رامز مصطفى
أمد/ مع دخول حرب الإبادة الصهيو أمريكية ضد شعبنا في قطاع غزة شهر الخامس، فإنّ أخطر ما كشفته هذه الحرب الإجرامية أنّ زلزال ما سمي ب “الربيع العربي” الذي بدأ أواخر العام 2010، قد حقق ما سعت إليه الدوائر الأمريكية والغربية بالتحالف مع دوائر إقليمية جزء أصيل من هذه الدوائر عربية معروفة بعينها ودورها وما قامت به من تمويل سخي لتحقيق أهداف وقعّ في أولوياتها، دفع شعوب منطقتنا العربية بدولها وأقطارها نحو التقوقع في حدودها الجغرافية والقطرية، لكي ينصب اهتماماتها ضمن شرنقة تلك الحدود التي صنعتها لنا القوى الاستعمارية الغربية آنذاك.
لا شك أنّ الحقيقة وإن كانت مؤلمة، إلاّ أننا نعايشها اليوم على وقعِ حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، على سمع ومرأى شعوب أمتنا التي حولها ربيع أنظمتها إلى لمة إن لم نقل غُمة. حيث أتى تحركها في معظمه وأغلبه باهتاً خجولاً في مواجهة تلك الحرب، ودون مستوى وتطلع ما كان مأمول منها. وكأنّ ما يحدث ليس لشعبٍ عربي أصيل من أبناء جلدتهم، تجمعه واياهم وحدة الدم والتاريخ والمصير المشترك. بل هو شعب لم يسمعون عنه في الماضي أي شيء، شعبٌ مكتشف في غفلة من زمنِ ِعار أنظمةٍ باعت نفسها للشيطان الأمريكي.
شهور خمسة وحرب إبادة غير مسبوقة تنفذ على مدار الساعة وفي بثٍ مباشر من قبل ثنائي العدوان “بايدن – نتنياهو”، حصدت ما يُقارب المائة ألف بين شهيد وجريح ومفقود، جلهم من الأطفال والنساء. بالإضافة للأطباء والممرضين والمسعفين، والصحفيين والإعلامين والمراسلين، والأساتذة الجامعيين والمدرسين، والعائلات التي مُسحت بأكملها من السجل المدني، تلك حصيلة ما يزيد عن ألفين وخمسمائة مجزرة مروعة حتى الآن. فقد سويّ القطاع بأحيائه وبناهّ التحتية بالأرض، حتى المقابر لم تنجو من إجرامهم التي جرّفتها دبابات الغُزاة الصهاينة. فماذا تنظرون أو فاعلون يا أمة النشيد الشهير، والذي كان يتردد على ألسنة الملايين (بلادُ العربِ أوطاني من الشامِ لبغدانِ… ومن نجدٍ إلى يَمَنٍ، إلى مِصرَ فتطوانِ. فلا أحدٍّ يباعدُنا. ولا دينٌ يفرّقنا. لسان الضَّاد يجمعُنا، بغسانٍ وعدنانِ).
“الربيع العربي” بعمقِ حقيقة أهدافه لم يسقط بالمطلق، وهي ماثلة أمام أعيننا معايشةً. أقل تلك الأهداف تمحورت في مسألتين غاية في الخطورة، وهي المتصلة أولاً، بالتطبيع الذي سهّل على الكيان الصهيوني الاستفراد بالقضية الفلسطينية شعباً وأرضاً، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من حرب إبادة، في ظل صمت مطبق إلاّ ما رحِمّ ربي، لدليل كافٍ على ما تقدم. وثانياً، نجاحه في إحداث تغيير في أولويات واهتمامات الكثيرين من أبناء الأمة، ودفعها خارج سياق التزامهم الوطني والقومي، ليصبح هذه الالتزام حالة تندر باستبدال (الزمن العربي الجميل، بالزمنِ العربي الرديء).