راسم عبيدات
أمد/ ما لمسناه من الموقف القوي الذي اتخذه الرئيس البرازيلي لولا دي سلفيا ضد دولة الإحتلال” الإسرائيلي”،حيث وصف ما يرتكب من جرائم من قبلها بحق الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة بالإبادة الجماعية،هذه الأقوال دفعت بحكومة الإحتلال لشن حملة على الرئيس البرازيلي واصفةتصريحاته تلك بالوقحة والحقيرة،والتي في نهايتها أدت الى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين،وكذلك التبدلات الملحوظة في المواقف الصينية والروسية على صعيد قضية أمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر وبحر العرب،رغم تضرر الصين إقتصادياً من إغلاق اليمن ” جماعة انصار الله” للبحر الأحمر في وجه السفن التي تحمل البضائع الى “اسرائيل” ولتطال العقوبات لاحقاً السفن الإمريكية والبريطانية، لقيامها بالعدوان المستمر على اليمن،حيث أكد وزير الدفاع اليمني في حكومة تصريف الأعمال محمد العاطفي، بأن اختزال الجغرافيا وادعاء الوصاية الأمريكية والبريطانية و”الإسرائيلية” على البحر الأحمر أصًبح أمراً غير مرغوب وغير مرحب به،وبان الأمن البحري للبحرين الأحمر والعربي أُعيدت صياغته بشكل سليم،وكذلك موقف المندوب الصيني في المرافعات التي جرت في محكمة العدل الدولية،والتي قال فيها بأن من حق الشعب الفلسطيني استناداً الى قرارات الشرعية الدولية ، إستخدام كل أشكال وأسالب النضال بما فيها الكفاح المسلح من أجل استعادة حقوقه،وبأن “اسرائيل” دولة محتلة لا يحق لها الدفاع عن نفسها،وكذلك قيام روسيا بإهانة احد الدبلوماسيين ” الإسرائيليين” في مطار موسكو وتفتيشه بطريقة مذلة،وأيضاً تزويد ايران لروسيا بمئات الصواريخ الباليستية،وكذلك الزيارات التي قامت بها وفود من حركة حماس والجهاد الإسلامي،أكثر من زيارة لموسكو،ولقاء القادة الروس،والدعوة الروسية ل 14 فصيلاً فلسطينياً الى موسكو،من أجل العمل على تحقيق مصالحة فلسطينية شاملة عبر حوار وطني شامل،تمتد من 29 شباط الحالي وحتى الثاني من آذار القادم، وهذا يؤكد على أن روسيا باتت لاعب أساسي في الساحة الفلسطينية،وفي أية حلول سياسية .
وكذلك سبق ذلك قيام دولة جنوب افريقيا في أواخر عام 2023 برفع قضية ضد ” اسرائيل” أمام محكمة العدل الدولية،بتهم إرتكاب ابادة جماعية بحق سكان قطاع غزة ….وتوسع مفاعيل هذه الجبهة العالمية على المستوى العالمي،لتطال الكثير من شعوب دول العالم ،حتى التي تشكل دولها جزء من التحالف مع “اسرائيل” في الحرب العدوانية المستمرة على الشعب الفلسطيني،وهي المرة الأولى التي تخسر فيها ” اسرائيل” الرأي العام الأوروبي،وربما الشبابي الأمريكي.
هذه الجبهة التي إنطلقت شرارتها ،نتيجة إنكشاف حجم ما ارتكبته ” اسرائيل” من مجازر وجرائم بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة،ولعل العامل الحازم في هذه الجبهة هو حالة الصمود الإسطوري للمقاومة الفلسطينية في وجه اعتى آلة حرب عسكرية في المنطقة…كل هذه الأمور وسعت من دائرة الجبهة العالمية المناصرة للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني ،حيث تشمل العديد من دول امريكا اللاتينية مثل بوليفيا وتشيلي وكولومبيا وفنزويلا يضاف لها كوبا والبرازيل وايرلندا …ولتمتد هذه الجبهة الى الإقليم حيث تقف في المقدمة ايران وهناك عربياً الجزائر والعراق وسوريا .
الحادثة التي شهدناها أول أمس الأحد 25/2/2024 بقيام أحد الجنود الأمريكان بإحراق نفسه أمام السفارة “الإسرائيلية” في واشنطن ،إحتجاجاً على ما قاله الشراكة الأمريكية مع ” اسرائيل” بإرتكاب جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة،حيث كان يهتف “فلسطين حرة”…هذه العملية التي أقدم عليها هذا الجندي الأمريكي ذو البشرة البيضاء ،نخب أول وشعر اشقر وعيون زرقاء،وليس “سحنة” سمراء او حمراء، عرت أمريكا وفضحتها اخلاقياً وإنسانياً وسياسياً،وهي التي تدعي التمسك بقيم الإنسانية والدفاع عن حقوق الأطفال والنساء،والتمسك بقيم العدالة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان،أمريكا التي زادت عزلتها وإنكشاف دورها المشارك في الحرب العدوانية “الإسرائيلية” ،وعدم منعها لإرتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين، بإستخدامها لحق النقض” الفيتو” ثلاث مرات ضد قرارات تدعو لوقف إطلاق النار في قطاع غزة لدواعي إنسانية،وكذلك تزويدها ل” اسرائيل بالمساعدات العسكرية وبأحدث الأسلحة والذخائر،بما في ذلك صواريخ موجهة وقنابل ذكية زنة 2000 رطل خارقة للتحصينات،وأيضا الدعم المالي بمليارات الدولارات والغطاء السياسي والإعلامي و المساعدات الإستخبارية واللوجستية،وتبني الرواية والسردية ” الإسرائيلية”،الجندي الأمريكي أورون بوشنل،هو استشهد دفاعاً عن الإنسانية،في صحوة ضميرية عبر عنها بحرق نفسه.
وايضاً في هذا الإطار قام المزارعون في بلجيكا بحرق اطارات قرب مقر المجلس الأوروبي في بروكسل احتجاجاً على السياسات الإقتصادية والإجتماعية الأوروبية ودعمهم للحرب العدوانية على الشعب الفلسطيني وللجرائم التي يتعرض لها.
وحتى داخل دولة الإحتلال نفسها وجدنا الفتاة صوفيا أور (18 عاماً) ،أول فتاة إسرائيلية تدخل السجن لرفضها الخدمة العسكرية بسبب معتقداتها السياسية،وفي تصريحات سابقة لها،قالت صوفيا “في 25 فبراير/شباط تاريخ تجنيدها،سأرفض التجنيد وسأدخل السجن العسكري بسبب ذلك، فأنا أرفض المشاركة في سياسات القمع والفصل العنصري العنيفة التي فرضتها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، وخاصة الآن مع الحرب”.
وعلى خلفية هذا الموقف تلقت صوفيا بعد إعلانها موقفها تهديدات بالقتل والاغتصاب واتهامها في مواقع التواصل بالخيانة، ووصفها أصدقاؤها بأنها يهودية كارهة لذاتها.
وسبق أن حُكم على الشاب تال ميتنيك، البالغ من العمر 18 عاما من تل أبيب، بالسجن 30 يوما لرفضه التجنيد في الجيش بعد أن أدان العدوان على غزة، ووصفه بأنه “حملة انتقامية.. ليست فقط ضد حركة حماس، بل ضد الشعب الفلسطيني”.
لأول مرة دولة الإحتلال تهزم على صعيد الرواية والسردية،وكذلك على صعيد الرأي العام العالمي،حيث كانت الشعوب الأوروبية الغربية والشعب الأمريكي،في ظل غياب الرواية والسردية الفلسطينية،والسيطرة المطلقة “الإسرائيلية” على الفضائين الإعلامي والثقافي في تلك الدول، بفضل قوة لوبياتها الصهيونية وتغلغلها في المراكز القيادية وصناعة القرار في تلك الدول ،والسيطرة المالية والإقتصادية،ينحازون ويتبنون الرواية والسردية ” الإسرائيلية” ،وكل من ينتقد دولة الإحتلال، يتعرض الى حملة شرسة ،تفقده وظيفته او موقعه ،ف”اسرائيل” كانت بمثابة ” البقرة المقدسة”،التي لا يجوز الإقتراب منها بالإنتقاد او الإدانة،وكل من يقدم على ذلك يتهم باللاسامية والعنصرية والحقد على اليهود.
الجبهة العالمية تتسع وتتمدد لتطال مؤسسات أكاديمة وجامعات،تدعو لمقاطعة الجامعات ” الإسرائيلية” وفك علاقات التعاون والتبادل الثقافي والعلمي معها،وكذلك وجدنا على خلفية الجرائم ” الإسرائيلية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني ،بأن هناك مئات المحامين من مختلف دول العالم تجندوا من أجل رفع قضايا على قادة دولة الإحتلال في محكمة الجنايات الدولية،بتهم إرتكاب جرائم حرب ، إستناداً الى ما تخلص اليه محكمة العدل الدولية من قرارات، يبنى عليها ويسترشد بها في محكمة الجنايات الدولية في توجيه الإتهامات لهؤلاء القادة “الإسرائيليين” .
في الوقت الذي تتوسع فيه هذه الجبهة العالمية ضد دولة الإحتلال، ضد الهيمنة الأمريكية والعنصرية ” الإسرائيلية” ،وفي ظل أزدياد حملات المقاطعة لها والدعوة لفرض عقوبات عليها،نجد ان دول النظام الرسمي العربي والعديد من الدول الإسلامية،بدلاً من أن تسهم في هذا الجهد وان تكون السباقة في هذا الجانب من منطلقات الأخوة والإنتماء الوطني والقومي والعقائدي والديني، لم تقم بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع ” اسرائيل”،بل وجدنا بان العديد منها تقدم بالإلتفاف على الحصار الإقتصادي التي تفرضه جماعة ” انصار الله ” اليمنية على السفن التي تحمل البضائع الى “اسرائيل” بمنعها من المرور عبر البحر الأحمر،من خلال قيامها بإقامة جسر بري ينقل البضائع الى ” اسرائيل” عبر الشاحنات،بعد ان تقوم السفن بإفراغ حمولتها في الموانىء الإماراتية والبحرانية.