مسك محمد
أمد/ ما يقرب من 5 أشهر من حرب مفتوحة مستعرة على غزة، فتحت أبواب جهنم على الشعب المعذب والمرحل من منطقة إلى أخرى، فلا أمان ولا حياة بعد أن خلفت الحرب نحو 30 ألف شهيد وحوالي 70 ألف جريح ومازالت الحصيلة في ارتفاع لحظي.
وكلما تأزم الوضع في غزة كلما تجدد الحديث عن إقامة دولة فلسطينية وحل الدولتين، فبعد أن كان حلما بعيد المنال للشعب الفلسطيني، أصبح فكرة حقيقة قد تلامس الواقع، وظهر هذا في تجديد الولايات المتحدة الأميركية دعوتها إلى إقامة دولة فلسطينية، فعلى الرغم من دعم أميركا اللامتناهي لتل أبيب في حربها على غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ردا على هجوم غير مسبوق لحركة “حماس”، إلا أنها ترحب ولأول مرة بإقامة دولة فلسطينية.
ويبدو أن مع اشتداد الحرب وسقوط المدنيين قتلى وجرحى يوميا وتشريد الآف الأسر والأطفال، عدلت واشنطن نبرتها بصورة طفيفة في الأيام الأخيرة للتخفيف من وطأة الحرب على المدنيين الفلسطينيين.
ربما ما يؤكد النية الأميركية لذلك هي زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، لإسرائيل خلال جولته الثانية إلى الشرق الأوسط منذ بدء الحرب، فدعا إلى “هدنة إنسانية” تسمح بإدخال المساعدات الدولية إلى القطاع المحاصر الذي يواجه وضعا كارثيا، كما دعا “بلينكن” في تل أبيب أن حل الدولتين هو الطريق “الوحيد” لتسوية النزاع.. فهل تستجيب تل أبيب؟
لا يتوقع أكثر المتفائلين، استجابة إسرائيل لذلك في ظل تعنت رئيس الوزراء السادي بنيامين نتنياهو، الذي يتلذذ بمشاهدة بدماء الأطفال التي تقتلهم آلة الإبادة الإسرائيلية يوميا، ومن غير المتوقع أيضا أن تنجح المبادرة الأميركية بعد سنوات من الفشل إلا برحيل حكومة اليمين المتطرف برئاسة “نتيناهو” لأنه أشد المعارضين لفكرة قيام دولة فلسطينية.
حتى لا ننسى، كان من المفترض أن يؤدي التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993 إلى قيام دولة فلسطينية، لكنه وصل الى طريق مسدود منذ أكثر من عشر سنوات، وباتت السلطة الفلسطينية في موقف ضعيف وباتت لا تمارس سوى سيطرة محدودة على بعض أقسام الضفة الغربية المحتلة، في ظل سيطرة حماس على قطاع غزة منذ عام 2007.
ولم تتخلى إسرائيل عن خطتها الاستعمارية، فاحتلت الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة في حرب عام 1967، وضمت فيما بعد القدس الشرقية وسحبت قواتها ومستوطنيها من غزة، لكن بموجب اتفاقية أوسلو للسلام، تم تقسيم الضفة الغربية إلى 3 مناطق، وعاش أكثر من 700 ألف مستوطن يهودي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهي الأرض التي يريد الفلسطينيون، إلى جانب المجتمع الدولي، إقامة دولة فلسطينية مستقبلية عليها، إلى جانب غزة.
وبالنظر إلى دعوة أميركا الأخيرة لحل الدولتين فربما تشير إلى بصيص أمل لكنه يحتاج رؤية واتفاق إطاري يلزم إسرائيل بالتخلي عن سياسة التعنت والكبر والجلوس على مائدة من أجل وضع حدا للحروب المتواصلة على أرض فلسطين من ناحية، ولخلق هدوء في الداخل الإسرائيلي من ناحية أخرى، حيث لا ضرر ولا ضرار، خاصة بعدما كشف استطلاع للرأي لمركز “بيو” للأبحاث في وقت سابق هذه السنة أن 36% فقط من الإسرائيليين يعتبرون أن بإمكان الدولة العبرية التعايش سلميا مع دولة فلسطينية مستقلة.
أما “حماس” فهي ملزمة هي الآخرى- في حالة التواقق والوفاق-، بالقبول بحل الدولتين لكونه مؤشر جيد لإقامة دولة فلسطينية مستقبلا.. لكن ما يدعو للتفاؤل أيضا، هو التفاف العرب حول الفكرة بحل الدولتين حول هذا لإنهاء أوجاع الفلسطينيين، فقوبلت هذه الدعوة بترحيب عربي واسع، وبناء على ذلك قادت مصر وقطر مفاوضات بين حماس وإسرائيل من أجل التوصل إلى هدنة كلبنة أولى لتحقيق التوصية الأميركية بحل الدولتين.
ويبدو أن هذا المقترح هو السبيل الأوحد لحل عادل ودائم للصراع في الشرق الأوسط لتحقيق سلام شامل بين الجانبين.. فمسار حل الدولتين بالتأكيد يواجهه كثيرا من العوائق في ظل رفضه من قبل إسرائيل بشكل صريح، لكنه سيكون بالتأكيد الحل الوحيد لمصلحة الجميع قبل أن تنفجر الأوضاع في الشرق الأوسط وتنعكس سلبا على الدول الغربية!