د. طلال الشريف
أمد/ الإكتئاب العام هو أزمة المجتمع الفلسطيني القادمة بشكل عام والمجتمع الغزي بشكل خاص بعد نهاية الحرب على قطاع غزة، والحرب على غزة لم تقف عند حدود قطاع غزة في أثرها بل هي ممتدة ومتغلغلة في المجتمع الفلسطيني بمجمله وأينما تواجد الفرد او الجماعة الفلسطينية في الضفة ودول المهجر ودول العمل واللجوء.
عندما ترتفع نسب الإكتئاب في المجتمع فتصبح أزمة عامة، وحالة مرضية مكتسبة ستمتد لسنوات للشفاء المحتمل منها إذا قدر لها السير في مراحل الشفاء، أما إذا لم تتمكن جماعة المجتمع من مغادرة أزمة الإكتئاب العام بفعل الإنتكاسات أو ارتدادات مسببات الأزمة أو عدم الكفاءة في إدارة الأزمة وهذا وارد جدا وله علاقة بتركيب الشخصية الفردية المنتجة لثقافة المجتمع في عملية الصراع بين التغيير واستقدام او استعادة ثقافة ما قبل الأزمة، وخاصة عناصر التأثير الذاتي، بعد زوال عناصر التأثير الخارجي أي بعد إنتهاء الحرب.
يعتبر التغيير أهم شروط نجاح المجتمع في الخلاص من الازمة المتوقعة وهي ازمة الإكتئاب العام التي نتحدث بصددها.
هنا لابد من التنويه بان العنصر الخارجي المشارك في انتاج الازمة أي جيش الإحتلال لا ينتهي بانتهاء الحرب، حيث نتج ايضا عنصرا خارجيا آخرا هو العلاقات الدولية التي تغير مفهومها نحو حل الصراع وجذوره حين اعلنت معظم الدول وخاصة الدول الكبار الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التي تشكل “كتلة الرسمية الدولية” بقناعتها عن ضرورة وإلحاحية ولزوم أفق سياسي محدد بإقامة دولة فلسطين بجانب دولة إسرائيل في الوقت الذي عززت فيه “الكتلة الشعبية” غير الرسمية أيضا بتظاهراتها المؤيدة لحرية فلسطين ووقف الحرب، مضافا إليها عنصرا غير مباشر نتج عن طبيعة الحرب التي مورست فيها الإبادة الجماعية او ما يقترب منها او كانت مهددة لحدوثها أو كما ستستخلص النتائج محكمة العدل الدولية قيد الانعقاد وهذا يمكن ان يكون عنصرا اضافيا في اتجاه خلق الأفق السياسي ما بعد الحرب.
الفلسطينيون بشكل عام وخاصة أهل قطاع غزة تشوبهم حالة من العبور للإكتئاب العام التي ستكبر كرة الثلج فيها رويدا رويدا في غياب أشكال متعددة من حيثيات لوازم الحياة الكريمة او عدم توفر أدنى مقوماتها.
الفلسطينيون في قطاع غزة هذه الأثناء مازالوا معرضين لاستمرار القتل والدمار وتواصل حالات القلق والخوف والهلع والفقدان لكن “صورة الغد ” تتحدث عن ازمات ستؤدي لأزمة إكتئاب عام قادم. وصورة الغد مكبرة ام مصغرة واضحة المعالم فيها على نحو:
لا يوجد منازل للسكن، لا يوجد شوارع للحركة ويوجد كم هائل من الركام والتلفيات واقتلاع الأسفلتات ، لا يوجد مستشفيات للعلاج ولا يوجد أجهزة وادوات طبية ولا يوجد عقار ودواء ولا صيدليات، وهناك تفاقم للأمراض المزمنة والامراض المعدية وامراض سوء النغذية، لا يوجد مدارس او جامعات او رياض اطفال، لا توجد خطوط كهرباء، لا توجد شبكات مياه صالحة للشرب، لا يوجد شبكات صرف صحي، لا توجد فرص عمل، لا يوجد وظائف، لا يوجد مواد غذائية، لا يوجد إنتاج زراعي، لا يوجد مصانع، لا يوجد أمن وأمان، هناك ألآف الأيتام وهناك ألآف الأرامل وهناك ألآف الجرحى والمعاقين والحالات النفسية ، وهناك فقدان للأملاك والعقارات، وهناك فقدان للاوراق الرسمية والثبوتية، والشهادات العلمية، لا توجد مخابز، لا توجد مطاعم، لا توجد أسواق ولا حوانيت ولا مولات، لا يوجد حدائق او ملاهي أو كافيهات ولا فنادق ولا متاحف وكله مدمر بسبب الحرب.
كل حيثيات الحياة غائبة او تالفة مدمرة وكلها مداخل لعبور إجباري للإكتئاب العام وما سينتجه ذلك من ظواهر ومظاهر سلبية ستفتك بالمجتمع الغزي أثناء وبعد عبور لهذه الحالة المدمرة وقد بدات مظاهرها تتكشف حتى قبل انتهاء الحرب أي في مجتمع النزوح بارتفاع الأسعار وعصابات السرقة مؤشر للقادم في مجتمعنا ما بعد الحرب والتي ستصبح قاعدة لإنتاج تجارة المخدرات والدعارة والجريمة المنظمة والانتحار الفردي والجماعي والأتجار بالبشر والتهريب والحرب الأهلية، فنحن مجتمع مثل باقي المجتمعات ما بعد الحروب بل الحرب على غزة كانت غير مسبوقة في التاريخ وستكون نتائجها السلبية غير مسبوقة أيضا، ولا ندري ما ستنتجه حالة ما بعد الحرب من ظواهر سلبية، فنحن نتحدث عما هو معروف في علوم الإجتماع، وما رأيناه في تجارب حروب الآخرين، فما نعرفه حتى الآن هو أن حالة او ازمة الإكتئاب العام ستجتاح مجتمعنا، أما، ما لا نعرفه من ظواهر جديدة ستترتب على هذا الإكتئاب فهي في علم الغيب.
ملاحظة واقتراح :
لان عدد الايتام والأرامل والمعاقين كبير جدا اتمنى ان يستحدث رئيس الوزراء التكنوقراطي الجديد وزارة خاصة بهؤلاء بعيدا عن وزارة الشؤون الإجتماعية ووزارة الصحة إذا أردنا أن نعتني بهذا القطاع الجديد من المعانين وليكن ولأول مرة وزيرا لشؤون الأيتام والأرامل والمعاقين وتأهيلهم لكي لا يتحولوا لقنابل موقوتة، وليس بنمطية مخصصات معيشية اجتماعية والسلام.