أحمد عبدالوهاب
أمد/ سيل دماء الأبرياء، لا يتوقف على أرض النضال في غزة، وسط استمرار جيش الاحتلال في ارتكاب جرائمه الوحشية تجاه المدنيين العُزل، ويشير الرقم المُفزع للشهداء والجرحى، الذي تخطى 100 ألف فلسطيني، إلى حجم الكارثة الإنسانية المروعة، التي يشهدها قطاع غزة، منذ أحداث 7 أكتوبر. وعجز مجلس الأمن الدولي، في إيقاف جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي، للمرة الثالثة، بعد الفيتو الأمريكي، الذي منع صدور قرار وقف إطلاق النار، وأعطى الضوء الأخضر لحكومة نتنياهو، لمواصلة سفك دماء الأبرياء، بحجة ملاحقة عناصر «حماس».
ويبدو أن حركة حماس، بدأت تشعر بالحصار، وعدم القدرة على مواصلة الحرب أمام جيش الاحتلال، الذي يتلقى دعمًا بلا حدود من الولايات المتحدة وحلفاؤها، وهو ما جعل اللهجة الإيرانية تتغير في الحوار، والمعلوم أن إيران هي الداعم الرئيسي لحركة حماس عسكريًا ولوجيستيًا، وتشير تصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، خلال زياته الأخيرة للبنان، أن بلاده ترغب في رأب الصدع والتهدئة بين حماس وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وعدم توسيع دائرة الحرب في المنطقة.
وترى إيران التي تقود «محور المقاومة»، وتنضوي فيه فصائل فلسطينية بينها حركة حماس وأخرى عراقية ويمنية إضافة إلى حزب الله اللبناني، أن التطورات في قطاع غزة تتجه نحو حل سياسي، بينما يرى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، أن الحل في الحرب لإنقاذ نفسه، وأيضًا حذرت من أي خطوة تتخذها إسرائيل نحو هجوم واسع النطاق على لبنان، ووصفت ذلك بأنه سيكون «اليوم الأخير لنتنياهو».
لهجة «عبداللهيان» في التصريحات، أكدت الرغبة الإيرانية في إيجاد حل سياسي لإنهاء الهجمات الإسرائيلية وجرائم الحرب ضد الفلسطينيين في أسرع وقت ممكن، وأدركت إيران على أن كل مبادرة سياسية يتعين اعتبار دور الشعب الفلسطيني، وأن القيادات والمجموعات الفلسطينية هم الركيزة الأساسية، مع الوضع في الاعتبار أن فلسطين هي صاحبة الحق فقط في تقرير مصيرها، وأن إيران وحزب الله لم يسعيا إلى توسيع نطاق الأعمال القتالية في المنطقة، وربط الرغبة بالتهدئة بعدم قدرة إسرائيل على خوض حربين في نفس الوقت، ولن يكون قادرا أبدا على القتال على جبهتين.
عدم الرغبة في توسيع دائرة الحرب، إشارة واضحة إلى أن إيران وضعت خطوطًا حمراء لحزب الله للاستمرار في الاشتباك مع الإسرائيليين – وفق قواعد الاشتباك المعهودة – وهو ما يفسر الرد المحسوب للحزب بالرغم من ارتفاع أعداد القتلى في صفوف عناصره، وتوجه إيران رسائلها إلى إسرائيل والولايات المتحدة، وكذلك إلى الأوروبيين، وخاصة فرنسا التي تسعى للاستفادة من التهدئة، للاستمرار في لعب دور الوسيط لحل الأزمة السياسية اللبنانية المؤجلة منذ أشهر.
ما ذكره بيان الخارجية الإيرانية، بأن طهران تتبادل الرسائل مع الولايات المتحدة – ألد أعداءها – بأن واشنطن دعتها لمطالبة حزب الله، بعدم الانخراط على نطاق واسع وكامل في هذه الحرب ضد إسرائيل.. وتشير بعض التحليلات السياسية للأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، بأن أحداث 7 أكتوبر، تم التخطيط لها قبل بعض المسؤولين التنفيذيين في حركة حماس، ودون إبلاغ القادة السياسيين الذين يعيشون في قطر، وتم تنفيذها دون التنسيق مع حزب الله أو فيلق القدس المسؤول عن العمليات الخارجية، وقادة حماس في غزة نفذوا هذا الهجوم لعدة أسباب، بما في ذلك المشاكل الداخلية في غزة وداخل حماس، والرغبة في إضعاف السلطة الفلسطينية ونسف الجهود التي تدعمها الولايات المتحدة لصياغة التطبيع بين إسرائيل والسعودية، ولذلك فإن هناك شعورًا بالاستياء الإيراني من قادة حماس العسكريين المتمركزين في غزة.
وتعتمد إيران على تنسيق الهجمات التي يشنها حلفاؤها، بهدف تخفيف الضغط العسكري الإسرائيلي على حركة حماس، وفي نفس الوقت تسعى لتجنب اندلاع حرب إقليمية، ويبدو أن الجمهورية الإسلامية متأكدة من هزيمة إسرائيل، والكثير من الأوراق الإيرانية موجودة في الصراع، ويستفيد كل تنظيم وميليشيا من استقلالية واسعة النطاق، تحت سيطرة «غرفة العمليات المشتركة» ومقرها بيروت، وتأتي المهمة الأساسية لهذه الغرفة هي إنقاذ «حماس».
ويبدو أن حدة الصراع، بلغت مداها خصوصًا في ظل مواصلة جيش الاحتلال جرائهم تجاه الشعب الفلسطيني، ولم تفلح جهود التهدئة التي تقودها مصر وقطر والأردن، والعديد من الأطراف ذات الصلة، والمشهد لازال بلا رؤية واضحة، ولكن ما يحدث على الساحة، هو محاولة إيرانية لإنقاذ «حماس»، من التهديد العسكري الإسرائيلي، عن طريق إيجاد حل سياسي، للخروج من المأزق، دون النظر إلى السعي لإنهاء معاناة الفلسطينيين، وغض البصر عن حجم الشهداء والضحاياه الأبرياء، ولا أحد يعرف مصير الصراع الذي بلغ مداه، وبدأ يتوسع في نطاق المنطقة، التي أصبحت ملتهبة، ويبدوا أن الحل الإلهي هو فقط من يستطيع إنهاء الصراع، ولكن لا يعرف متى سيحدث.