حاتم أبو شمالة
أمد/ السلام على من اتبع الهدى ،،
هل تذكر كرجل عطاؤك الشديد لأسرتك حد التضحية ، هل تذكرين كسيدة منحك المبالغ حد الارهاق والمرض، بل هل تذكر كموظف إخلاصك لشركتك حد التأثير على صحتك النفسية والجسدية ، أم تذكرين كزوجة تفانيك لزوجك حد الانهيار، ثم يأتي لك الممنوح أو المضحى من أجله سواء عائلة أو حبيب أو حتى رب عمل ليقول لك بكل بساطة (لم يطلب منك أحد هذا، أو من قال لك أن تفعل ذلك)، لو قيل لك هذا ، ما شعورك ؟ الظلم أم القهر أم الغيظ أم الخذلان أم مزيج من كل مشاعر الكون السلبية المؤلمة؟بل قد يتطرف البعض في صدمته فينهار أو حتى ينتحر خاصة في البلاد التي يكون الانتحار أحد خيارات التعبير عن الألم أو الاعتراض أو حتى الاكتئاب.
قرأت مشاكل ومنشورات وقصص وتويتات تصب في هذا المعنى ، ورأيت جموع المعلقين وهم يتعاطفون ويتألمون من أجل من منحوا وخذلوا (بضم الخاء)، وجموع آخرين تسب في اللاممتنين لعطاءات وتضحيات الأحباب ، وجموع ثالثة تسدي النصائح، أن الحياة باتت قاسية ، فلا مزيد من التضيحة ولا عناء من أجل شخص أو قيمة أو حتى مبدأ
حسنا هذا على صعيد أسرة صغيرة، أو شركة ما، على صعيد عطاء نفسي أو شعوري أو حتى مادي، ماذا لو كان المضحي أسيرا، والعطاء روح وفداء وتضحية وأحلام وأمنيات وسنوات من العمر خلف القضبان، ماذا لو كان الثمن لهذه التضحية عقاب وضرب وإهانة وجوع وذل وربما اعتداءات نفسية وجنسية ، هل تستطيع أن تقول له (لم يطلب منك أحد هذا، أو من قال لك أن تفعل ذلك)، هلا قلت لي بماذا تشعر حينها لو كنت أسير
فماذا لو كانت تضحية الأسير ، ليس من أجل أسرة يعيلها، أو حبيبة يعشقها ، أو أبناء يحبهم، بمعنى أن التضحية ليست شخصية أبدا، بل كانت من أجل وطن ومبدأ ، من أجلك وأجلي كي نتحرر من نير الاحتلال، فلا نذوق من ويلاته قتلا وتهجيرا وإذلالا، هل تستطيع ان تقول له( من قال لك أن تفعل ، انا أقبل أن اعيش تحت الاحتلال)
أما ما يغيظ في الأمر فقول أحدهم ، الأسير من اختار خياره، يتحدث عن الخيار الذي اختاره الأسير كما لو كان خيار سفر أو دراسة أو زواج، وليس خيار موت وتضحية وفداء، كما لو كان خيار لمصلحة شخصية وليس لمصلحة وطن بأكمله ؟ ما هذا الهراء في الاختيار وفنونه ؟
ثم هل تحرير الأوطان والنضال يقع على عائق فئة من بضعة آلاف ، منهم آسرانا، فإن ابتلوا وسجنوا وسحلوا فهذا خيارهم، وإن تحررت الأوطان وباتت لنا دولة، فذاك وطن الجميع ودولة كل المواطنين، في التضحية خيارهم وحدهم وفي جني الثمار فنحن جميعا الوطن
أو قول أحدهم ، فليتحمل مشكلة سجنه، وليحلها بعيدا عني، كأنما السجن كانت بسبب شيكات بدون رصيد، أو ربما بسبب أنه لم يسدد أقساط الثلاجة التي اشتراها !!!
يتحدثون عن حياتهم وأحلامهم وطموحهم وخططهم وعائلاتهم التي خسروها ، وهذا لعمري مشروع ، لكن لماذا لا نتذكر أن للأسير أيضا حياة وأحلام وطموح وخطط وعائلة تنتظرة، وابنة تتمنى عناقه، وزوجة تنتظر خروجه بفارغ الصبر، وأب يبكي دما بداخله، وأم بات فؤادها هواء مذ الليلة الأولى من أسره.
وأولئك الذي ينصحون أهلنا في الضفة بأن يبتعدوا عن خيار أكتوبر أو خازوقه على حد تعبيرهم، ثم يضعون باللائمة والمسئولية على الأسرى مطالبيهم بأن يخرجوا فورا ويعلنوا رفضهم للخروج عبر صفقة ناجمة عن أحداث أكتوبر أقول لهم . لا تستغلوا عزة الأسير وروحه التي تأبي الأسر ، فتضغطون عليه بكلامكم وتتحدثون باسمه قائلين : ( لو كان أسيرا شريفا ما قبل أن يخرج مقابل كل هذه الويلات) فوالله لو أسيرا سمع ما تقولون لمات قهرا من خذلان الأوطان وليس من سوط السجان.
ثم أيها الناصحون نصحا ظاهره في الرحمة وباطنه فيه العذاب، هلأ اخبرتمونا ماذا فعلتم للأسرى؟ وماذا فعل خيار الضفة الحالي لهم ، هل فك كرب أسير أو قلل محكوميته؟ إن آخر ما تم فعله للأسرى كان صفقة شاليط التي كانت غزة عرابها، أم نفهم من نصحكم أن دعوا الأسرى يموتون بصمت ولا يزعجوننا بمطالب، ولا يزعجنا أيضا من يريد أن يفعل شيئا لهم، دعونا نأكل ونشرب ننكح وننجب تماما كما أراد العدو لنا من حياة.