرية، وتحويله إلى الحدود الشرقية للقطاع المعروف بكارني، علاوةً على نقل معبر الأفراد من مكانه الحالي إلى منطقة كرم أبو سالم وبهذا يتم الإطباق على غزة.
التفكير بشكل مقلوب للأهداف الاسرائيلية الاستراتيجية للحرب في غزة وهو إفراغ غزة من سكانها، فإن السيناريو المطروح لإقامة مراكز الإيواء بظروفها القاسية والصعبة؛ سيفتح المجال أمام الهجرة القسرية عبر الممر المائي بين اسرائيل وقبرص، وهذا ما يؤكدّه إصرار نتنياهو على دخول رفح متذرّعًا بحجج وأكاذيب واهية ومرفوضة.
إصرار نتنياهو على استمرار الحرب يرتبط بشكل وثيق بمجموعة من المبررات أهمها استطلاعات الرأي التي تشير إلى رغبة الشعب في استمرار الحرب بنسب عالية ومتزايدة على الرغم من مرور خمسة أشهر عليها ، بالإضافة إلى استثماره رفض حركة حماس للهدنة وفق اتفاق إطار باريس.
المطلوب لإسقاط الموت ووقف إطلاق النار مبدئيًا، وضع نهاية لتساقط القضية الفلسطينية، لا بد من مضاعفة الجهود من كافة الأطراف، وأولها الشقيقة مصر باتخاذ كل ما يلزم من إجراءات عملية ودبلوماسية لإحباط المخططات الاسرائيلية مدعومة بالدول العربية الوازنة والفاعلة، وذلك ليس بحكم الجغرافيا بل لأن الدور المصري حقيقة تاريخية في المنطقة، وثانيها ينبغي على من يديرون المعركة وإعمالًا بمبدأ إسقاط المحمول بإسقاط الحامل أن تعمل على تهيئة الظروف لتسجيل لحظة انتصار للشعب الفلسطيني بسحب كافة الذرائع لاستمرار الحرب والانخراط بهدنة جزئية، عشيّة انعقاد اجتماع القاهرة غدًا والذي سيحدد مسارات الحرب، وكذا استثمار التصريحات الإيجابية التي أدلى بها وزير الخارجية الإيراني التي أفادت بأن إيران ستبذل قصارى جهدها لوقف الإبادة الجماعية وفتح المعابر، وثالثهما مسارعة منظمة التحرير الفلسطينية لعقد لجنتها التنفيذية والإعلان عن برنامج عمل سياسي ومدني طارئ وفي مقدمته تشكيل حكومة جديدة تحظى بتوافق فلسطيني ينبثق عنها لجنة تدير شؤون غزة برقابة دولية لو تطلب الأمر ذلك.
كلام في سركم : الكل الفلسطيني يرتقب في كل لحظة خبر احتضار الحرب، بعد أن بلغ الموت مبلغه متخطيًا المائة ألف بين شهيد وجريح.