أحمد عبد الوهاب
أمد/ «محدش يجرب مصر».. عبارة قوية وواضحة قالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في العديد من اللقاءات الرسمية، وهي أيضا رسالة مباشرة موجهة لدولة الاحتلال الإسرائيلي،تعبر فيها مصر عن رفضها التام لكافة الممارسات والانتهاكات اللا إنسانية، التي يقوم بها جيش الاحتلال تجاه الفلسطينيين في غزة، ومحاولة «نتنياهو» تهيئة الرأي العام العالمي، لاجتياح «رفح» رغم التحذيرات المصرية الحازمة .
من يقرأ المشهد، منذ بداية العدوان على غزة في 7 أكتوبر، يرى أن جيش الاحتلال حاول استغلال الفرصة، ليس من أجل الرد والانتقام من «حماس»، لإعادة حق المستوطنين الإسرائيليين، بل لتصفية القضية الفلسطينية برمتها، وتهجير أصحاب الأرض، ومحاولة الضغط من كافة الاتجاهات، لتوطين الفلسطينيين في سيناء، وهو الأمر الذي قوبل بعاصفة من الرفض التام من الجانب المصري والعالم أجمع، وأيضًا رصخت أمريكا، التي كانت تؤيد المخطط الإسرائيلي الخبيث، وأعلنت في تصريحات لمسؤوليها، تأييد رفض فكرة التهجير القسري.
ويشهد التاريخ، أن مصر من أوائل وأكثر الدول، الداعمة والمدافعة عن القضية الفلسطينية، ودائمًا تكون القاهرة هي نقطة التقاء الأطراف للتوصل للتهدئة، بالإضافة إلى جهودها الدبلوماسية، لمحاولة إيجاد حل عادل للقضية، والمناداة دائمًا بأن حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، هو السبيل التي تسعى مصر لتحقيق، منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي وحتى الآن، ولا يمكن لأحد أن يغفل الجهود المضنية التي بذلها الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ توليه الحكم، فطالما تصدرت مصر المشهد، وتبنت عمليات إعادة إعمار غزة، في كل الهجمات الوحشية التي تعرض لها القطاع، وحتى المرحلة الحالية الأسوأ في التاريخ، التي تشهد دمارًا شاملًا للبنية التحتية، ورغم ذلك أبدت مصر استعدادها في المشاركة لإعادة إعمار غزة، وهو الأمر الذي تصدر مباحثات الرئيس السيسي ونظيره التركي «أردوغان»، الذي أبدى الاستعداد للتعاون مع مصر في إعادة الإعمار.
وردت مصر بقوة على الخطة التي أعلنها رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بالغزو العسكري لمدينة رفح الفلسطينية، بحجة ملاحقة «كتائب حماس»، الأمر الذي دفع مصر، بالتلويح بتعليق التزاماتها بمعاهدة السلام مع إسرائيل، التي تمثل حجر الزاوية في الاستقرار بين البلدين، منذ ما يقرب من نصف قرن، وتخشى مصر تدفقا جماعيا لمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين قد لا يسمح لهم بالعودة أبدا، بينما حذرت جماعات إغاثية من أن الهجوم الإسرائيلي سيؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني الكارثي بالفعل.
وتتضمن المعاهدة بنود عدة تحكم نشر القوات على جانبي الحدود، وحصنت مصر حدودها مع غزة بشكل كبير، إذ أقامت منطقة عازلة بطول 5 كيلومترات، وجدرانا خرسانية فوق وتحت الأرض، لذلك معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، المبرمة في مارس 1979، هي الصك الدولي الوحيد الذي ينهي حالة الحرب ويرسي حالة السلم بين الدولتين المتحاربتين السابقتين، مصر وإسرائيل، وليست اتفاقات عادية تحقق بها الدول منافع اقتصادية أو تجارية أو غيرها من المنافع الذاتية المصلحية، ولكنها الأسمى بين سائر المعاهدات الدولية.
لكن يمكن لمصر، الدولة الطرف في المعاهدة الثنائية أن تعلق التزاماتها بموجب المعاهدة لفترة مؤقتة، مما يعني التحلل المؤقت من التزاماتها الواردة في المعاهدة إن قامت إسرائيل بخرق جسيم لالتزاماتها فيها، ويمكن أن تقوم إسرائيل بأفعال محددة تشكل خرقا للمعاهدة أو الملحق الأمني لها أو خرق للملحق المعدل للمعاهدة الذي أبرم في عام 2005 الخاص بمحور فيلادلفيا، وأيضا التعديل الثاني للملحق الأمني الذي أبرم أيضا عام 2021 الخاص بزيادة وتعظيم قدرات حرس الحدود في المنطقة «ج».
ومن أبرز الخطوات الإسرائيلية التي تعدها مصر انتهاكا «المساس بالوضع القانوني والواقعي لمحور فيلادلفيا، الذي تم إرساؤه عام 2005»، ومساس إسرائيل بالمنطقة «د»، وهي المنطقة مخفضة التسليح في صحراء النقب في إسرائيل وفقا للملحق الأمني لمعاهدة، ويقع محور فيلادلفيا، الذي يسمى أيضا «محور صلاح الدين» َ، على امتداد الحدود بين غزة ومصر، وهو يقع ضمن منطقة عازلة بموجب اتفاقية السلام «كامب ديفيد»، بين مصر وإسرائيل عام 1979، ويبلغ طوله 14 كيلو متر.
وتعي إسرائيل جيدًا ثقل مصر في منطقة الشرق الأوسط، وعلاقتها المتميزة مع مختلف الدول، بما فيهم الولايات المتحدة، التي تقدر دور مصر جيدًا في حفظ أمن واستقرار المنطقة، فليس من مصلحة إسرائيل أن تدخل في صراع جديد مع مصر، خصوصًا بعد فشلها في تحقيق أهدافها المزعومة بالقضاء على حركة حماس وقيادتها، وإنهاء حكمهم في غزة، وهو الأمر الذي تدركه أيضًا أمريكا، التي كانت تبنت مفاوضات السلام بين مصر وإسرائيل، وشهدت على توقيع «كامب ديفيد» عام 1978.
ولا أحد يستطيع أن ينكر، دور مصر المحوري في تهدئة الأوضاع بين حماس وإسرائيل، والتخفيف من حدة التصعيد، وتبني العديد من المفاوضات بين الجانبين، وهو ما كان له تأثيرًا إيجابيًا، على دفع جهود السلام، بالإضافة إلى نجاح مصر في إدخال عدد كبير من شحنات المساعدات الإغاثية، رغم تعنت الجانب الإسرائيلي في ذلك، جميعها أمور تعلمها إسرائيل جيدًا، لذلك ستفكر حكومة نتنياهو جيدًا قبل الصدام مع مصر، الذي لازالت تمتلك زمام الأمور في المنطقة، وهو ما يربك حسابات إسرائيل، ويعطل الاستمرار في تنفيذ المخطط المزعوم.
موقف مصر الواضح، من القضية الفلسطينية، وتحذيرها شديد اللهجة الأخير، بشأن الهجوم العسكري الإسرائيلي على رفح، يجبر حكومة الاحتلال على التفكير ألف مرة، قبل اتخاذ قرار «غشيم»، قد يُعرض إسرائيل لمخاطر غير محسوبة، وجبهة لا تستطيع مقوماتها، من الممكن أن تدخل في النفق المظلم، لذلك قد تضطر حكومة الاحتلال لتأجيل أو إلغاء المخطط الخبيث، لتجنب الصدام مع مصر، التي لن تصمت أمام أي تهديد لأراضيها، وتتملك القدرة على ردع من تسول له نفسه التعدي على سيادتها، وسط جهود البحث عن نُصرة فلسطين وإقامة دولتها المُستقلة.